صاح والده رافضًا لقراره في الزواج منها ، اهتاج سلطان فهذا ما لم يتوقعه منه حين اخبره بنيته في خطفها ، دنا عمار من والده الغاضب ليبرر قراره ، ولكن نظرات سلطان الغير راضية جعلته يتوقف ، حيث يعلم سلطان بحبه لها وما فعله اليوم ما هو سوى غِيرة عمياء سيطرت عليه مجرد ارتباطها بغيره ، ادرك عمار نظرات والده حيث فضحته عيناه أمامه وألتزم الصمت ، أحد سلطان النظر إليه وردد بحدة :
- ازاي تسمح أنها تعيش معانا ، انت ناسي هي بنت مين ، انت مفكر هتبقى حلوة معانا بعد ما قتلت أبوها ، دا مش بعيد تكون بتفكر تخلص مننا كلنا دلوقتي .
اضطرب عمار من حديث والده فهو يعلم حب مارية له وأنها لن ترتضي قتله فماذا إذًا ان كان قتله على يدها ، استنكر عمار :
- مارية بتحبني ، وأنا اتفقت معاها على الجواز وهي وافقت .
نظر له سلطان وهو يحرك رأسه بنفاذ صبر منه فهو لا يريد أن يرغمه على ما لا يرضاه ، هتف سلطان بنبرة ذات معنى :
- وأنت هتعمل أيه لما يجوا ويسألوا عليها ، تفتكر هيرضوا بجوازك منها ، ولا فؤاد ولا فريدة هيوافقوا كدة بكل بساطة .
انتصب عمار ليرد بنبرة قوية :
- غصب عنهم هيوافقوا ، جوازي منها هيتم رضوا ولا لأ ، والراجل فيهم يجي ياخدها من عندي ، وهيشوف هعمل ايه .
زفر سلطان وهو يلعن من بين شفتيه ، فابتسمت له راوية بلطف كي يرق قلبه على ولدها الوحيد ،خاطبته بهدوء مُحبب :
- علشان خاطري يا حاج سيبه ، دا ابننا الوحيد ومش عايزين نكسر بخاطره ، وهما مش هيرضوا لبنتهم الفضيحة وهيوافقوا على الجواز .
لان سلطان من تأثير نبرة زوجته اللطفة ووجه بصره لابنه الذي يبتسم له ويطالعه بنظرات انتظار لموافقته ، هتف بقلة حيلة:
- أعمل يا عمار اللي انت عايزه ، بس اعرف أني مش مرتاح لوجودها هنا .
دنا عمار من والده وانحنى ليُقبل يديه باكتهاء وتمني ، مسح سلطان على رأسه بحنان أبوي وهو يردد بمعنى :
- انت ابني يا عمار ومقدرش ارفضلك طلب ..
وبعد لحظات انتبه جميع من في القصر على اصوات ضجيج في الخارج ، ادرك الجميع سببها رغم عدم رؤيتهم لهم ، نظر سلطان لعمار بنظرات تفهمها هو ، اومأ عمار برأسه ودلف للخارج لمقابلتهم ، أمر سلطان بعض الرجال من العائلة بأن يرافقوه بنظرة من عينيه ، هدج الرجال خلفه لحمايته اذا تطور الأمر وتسابقوا في محاوطته منعًا من اصابته بمكروه ما ..
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كانت مارية تجلس في الغرفة تبكي في صمت من تقلب الأمور ، نظرت حولها كأنها تحلم ولم تدرك إلى الآن وجودها في قلب قصره ، جزء منها أشعرها بالسعادة لقربها منه ، والجزء الآخر يلومها ويلعنها كونها تكن الحب لقاتل والدها ، كفكفت دموعها بعدما تسلل لآذانها اصوات في الخارج ، تحفزت حواسها بالكامل في معرفة ماهيتها ، انتفضت مارية حين اطلقت عدة أعيرة نارية ، تداركت على الفور ما يحدث وايقنت أنهم جاءوا من أجلها ، نهضت من على الفراش وهي تلملم فستانها لتستطيع السير ، وقفت بالقرب من النافذة وفتحتها قليلاً لتتمكن من رؤية ما يحدث في الخارج ، ارتجفت حينما وجدت عمار يقف امامهم ونظرات الجميع من حوله كانت كافية بالفتك به اذا استطاعت ، تسارعت انفاسها وهي تترقب الحوار بينهم وباتت اعصابها مشدودة مما سيحدث....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وقف عمار بالأسفل يجوب ببصره هيئتهم ببرود يكسو ملامحه ، امتعض فؤاد منه ولكنه سيطر على حدة غضبه ليتمكن من سير الأمر كما خطط له هو وعمته ، كانت نظرات عمار له تحمل السخرية منه وقابلها فؤاد بنظرات حاقدة قاسية ، كسر احد الرجال الذين أتوا برفقة فؤاد هذا الجو المشحون بالضراوة ، هتف الرجل بغضب :
- اسمه ايه اللي انت عملته ده ، انت عارف معنى أنك تخطف واحدة من عريسها يوم فرحهم معناته ايه .
