فتحت عيناي في غرفة خالية يسودها الصمت..تذكرت ما حدث فبدأت بالصراخ ألما على روح صعدت للسماء وتركت جسدها في الأرض ، صرخت ألما على أب ترك طفلة تبلغ من العمر عشر سنوات، صرخت ألما على إبن ترك أبوين عجوزين بالكاد تحملهما الأقدام .. سمعتني جدتي "القلب الطيب و الحنون ، عانقتني بحرارة لعلها تخفف من ألمي وأنا على علم أنها هي من تحتاج العناق لقد فقدت إبن في التلاثينات، فقدت فلذة كبدها ، فقدت القلب الصافي ..لكنها رغم ذلك تخرج إبتسامة يغلب عليها طابع الحزن وذلك حتى لا تشعرني بالنقص، لكنها لا تعلم أن فقدان الأب معناه أن تخسر الجدار الذي تستند إليه و يجعلك في مهب ريح قد لا ترحم من هم مثلي، أن فقدان الأب معناه أن تفقد السماء التي تجود بنبع الحب و الحنان، أن فقدان الأب معناه أن تفقد المظلة التي تحميكي من الشرور وتجعلكي وحيدة في مواجهة العالم، أن فقدان الأب معناه أن تحس بمعنى الوحدة فقد فقدت من يمد يده ليساعدني ، ولو مدت لي ألف يد.
لما رأيتها تقاتل لتغطية حزنها و ضعفها أمامي، قررت التصرف مثلها فإلى أي مدى سأبقى هكذا، يجب علي الصمود..نعم..الصمود لأن الحياة لا تتوقف عند أحد إختفى، وجب علينا الإستمرارية، تكرر بداخلي صوته البعيد الذي يقول لي تذكري "رزقت ببنت عن ألف رجل" هذه الجملة بحد ذاتها تجعلني أقوى و قادرة على تحمل كل الصعاب رغم صغر سني لأن القوة لا تقاس بالعمر أو الحجم.
فعزمت على تطبيق مقولته وأن أكون خليفته الصغرى في البيت، رغم صغري كانت أفكاري كبيرة.. مرت أيام العزاء و بدأت أخد مكانه تدريجيا وما إن بلغت من العمر إثنا عشر سنة حتى بدأ رأيي في البيت مسموع وأصبحت مدللة الكل و محبوبة الساكنة لكن رغم ذلك ذكراه لم تنسى ..ذكرى تتجدد باستمرار .. يا لها من ذكرى..تقطع قلبي وتفطره شوقا له، يا ما ضحكنا سويا ، يا ما ضمني إلى صدره الحنون يا ما أتمنى لو عادت الذكريات فقد صبرت دون جدوى فقد تكلم قلبي قبل لساني، فقد إنجرح قلبي جرحا لن يتداوى بفراقك.
أيها الغالي فقد عجز اللسان أن يتكلم وعجز القلم ان يكتب بشوقي لك فقد اشتقت لك شوق الأم لإبنها .. وشوق المغترب لبلاده ..وشوق العطشان للماء..فهل من كلام يعبر لك عن شوقي لك .
أتدكر ذات يوم زميلة لي في الدراسة ذكرت أبي بسوء فلم أشعر حتى و أنا أنقض عليها إنقضاض القطط، فلن أسمح لأي كان التحدث عنه بسوء ولو كان شخص عزيز، إنصدمت من ردة فعلي تجاهها لأنها نوعا ما مبالغ فيها حسب رأي الهامة، لكن ما زالت بداخلي دمعة وجرح و صرخة مكتومة ..ما زال الألم غافيا و بكلمة يصحى من نومه..هدوئي الظاهر يخدع هدوء إنسانة مصدومة.....يتبع
أنت تقرأ
تائهة بين الحاضر و الماضي
Short Storyفراق. ألم. معاناة. فرح جميع هذه الصفات تتجلى ضمن القصة التي تتحدث عن فتاة فقدت أبيها في الصغر