الأبله.

الخامس .

هذا النوع من الشخصيات -المُلم بكُل شيء- كثيرًا ما يوجدون في
طبقة مُعينة من الناس . إنهم أشخاص يعرفون كُل إنسان ، بمعنى
أنهم يعرفون أين يعمل رجل ما ، وماهو مرتبه ، ومن يعرِف من الناس ، وبـ مَن يتزوج ، وكم تملك زوجته من المال و مِن هذا القبيل . هؤلاء الشخصيات نرى غالبيتهُم في ملابس رثة ، ولا يزيد
مرتب الواحد منهم عن خمسة عشر روبلاً في الشهر . وأن الناس الذين يعرف هؤلاء الشخصيات أدق أسرارهم الخاصة ؛ ليشق عليهم أن يتصوروا ماهي المقاصد الأساسية لهؤلاء الناس .

و الواقع هو أن هؤلاء الشخصيات ليجِدون الشيء الكثير من الراحة
المستمدة من هذه المعرفة التي تكاد تبلغ علمًا من العلوم . كما أنهم
يستمدون منها شعورًا من الإحترام الذاتي ، بل وبالمُتعة الروحية الكاملة . والواقع أن معرفة الأسرار عِلم يفتن و يستهوي الكثيرين .
فأنا أعرف عُلماء وأدباء و شعراء و ساسة يجدون في هذا العِلم
راحة لعقولهم وتحقيقًا لأسمى مطامحهم بل ويدينون له بأكبر الفضل
في أعمالهم .

وكان الشاب ذو الشعر الأسود قد نالهُ الضجر خلال الفترة الأخيرة
من المُحادثة ، فـ راح يُطل من النافذة مُتململاً ، ويبدو عليه بوضوح
أنه يهفو إلى نهاية الرحلة . وكان شديدُ السرحّان ، يلوح كأنه يُنصت
دون أن يسمع شيئًا . وأحيانًا على غرةٍ ينفجر ضاحكًا و كما يبدو أنه
لا يعرف تمامًا لماذا يضحك .

وفي شيء من المُفاجأة قال ذو الأنف الأحمر لصاحِب الحقيبة : " معذرة يا سيدي ، إلى مَن أتشرف بالحديث؟ " فقال الشاب بسرعة : " ليو نيكولايفيتش ميشكين " فقال ذو الأنف الأحمر مُتسائلاً : " ميشكين ؟ نيكولاي فيتش؟ هه! إنني لا أدري يقينًا؟ ويمكنني أن أقول إنني لم أسمع شخصًا بإسم كهذا، وإن كنت أعترف أنه اسم تاريخي . فلا شك أن المؤرخ كارامزين قد ذكر في موسوعته التاريخية اسم هذه الأسرة طبعًا . ولكني لم اسمع بـشخص يحمل هذا الاسم في الوقت الحاضر " . فأجاب الأمير قائلاً : " طبعًا لا! فليس
هنالك من يحمل الاسم هذا غيري الآن . فأنا كما أعتقد أنني الوحيد الذي يحمله . وأما أبائي وأجدادي فقد كانوا أحرارًا وفقراء . وقد كان
أبي ضابطًا في الجيش برتبة ملازم ثانِ ، ولست أدري كيف اتصلت
الأنسة إيبانشين بأسرة ميشكين ، ولكنها من نسل الأميرة ميشكين . وهي كذلك الوحيدة التي تحمل هذا الاسم " .

وهنا قال صاحب الشعر الأسود : " وهل درست العلوم وما إلى هذا مع أستاذك هُناك؟ "

- أجل . درست بعضًا ، ولكن..
- إنني لم أدرس شيئًا من أي نوع قط .
فأردف الأمير قائلاً كما لو أنه يعتذر إليه : " أوه. ولكنني لم أدرس إلا الشيء اليسير ايضًا! إنهم لم يستطيعوا أن يعلموني كثيرًا نظرًا لحالتي الصحية ". فسأله ذو الشعر الأسود فجأة قائلاً : " هل تعرف
آل روجوجين ؟ "
- لا ، لا أعرفهم إطلاقاً . إنني لا أكاد أعرف أحدًا في روسيا . لماذا؟
هل تحمل هذا الاسم؟