التوى ثغر عمار بابتسامة مستهزئة ، رد ببرود مستفز وطريقة جعلت الجميع يهتاج من الغضب :
- أنا عاوزها وخدتها .
تعالت الأصوات الغاضبة بين رجال فؤاد وهم يجبروه على التدخل ، تماسك فؤاد نفسه بصعوبة حتى لا يفسد الخطة وظلت نظراته الغامضة على عمار الغير مبالي بهيئتهم ، أخيرًا قرر فؤاد التحدث ولكن ما تفوه به أزعج رجاله ، هتف فؤاد بضيق مكبوت:
- وانت لما تعوز واحدة تخطفها ولا تيجي تطلبها من أهلها .
اهتاج رجاله رافضين ، بينما أشار لهم فؤاد بالصمت كي يُهدأهم ، هتف فؤاد بتروي :
- اهدوا كدة يا رجالة ، انا عن نفسي معنديش مانع يتجوزها ، طالما هيبقى بالأصول .
التفت لعمار الذي احتار في حديثه الغير متوقع ، بينما استطرد فؤاد بنبرة متشددة ذات مغزى :
- إلا إذا كان عايزها كدة وخلاص ، وقتها هيبقى في كلام تاني .
ثم أظهر سلاحه الناري "البندقية" ليمسكها بكلتا يديه ، نظر عمار للسلاح وادرك مقصده ، تنهد بعمق قبل أن يرد عليهم فهذا بالطبع ما كان سيتفوه به وهو نيته للزواج منها ،رد عمار بجدية:
- وأنا مستعد أكتب عليها دلوقتي .
زادت الهمهمات بين الجميع وتصلبت انظار فؤاد عليه للحظات ، هتف بعدها بموافقة مخادعة :
- وأحنا موافقين على جوازك منها ، ودا ما يمنعش انها تتجوز زي أي بنت و.....
قاطعه عمار بجدية :
- كل اللي هي عوزاه هيكون عندها ، وانت عارف انا مين واقدر اعملها أيه .
صمت ليكمل بخبث وهو ينظر له :
- كل دا هيحصل وهي لسة عندي ، خروج من هنا مش هيحصل.
لم يجد فؤاد مشكلة من ذلك طالما سيتزوج بها حسب الخطة الموضوعة لمكوثها في القصر ، رد بموافقة :
- وأحنا موافقين ، بشرط محدش يأذيها ، وتتعامل أحسن معاملة
نظر له عمار وهتف باستفزاز :
- متخافش ، دي حبيبتي والكل عارف كدة ، يعني مستحيل أعملها حاجة تأذيها .
ابتلع فؤاد كلامه بابتسامة غاضبة ارتسمت على قسمات وجهه ، وافق الجميع على مضض نتيجة كلمات فؤاد لهم بأنه لا يجد مانع في ذلك رغم العداوة بينهم ، كل ذلك حدث امام مارية التي تتابع الموقف من الأعلى غير متوقعة ردة فعل فؤاد بتركها هنا ، فما اتفقوا عليه زواجها منه ، ظلت لبعض الوقت غير مستوعبة ما سيحدث لها وكيف ستتعايش مع قاتل أبيها ، تضاربت الأفكار في رأسها وخشيت نية والدتها في تخلصها منه بنفسها ، هداها تفكيرها إلى ذلك ، فوالدتها لن ترتضي بتلك السهولة لزواجها منه ولو كلف الأمر حياة الجميع في المقابل ، ارتجفت اعضاءها لتفكير والدتها وباتت مُكلفة بالتأكيد بمهمة قتله بيدها ، شعرت مارية بدوران العالم من حولها بمجرد قتلها لأحدهم وخاصةً هو ، شهقت مارية لتلوم نفسها بقسوة لتفكيرها بتلك الطريقة :
- يا غبية دا قتل أبوكي ، يعني موته حلال ليكي .
