الثالث .

925 70 3
                                    


لاحظ زميله أسود الشعر هذه السمات كُلها لأنه لم يملك ما يفعله
عوضاً عن هذا ، وأخيراً سأله وهو يستشعر هذا الإحساس من
الغبطة الخبيثة التي تُخامر عادة عامة الناس عند رؤيتهم لمشاقِ الآخرين : " أتشعُر بالبرد ؟ "

فأجاب زميله على الفور : " جدًا ؛ ومع هذا فهو مُجرد رذاذ من الصقيع ، فتصور لو كان جليدًا قاسيًا ؟ لم يخطر ببالي أن البرد سيبلغ هذا الحد في أرض الوطن . يبدو أني لم أعد آلفه "

- أظنك كنت خارج البلاد أليس كذلك ؟
- نعم ؛ عائدًا من سويسرا رأساً .
وهُنا صفّر ذو الشعر الأسود وانفجر ضاحكاً : " أوه ، ياللسماء ! "
واستمرت المحادثة ، وكان استعداد الشاب الأشقر للإجابة عن جميع
أسئلة زميل سفره باعثة للدهشة ، وكان يبدو أنه لا يرتاب إطلاقاً
فيما ينطوي عليه بعضًا من هذه الأسئلة من سُخرية ووقاحة .

و بالإجابة عنها جعل السائل يعرف بأنه كان غائبًا عن سويسرا مدة
ليست بقصيرة - أكثر من أربع سنوات - ، وأنه أُرسِل إلى الخارج
للإستشفاء ، وأنه عانى من مرض عصبي غريب ، نوع من الصرع
ذي نوبات تشنجية ، وقد ضحك زميله عدة مرات لهذه الإجابات
وكان أكثر ما أضحك صاحب الشعر الأسود هو إجابة الأشقر عن
هذا السؤال : " وهل شُفيت ؟ "
" لا ؛ إنهم لم يشفوني "

وهُنا قال صاحب الشعر الأسود في تهجم : " ها! أهكذا؟ لقد
ضيعت مالك في لاشيء . ومع ذلك لازلنا نؤمن بأطبائهم "

وهُنا صاح راكب آخر رث الملابس يتضح أنه في الأربعين من
عُمره ويبدو عليه أنه أحد الكَتبة الحُكوميين ، له أنفٌ أحمر و
وجه مُنمش : " صدقت وأيم الـلـه يا سيدي ، إن كُل فعلهم أنهم
يستولون على نقودنا الروسية بلا مُقابل و دون أن يفعلوا شيئاً "
-مكرراً جُزه الأول من الحديث-

وقال المريض السويسري بهدوء : " أوه ، ولكنك مُخطئ تماماً في
حالتي الخاصة هذه ، و بطبيعة الحال لا أقدِر على مُناقشة هذا
الموضوع بصفة عامة ؛ لأني لا أعرف إلا حالتي فقط . ولكن
طبيبي أعطاني مالاً -رُغم قلة ما يملك- لأدفع نفقات عودتي ، هذا
إنفاقه علي من ماله الخاص في أثناء إقامتي هنالك لـ عامين تقريباً ".

الأبله.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن