الفصل 11

1.1K 22 0
                                    

الفصــل الحـادي عشـر
~~~~~~~~~~


راقبت خروجها من القصر بنظرات تشفي فهي تعلم ماذا ينتظرها من مصير مجهول لم تعلم به ، دارت شيماء في غرفتها حول نفسها لتشعر بالإنتشاء لقروب التخلص منها دون تدخل أو عناء سيكلفها وبالتأكيد الكثير وهي في غنى عن كل ذلك ، فما تمنته في نفسها رجلاً يكتنفها ويحتويها كي يُخرجها مما هي فيه وما عانته طوال عمرها القصير ، رسم الشيطان امامها الطريق الذي ستسلكه لتفعل ما بوسعها لتبقى معه ، تنهدت براحة تامة وهي تتخيل من الآن انتهاء امرها وإلى الأبد ، ارتسمت ابتسامة شيطانية على ثغرها فما مر عليها من قسوة الزمن جعل الحقد ينبت بداخلها كلما رأت من هم أعلى منها ويتمتعون بما حرمت منه ، توقفت شيماء عما تفعل لتجد من يطرق باب غرفتها ، لوهلة سألت نفسها من سيأتي لها؟ ، ازدردت ريقها وانتفض قلبها بدقة شاردة مضطربة وهي تتعجب من سؤال أحد عنها ، ادعت الا مبالاة واتجهت لتفتح فمن سيكون إذًا ؟ وليكن من يكون فليس عليها ما يجعلها تخشى مواجهة احدهم ؛ تحركت شيماء ناحية الباب لتشرع في فتحه مدعية الثبات ، فتحته شيماء بترقب وقطبت تعابيرها حين وجدت احدى الخادمات امامها ، حدثتها بنبرة منزعجة :
- عاوزة ايه ؟ .
- مش انا يا ست هانم ، دا عمار بيه هو اللي طالب يشوفك .
قالتها الخادمة بعملية لتتسع بعدها مقلتي شيماء بعدم تصديق ، رددت شيماء بتلهف :
- انتي متأكدة أنه قالك عاوزني انا ؟.
ردت الخادمة مؤكدة :
- أيوة ، بيقول تروحيله دلوقتي في اوضة الضيافة .
اومأت شيماء برأسها عدة مرات دليل طاعتها والشغف يكتسح طلعتها حيث لم تلبث في وقفتها حتى تخطت الخادمة التي رمقتها بتعجب ، اغزت شيماء في السير متجهة إليه فهو يريد رؤيتها ، خالجتها افكار جمة عن ماذا يريد منها ؟، تمنت في نفسها بأن يكون ما ترغب في سماعه منه ؛ ولجت شيماء الغرفة عليه لتجده جالسًا على الأريكة ويرتشف قهوته ، نظرت له بأعين شغوفة وهي تتأمله بتلهف وعدم تصديق في آن واحد ، انتبه عمار لولوجها ولكنه لم يتطلع عليها قط ، بل ظل يرتشف قهوته بهدوء وتعابير الجمود والتجاهل جلية عليه ، تبدلت معالم وجه شيماء لعدم الفهم والعبوس ، اخذت تتقدم منه لتفهم أكثر ، وقفت امامه واستفهمت بجهل شديد :
- خير يا سي عمار ، انت بعتلي؟ .
اخذ رشفة اخيرة من قهوته ثم وضعها امامه على المنضدة الصغيرة ، تنهد بعمق وهو يرفع رأسه لينظر إليها ، بدا الترقب على شيماء ليجيب عليها ففضولها يقتلها ، اسند عمار ظهره على الاريكة وعينيه عليها لبعض الوقت الذي جعلها تتلهف أكثر لنطقه ، بنبرة باردة من عمار ولكنها كانت قاسية عليها ، قال :
- خدي هدومك وامشي ، مهمتك خلاص خلصت ومبقاش ليكي لازمة.
انجلى الحزن بداخلها ليستفيض على ملامحها ككل مع عقلها الذي لم يستوعب إلى الآن ما نطق به ، ابتلعت تلك الغصة في حلقها لتبتلع معها كلماته الحارقة فقد ضاعت آمالها ، لم تعرف شيماء كيف ترد عليه فنظراته نحوها كلها نفور كأنه لا يرغب في وجودها ، لبعض الوقت القليل فكرت في امر زوجته وما يحدث لها الآن على يد والدتها ، طرأ على ذهنها فكرة ماكرة تجعلها تبقى هنا لأكثر وقت ممكن تستفيد من خلاله وتبقى زوجته وتنتهي هي وللأبد متمنية في نفسها موتها ، نظرت له ورسمت التوسل على هيئتها حين ردت عليه :
- طيب ممكن يا سي عمار اخليني هنا يومين ، اصل عمي مش هنا وسافر البلد عند قرايبنا وانا مش عارفة هروح فين ، دا بعد إذنك يعني .
تجهمت تقاسيم عمار وهو يتطلع عليها بتأفف تقبلته منه فليس لديها السبيل كي تنزعج وذلك لتكمل ما سعت إليه ، رد على مضض :
- خليكي ، بس في اليومين دول مش عايز اسمعلك صوت ولا حتى اشوفك .
زيفت شيماء ابتسامة ولكنها كانت منزعجة من الداخل وكبتت ذلك بصعوبة ، ردت بامتثال:
- تحت امرك ، مش هتحس بوجودي .
تأفف ليأمرها بنفور وهو يشيح بيده :
- يلا روحي .
اومأت برأسها واستدارت ليظهر الغضب المخفي بداخلها على نظراتها وتعابيرها ، دلفت للخارج وعلامات الإنتقام والفتك بما حولها ملأت قلبها ، تأنت شيماء في قراراتها لحين وصول خبر موتها المؤكد وانتهاءها وللأبد وسيأتي بعدها دورها هي ....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وصلت الداية برفقة سوسن واستقبلتها فريدة بابتسامة شيطانية ، وجهت فريدة بصرها لأم اسماء وأمرتها :
- روحي انتي على شغلك .
اومأت سوسن برأسها وتوجهت للمطبخ وعلامات الحيرة عليها عن سبب وجود هذة المرأة هنا ، تنهدت لتكمل عملها فاليوم زواج ابنتها ولم تكترث للأمر ..
اخدت فريدة السيدة سعدية للأعلى متوجهة لغرفة ابنتها فهي كما تعلم أنها هناك ، في الطريق تحدثت فريدة معها بنبرة صلبة وهي تنظر لها بنظرات قاسية:
- عايزاكي تعرفيلي هي حامل ولا لأ، ولو طلعت حامل عاوزاكي تنزليه .
نظرت لها الداية بتوجس فهي كما تعلم بأن ابنتها متزوجة من عمار ابن اكبر العائلات ووالده سلطان الذي يخشى الجميع ذكر اسمه فقط ، ارتعبت المرأة بداخلها ولم تعرف ماذا تفعل ، وجدت نفسها بأن تنفذ ما تطلبه منها فهي والدتها وليس لها شأن بكل هذا ، ولجت بها فريدة الغرفة وهي تجوب إياها باحثة عن ابنتها ، عبست فجأة من عدم وجودها ، نظرت حولها بغضب وهي تسأل نفسها أين ذهبت ، صرت اسنانها وهي توجه بصرها لهذة المرأة ، قالت لها بنبرة غاضبة :
- خليكي هنا اما اشوفها راحت فين ، انتي سامعة .
ردت المرأة بطاعة جلية :
- تحت امرك يا ست فريدة ، انا مش هتحرك من هنا .
تركتها فريدة في الغرفة ودلفت للخارج والشر يتطاير من عينيها ومستطير على طلعتها لعدم وجودها ، تحركت بخطوات متعجلة تريد معرفة ايه هي الآن ...
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كانت برفقة اسماء داخل غرفتها تعاونها في ارتداء ثوب زفافها ، سعدت اسماء كونها تهتم بأمرها فكم احبتها منذ الصغر ، لم يتجاوز فارق العمر بينهم الثلاث سنوات ، وعيت اسماء على نفسها لتجد مارية تلعب معها وتكتنفها كأخت كبيرة لها رغم أنها ابنة خادمتهم ؛ ختمت محبتهم لبعض وجودها معها اليوم لتهيأها ليوم زفافها ؛ استدارت اسماء ناحيتها بعدما انتهت من ارتداء فستانها المزركش ببعض الورود ، تأملتها مارية بانبهار وفرحتها بها اليوم لا حدود لها ، فاليوم ستتزوج اقرب رفيقة لها ، نظرت لوجهها الصغير وقالت بنبرة متمنية :
- مبروك يا اسماء ، انتي ربنا بيحبك قوي انك هتتجوزي فؤاد .
اكدت اسماء حديثها حين قالت :
- انا بشكر ربنا وهفضل اشكره علشان هتجوز اللي بحبه وكنت بتمنى ليل ونهار انه يبقى من نصيبي .
دنت مارية منها وحاوطت وجهها بكفيها ، قالت بنبرة محببة :
- مش هوصيكي تعملي ايه ، كل اللي في ايدك تقدميه لجوزك متتأخريش تعمليه ، انتي بتحبيه واوعي تزعليه منك ، وكل اما تبقي معاه حلوة حياتكم هتكون احسن ويعمل اللي يفرحك ، اوعي تخلي أي حاجة تفرق بينكم او تبعدكم عن بعض طول حياتكم .
- شاطرة يا مارية ، انصحيها كمان .