انتبهت لدخول أحد ما الغرفة عليها وابتعدت عن النافذة لتجد راوية خلفها وتحدق فيها بنظرات قوية اقلقتها ، ابتلعت مارية ريقها وارتبكت من نظراتها نحوها ، تحركت راوية لتقترب منها وهي تحدق فيها بغل شديد ، فكانت راوية تدرك حب ولدها لها ولكن ما تتوجس منه وجودها هي هنا فأضحت بالتأكيد حياة ابنها في خطر تام وهي بالقرب منه ، لذا أتخذت قرارها بالقدوم إليها وأن تتحدث معها بشأن ذلك ، طال الصمت لتهتف راوية بنبرة قوية ذات دلالة :
- انتي جيتي هنا علشان ابني عاوزك ، انما محدش فينا راضي بوجودك هنا .
ابتلعت مارية ريقها لتستأنف الأخيرة حديثها بتنبيه جاد :
- بس إياكي تفكري تأذي ابني أو تعمليله حاجة ، حياتك انتي وعيلتك كلها هتبقي قصاده .
نظرت لها مارية بارتباك داخلي ، ولكنها اظهرت عدم اكتراثها الزائف حين ردت عليها بنبرة ذات معنى رغم توترها :
- والله أنا ما اجبرتوش يخطفني ، بكل سهولة ممكن يسيبني ارجع ، واتجوز ابن خالي و....
قاطعتها راوية بنبرة عنيفة جعلتها تتجمد :
- احسنلك الكلام ده بلاش منه ، وخصوصا قدام عمار ، لان وقتها انتي نفسك هتهوني عليه لو فكرتي في غيره وهو معاكي.
فتحت مارية فمها لتتحدث ولكن دخول عمار جعلها تحدق به بجمود بعكس ثورة غضبها منه ، ولج عمار الغرفة ونظراته عليها هي فقط ، تحرك تجاههم بخطوات رزينة ونظرات هادئة إلى حد ما ، وقف عمار وهتف مُحدثًا والدته وهو ينظر لمارية بجمود زائف:
- لو سمحتي يا ماما سيبني معاها شوية .
باتت نظرات مارية الغاضبة تظهر عليها ، بينما تنهدت راوية لتمتثل لرغبته ، ردت بطاعة :
- حاضر يا حبيبي .
نظرت لمارية نظرة أخيرة مُستهجنة واستدارت تاركة الغرفة ، دنا عمار منها ليقف امامها وقد التوى ثغره بابتسامة جانبية مُغترة ، هتف بغرور :
- شوفتي بعينك اللي حصل تحت أكيد ، محدش فيكوا يقدر يعملي حاجة ، كنت عايزك وجبتك بنفسي من وسطهم .
مررت مارية بصرها عليه بغضب فهذا من احبته في يوم ، نكست بصرها ليصل ليديه اللعينتين المُلوثة بدماء والدها المغدور ، ثم رفعت بصرها له لتهتف بغضب مدروس :
- انت مهما عملت هتبقى قاتل ابويا ، يعني انت عدوي الاول والأخير ، ولازم آخد حقي منك .
استمع لها عمار بتسلية وما أن انتهت حتي انفجر ضاحكًا على ما تفوهت به ، حدجته مارية بنظرات شرسة لعدم اكتراثه لما فعله ، كف عمار عن الضحك ليدنو منها اكثر مُقربًا إياها منه لتغوص في احضانه ، تلوت مارية بعنف تريد الإفلات من قبضته التي حكمها عليها ، هتفت بتذمر وتعابير مُتشنجة :
- ابعد عني ، اوعى تحط ايديك دي عليا .
اغرورقت الدموع في عينيها وهي تحاول ان تبعده عنه ، ولكنه جذبها لأحضانه بقوة ، هتف وهو يتأمل وجهها بحب بائن :
- كل اللي بتعمليه ده ملوش لازمة ، انتي بتحبيني وعمرك ما هتقدري حتى تعمليلي حاجة .
