2

25 3 2
                                    


في السّاعة 03:00
وصلت لانا مع خاطفها إلى منتصف الشَّارع المقابل، كان خاليًا حتّى من النّملات والقطط، ها هي تقترب رويدًا رويدًا من الضوء، إلى أن استطاعت تمييزه ..
كان عبارةً عن مركبة نقلٍ غريبة الأطوار، متوسطة الحجم، أسطوانيّة الشّكل ،حادّة الرّأس ومدبّبة قليلاً من الأعلى، فضيّة الّلون ، على جوانبها جناحان كبيران ملوّنان كريش البّبغاء، يصدر من قبّتها ضوءٌ أصفرُ قويٌ جداً ليضيء عتمة السماء برونقه، فُتِحَ الباب بشكلٍ ملتفٍ مُلفتٍ للنظر ، صعدوا على متنها .. كان داخلها معتمٌ قليلاً لكن يبدو أنه يتّسع لأربع أو خمس ركّاب واقفين فلم يكن هنالك سوى كرسيٌ وحيدٌ بجانب المقود وباقي المساحة خالية. أُغلِق الباب وأُعتِم المكان تماماً، بدأ قلب لانا يقرع الطبول ويحتفل حين صعدت المركبة بسرعةٍ فائقةٍ نحو السّماء، كانت فَزِعة.. فأغمضت عينيها برهة من الزمن ، كم تمنَت لو أنَها تستيقظ فتجد نفسها على سريرها مجدداً! لكن باءت آمالها بالفشل فما إن فتحت أعينها حتى تضاعف رعبها أضعافاً مضاعفة فقد أنير المكان بشدّة لترى عيونًا آدمية تحدّق بها مباشرة دون رفّة جفن واحدة.. استفاقت من صدمتها وبدأت تسأل وتردّد باستمرار :

"من أنت ؟! إلى أين تأخذني؟! أأنت ساحر ؟! كيف أخذتني هكذا دون مقاومة ؟! ماذا تريد منّي؟! "

استوعبت لانا فكرة اختطافها للتّو وبدأ الرُّعب يتملّك جسدها الضعيف.
-------------------------------------------

لم يجبها ذاك الرّجل الغريب لكنّه ابتعد عنها ببطءٍ حين لاحظ شدّة خوفها .. رفع يديه بحركةٍ بطيئة، أرجعهما إلى خلف رأسه و أصدر صوت طقطقةٍ غريبة من رأسه وحتى أخمص قدميه ثم وبسرعةٍ فائقة سقط قناع الرجل الآدمي وعباءته الكبيرة على الأرض.
ظهر تحتها كائنٌ لم تره لانا من قبل ، صرخت صوتاً قوياً مدوياً وقفزت إلى زاوية في مؤخرة المركبة بسرعة، ضمت ركبتيها إلى صدرها ، غطّت وجهها وبدأت بالبكاء.
مشى إليها ذاك الغريب ببطء وأخذ يتأمّل وجهها ودموعها بعيونه السوداء الكبيرة.. محرّكاً رأسه يمنةً ويسرى، ابتسم ابتسامةً عريضة ومدَّ إصبعه إلى خدِّها وأخذ يضحك بصوتٍ مريب!...

في الساعة 03:10
وبعد أن أشبع الغريبان أعينهما بالحملقة إلى المسكينة لانا حطَّت مركبتهم على سطحٍ مستوٍ، عاد الأمل إلى فتاتنا مجدداً وركضت نحو الباب ظنّاً منها أنهم أعادوها إلى المنزل، وعندما فتح الباب تجمَّدت لانا في مكانها واستدارت عيناها من الدهشة وبحركةٍ عفوية ابتسمت ابتسامةً عريضة وركضت بحماسٍ تستكشف المكان شبراً تلو الآخر.
فهي لم تهبط على الأرض أبداً لكنها سبق ورأت هذا المكان الخلاّب من قبل ، فكلّ شيءٍ هنا أصفر اللّون باستثناء بعض الزّينةِ بالورديّ وقليل من الأخضر. مساكن غريبة تشبه بيوت السنافر إلا أنّها أكبر حجماً، بُنيت برأسٍ أرجوانيٍّ فاتح وجذعٌ أصفر، يشعُّ منها ضوءٌ أبيض ينير بقعةً واسعةً حوله، الأرض يكسوها لون ورديّ مزيّنةً بأزهار التوليب متعدّدة الألوان، جدولٌ رفيعٌ على طرف الشّارع، بئرٌ صغيرٌ بجانب كلّ منزل، أرجوحةٌ ثنائيةٌ صفراء يبعث لونها السرور والطمأنينة، سماؤهم سوداء مليئةٌ بالنّجوم، كما يوجد أيضاً آلات خياطةٍ كبيرةٍ تنسج أطناناً من القّبعات الملوّنة التي تنتشر على رؤوس الجميع..
أما عن سكّان هذا المكان الغامض والذين يترأسون هذه الآلات فهم كائناتٌ بيضاء طويلة القامة، رأسها على شكل المكعب، فاقدةٌ للرقبة كليّاً، عيناها مغزليّتان شديدتا السواد، فمها كبيرٌ ومليءٌ بأسنانٍ صغيرةٍ ناصعة البياض، لا أنف لها ولا أذنين، لا ترتدي أحذية، بدلاً عن ذلك لهم اثنا عشر  إصبعاً في يديهم ومثلهم في القدمين، يضعون قبعات متماثلة شكلاً ومختلفة لوناً.. كما أنه يوجد لديهم شقٌ صغير في جبهتهم ظنّت لانا للوهلة الأولى أنه عوض عن أذنيها المفقودة.. كلّهم كانوا متشابهين، تماماً كاللذان كانا في المركبة، كلّ شيءٍ هنا جميلٌ وغريب ولكنّه مألوف ..

الحكيم هيكتوريا~حيث تعيش القصص. اكتشف الآن