نظرت له بأعين دامعة ، هتفت بانفاس متسارعة نتيجة غضبها :
- انا دلوقتي بكرهك ، حبي ليك مبقاش موجود ، الموجود بس كرهي ليك لحد اما أخلص منك .
التوى ثغره بابتسامة ماكرة مُدركًا لمدى حبها له ، رفع يده ليمسك أسفل ذقنها ضاغطًا ومقربًا إياه من وجهه ، هتف وهو بأنفاس ثقيلة من كثرة تمنيه لها :
- مهما عملتي هتبقي هنا تحت رحمتي ، حبتيني أو كرهتيني ، جهزي نفسك لجوازي منك ، وخليكي حلوة معايا أحسن زعلي وحش وانتي لسة مشفتهوش .
نظرت له بأعين خائفة مهزوزة ، قربها هو يريد تقبيلها فشهقت هي ، لامس شفتيها ولكنه أبعدها عنه وهو يردد بنبرة ماكرة :
- خليها لما نتجوز أحسن زي ما وعدتيني قبل ما.....
بتر جملته لتتذكر هي وعده لها بقبوله الصلح واخلاءه بذلك الوعد وقتله لابيها فقد خدعها ذلك الحقير اللعين ، تحولت نظراتها نحوه للكره للغضب للحب وباتت مُتضاربة لم تستطيع هي معرفة شعورها أمامه فقد بات لزامًا عليها الإنتقام وشعرت بالخوف من القادم التي لا تعلم ماهيته ، وعن عمار نظر لها بمغزى يريد اثبات حبها له وأنها لن تفتعل شيئًا ما يضر به ، تنهد بعمق واستدار ليترك الغرفة وسط نظراتها التي تتوعد بأخذ حق والدها المغدور منه وستفعل المستحيل لذلك....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ظلت ضحكات فريدة تملأ المكان لوقوعه في الفخ الذي خططت له ، جلس فؤاد بجوارها وهو ينظر لها بابتسامة ذات مغزى علي زاوية فمه ، تنهدت براحة كبيرة وقالت بتشفي :
- واول الطريق هيبتدي من هنا ، دخولها هناك هيسهل كل حاجة ، عايزة موته يكون على ايديها ، عايزة الكل يعرف أن غانم وراه اللي ياخد بتاره .
انصت لها فؤاد ليقول بحنكة :
- بس تفكيرك سليم يا عمتي ، دلوقتي هما اللي اخدوها قدام الناس كلها ومفكرين أنهم كسروا عنينا ، بس كويس كدة علشان نتيجة اللي بيعملوه يتقلب عليهم .
ابتسمت فريدة بمغزى وهي تردد بمكر :
- لازم أروح أشوفها بنفسي علشان اوصيها وأديها الأمانة علشان نخلص بدري بدري .
هتف فؤاد مُتنهدًا باجهاد :
- أنا هروح ارتاح شوية وأغير هدومي ....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صعد فؤاد لغرفته لتتبعه اسماء بنظرات انبثقت منها الفرحة لفشل زواجه منها ، ولجت للمطبخ لتصنع مشروب بارد له لفرحتها بتلك المناسبة السعيدة ، انتهت اسماء لتصعد للأعلى قاصدة غرفته ، طرقت الباب وولجت بعدها للداخل وجدته مُستلقيًا على الفراش ومُغمض العينين ويبدو علية الإجهاد ، دنت منه وهي تتأمل وجهه حاملة بيدها العصير البارد ، رمشت بعينيها وازدردت ريقها بتوتر وبدت تزداد ضربات قلبها كلما اقتربت خطوة منه ، كان فؤاد يستشعر خطوات شخص ما تدنو منه ولكنه اكتفى بمعرفة ما سيحدث ، بدت المسافة قليلة عندما وصلت لمقدمة الفراش مُتأملة وجهه عن قرب بحن بائن ، ارتدت للخلف وكادت ان تسقط ما أن فاجئها حين فتح عينيه لتتسلط عليها ، ارتبكت اسماء وتلعثمت في مُخاطبته ، اعتدل في نومته وحدثها بنبرة مُنزعجة :
- واقفة كدة ليه ؟ .
ردت بتلعثم شديد وهي ترتعد من الخوف :
- أ.أ.أنا.كنت..جايبة العصير ..ده ليك .
هتف بصوت عالي وهو يسألها بحدة :
- حد قالك أني عايز حاجة ؟ ، ولا بتتصرفي من دماغك .
تجمعت الدموع في عينيها اثر صوته العالي وبدا الخوف عليها حين انكمشت في نفسها ، رمقها فؤاد بعبوس وأحس بها ، زفر بقوة ليُفرغ ضيقه ، هتف بهدوء ظاهري ليُهدأها :
- هاتي العصير ، انا أصلا عايز أشربه .
ارتسمت شبح ابتسامة على محياها ودنت منه ماددة يدها به ، تناوله فؤاد على مضص وبدأ يرتشف منه وهي تتطلع عليه بابتسامة ناعمة ، نظر لها بعدم فهم من استمرار وجودها ، هتف آمرًا إياها :
- واقفة ليه ، اتفضلي بقى على شغلك .
توترت وهي تنظر له واومأت برأسها بطاعة وردت بغيظ مكبوت:
- تحت امرك .
ثم استدارت مُتجهة للخارج وتابعها فؤاد بعدم اكتراث وهو يستغرب أفعالها.....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
بقيت مارية في غرفتها منذ أتت إليها لا جديد سوى دخول الخادمة بالطعام لها ، لم تتناول طعامها وظلت مُنكبة على نفسها مُتحيرة في موقفها الذي لا تحسد عليه فتاة ، بدت علامات الحزن تكتسح تعابيرها وهي تفكر في خطواتها السابقة وكيف ستصبح زوجة لمن قتل والدها دون رحمة او أن يأخذ في اعتباره حبهم الذي يعلمه الجميع ويشفق على حالتها من بعده ، مسحت مارية عبراتها التي انهمرت على وجنتيها دون ارادة منها وابتلعت ريقها بصعوبة شاعرة بمرارة القادم في حلقها ، انتبهت لخبط الباب لتتأهب حواسها كليًا تجاه الباب وحدقت فيها بنظرات لا تعرف ماهيتها حتى الآن كونها لم تعرف من الطارق ، انفرجت شفتيها بفرحة حين وجدت والدتها تدخل عليها ، نهضت لتقابلها مارية وترتمي في احضانها ، ضمتها فريدة وعلى ثغرها ابتسامة ذات مغزى ، ابعدتها لتحدثها بنبرة صلبة وهي تنظر لعينيها بنظرات قوية جعلت مارية تخشى الآتي ، هتفت فريدة بحدة :
- مش وقته الأحضان والكلام ده ، خلينا في المهم اللي جيت علشانه ومحدش يحس بحاجة .
نظرت لها مارية بجهل ثم نظرت ليد والدتها التي تخرج شيئًا ما من طيات ملابسها ، مدت فريدة يدها بزجاجة صغيرة رمقتها مارية بحيرة .
وضحت لها فريدة بمكر :
- دا سم ، خليه معاكي .
شهقت مارية بخوف وانتفض جسدها ، فحدجتها فريدة بغضب ، هتفت مُعنفة إياها :
- ايه مالك ؟ ، أيه اللي مخوفك كدة ، ولا تكوني فاكرة أنك جاية هنا علشان تعيشي في حضنه وتنسي ابوكي .
حركت رأسها بنفي والحزن ظاهر عليها ، ردت بصوت مبحوح مذبذب :
- لازم أنا يا ماما .
هتفت فريدة بنبرة قاسية خفيضة :
- انتي خايفة عليه ولا أيه ؟ ، مش دا قاتل أبوكي .
حركت رأسها عدة مرات نافية ، ردت بتردد :
- مش قصدي كدة ، انا خايفة يشكوا فيا ومعرفش انفذ اللي بتقولي عليه .
دنت منها لتهمس بحقد :
- كل اللي عليكي تمثلي عليه أنك نسيتي علشان يرتاحلك ، وبعد كدة تحطيله السم في الأكل علشان ياكل وهو مطمن ، بس الأكل يكون في اوضتكوا هنا بعيد عن الكل .
نظرت لها مارية بأعين شاردة فيما ستفعله وهي تتخيل القادم أمامها ، توجست مجرد التفكير في الأمر ، بينما تابعت فريدة بحدية :
- وأوعي يلمسك ولا يطول شعرة واحدة منك .
اومأت مارية رأسها بطاعة لتبتسم فريدة باطراء ، ربتت على كتفها وهي تردد بمدح :
- كدة انتي بنتي حبيبتي وبنت ابوكي .
ودت مارية لو سألتها عن مصيرها الذي لم تتخذه في حسبانها ولكنها لم تكترث لذلك وان كان مصيرها الموت فلما ستبقي هي الأخرى فعلى الأقل سترحم مما حولها في عالم مات فيه أعز ما لديها فلما النواح الآن وارتضت بالقادم ...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
تم عقد قرانهم من قبل الطرفين ، تعالت بعدها الأعيرة النارية لتصبح من الآن عروسه ، جلست مارية في غرفتها كما هي رافضة ارتداء ثوب زفافها التي أبت ارتداءه ومكثت في الغرفة كما هي تنتظر ، جابت الغرفة ببصرها تتأمل لونها المُحبب لها والفرش الحديث كأنها تجهزت خصيصًا من أجلها ، تنهدت بضيق وتجاهلت ما حولها فطالما حلمت باليوم هذا ، وما حدث جعلها تأبى حتى التفكير في القادم ، بل فكرت في الخطوة القادمة وإذا فشلت فيها تلك المرة ستسلك معه طريق آخر بالتأكيد سيخرجها مما هي فيه ..
ولج عمار غرفتهم والتفتت له وهي تضطرب من الداخل وتعالت نبضات قلبها تكاد تسمعها ، اوصد الغرفة من خلفه ليتحرك ناحيتها وهو يتأملها بحب مُتناسي العالم من حوله حتى غضبها من قتله لأبيها ، ابتلعت مارية ريقها حين اقترب منها ولكنها انتفضت من موضعها لتقف امامه جامدة ، فطن برودها بسبب ما حدث ، قال بهدوء حزين :
- متخافيش مني يا مارية ، أنا عاوزك تنسي كل اللي حصل ، عاوزين نبدأ حياة جديدة سوا وننسى كل حاجة وحشة .
شردت بعينيها للحظات وهي تطيل النظر إليه كونه يريد منها تتناسى قتله لوالدها وحرمانها منه ، تنفست مارية بهدوء والزمت نفسها بتنفيذ ما قالته والدتها بأن تتناسى أمامه ما حدث ليرتاح لها وتتلاعب به بطريقتها كونه لا يهتم بما اقترفه ، زيفت مارية ابتسامة ودنت منه قائلة برقة :
- طيب مش هناكل الأول .
اتسعت ابتسامة عمار وهتف بعدم تصديق :
- يعني هننسى خلاص كل اللي حصل ونبدأ من جديد .
ابتسمت بتصنع وهي توافقه الحديث بمُخادعة :
- أكيد يا عمار ، تعالى ناكل سوا .
اقترب منها وحاوط خصرها وردد بتوق جارف :
- بعدين ، انا بحبك ومن زمان مستني اللحظة دي .
ثم دنا منها ليلثم شفتيها بقبلة والهة هائمة ، ذابت فيها للحظات قليلة ، تذكرت بعدها والدها وجاهدت على ابعاده عنها ، تملصت منه وهتفت بتردد وهي تسأله :
- يعني مش هتاكل ؟ .
نظر لها باستغراب من بُعْدها عنه واصرارها تناول الطعام ، ادركت مارية أنها اثارت ريبته تجاهها فأعدلت عن حديثها بنبرة مُبررة :
- أصل بقول ناكل أحسن ، تابعت بخجل زائف :
- علشان انا عندي ظروف وكدة .
ثم نكست رأسها بخجل مُصطنع ، نظر لها عمار وهو يتأفف ، هتف بامتعاض وهو يتحرك تجاه المرحاض :
- مش عايز آكل ، هغير وأنام .
ثم توجه للمرحاض وولج وسط نظراتها الغاضبة والمغلولة منه ، حدثت مارية نفسها بوعيد مُهلك :
- ولسه يا عمار ، اللعب في الاول ..............................
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أنت تقرأ
حكمت وحسم الامر فهل من مفر
Romanceللكاتبه الهام رفعت وضعها القدر في موقف بات حبها له منبوذًا بينهم ولم تجد امامها غير أن تمتثل لرغبتهم في الإنتقام لا تعرف هل نابعة منها أم واجب عليها ، وفي النهاية حكمت وحسمت أمرها بالتنفيذ ، فهل لها من مفر ؟؟.. بقلم/الهام رفعت مارية فتاة في العشرين...