جملة قالتها فريدة عند باب الغرفة بغضب مكبوت ولكن محته بابتسامة زائفة جعت مارية تنظر لها بجسد متصلب وأعين تائهة ، ولجت فريدة الغرفة وذلك بعدما هداها تفكيرها لتأتي هنا وتبحث عنها ، صدق حدسها وها هي هنا ، تدرجت للداخل ونظراتها عليها ترمقها بغموض ، في حين جف حلق مارية وهي تنظر لها فحديثها منذ قليل ليس بجيد أن تتفوه به ، تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها حين نطق لسانها بتلك الكلمات التي ستثير الشك بداخل والدتها تجاهها ، اخرجتها فريدة من تفكيرها المضطرب حين تفوهت بمدح زائف وهي تنظر لها بمغزى :
- ايوة يا مارية انصحيها ، قوليلها اللي بيحب مش ممكن يكره حبيبه لأي سبب ، ولازم تعيش وتبسطه كمان .
استمعت لها مارية بتوجس جم وجاهدت على رسم ابتسامة بدت مضطربة ، ردت مبررة ما قالته بتردد :
- اصل اسماء يا ماما بتحب فؤاد من زمان ، وعلشان كدة بنصحها انها تسمع كلامه وكدة .
زيفت فريدة ابتسامة حتى لا تشك في انها كشفت امرها ، ردت بنبرة عادية حتى تطمئن لها :
- أيوة يا حبيبتي عارفة ، دي زي اختك بالظبط ولازم تنصحيها.
ثم وجهت بصرها لاسماء وقالت لها بتردد :
- مش خلاص يا اسماء لبستي ، ممكن آخد مارية فوق شوية عايزة اتكلم معاها .
نظرت لها اسماء لم تعرف ماذا تجيب عليها ، وجهت بصرها لمارية لترى الإستفهام في نظراتها المسلطة على والدتها ، عاودت اسماء النظر إليها وقالت بنبرة غير ممانعة:
- عادي يا ست فريدة ، انا لبست وفؤاد شوية وهيجي ياخدني علشان نكتب الكتاب عنده.
لم تبالي بحديثها بل نظرت لابنتها وقالت بغموض :
- يلا يا مارية تعالي عاوزاكي في موضوع مهم .
نظرت لها مارية وحركت رأسها بإماءة خفيفة ، تابعت اسماء الموقف بعدم فهم ولكن هناك ما اقلقها ، تحركت مارية خلف والدتها التي سارت للخارج وعلامات الجمود مرسومة عليها لتمحي بها قسوتها التي ستظهر منها اليوم لأقرب ما لديها وهي ابنتها ....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
على طاولة الطعام في قصر سلطان انصدم سالم حين اعلن سلطان امام الجميع قراره بتزويج ارملة ابنه إلى مكرم ، امتلئ الحقد في قلبه كونها ستتزوج غير حزينة لفقدان زوجها بل كأنه لم يكن في حياتها بعد ، لم يعترض وفضل الصمت فابنه في الاساس المخطئ فيما كان يفتعله من تصرفات هوجاء جهولة يمقتها من حوله وهذا هو رد الفعل الطبيعي لهم ، جلس بملامح مكفهرة يشاهد علامات الفرحة على وجوههم غير مكترثين لابنه الذي توفى قبل يوم وابتلع كلماته وهو يخشى اخيه ، نظر له سلطان ليستنبط ما يفكر فيه الآن ، هيأ نفسه لكسب ثقته وتناسيه لما حدث لتغلق صفحة ابنه للأبد ، تنهد سلطان وقال له بنبرة حماسية زائفة :
- ايه رأيك في مخزن البضايع اللي بتسافر برة يا سالم ، بفكر امسكهولك .
بالفعل نجح سلطان بحذاقته امتصاص حزنه لترتسم على وجه اخيه الفرحة الممزوجة بعدم التصديق ، هتف سالم بشغف :
- بتتكلم جد يا سلطان ؟ .
رد سلطان بثقة وبمكر داخلي:
- وأنا من امتى بهزر يا سالم في أي كلمة بقولها .
هتف سالم بموافقة دون تردد :
- موافق يا سلطان ، ربنا ما يحرمنا منك .
جلس عمار بجانب والده يتابع الحوار الدارج بينهم فهو على علم بنية والده من ذلك ولهذا لم يعترض رغم عدم تقبله الأمر ؛ وجه سلطان بصره نحوه وقال بتبريك :
- مبروك يا عمار ، يعني مخبي علينا ان مراتك حامل ، خايف من الحسد ولا أيه .
كان عمار يريد الا ينكشف الأمر ولكن هم ليس بغرباء عنهم ليخشى احدهم ، رد عمار بابتسامة فرحة وهو يغمز بجراءة :
- انت فاكر ايه يا حاج ، هو انا بهزر .
ضحك سلطان بعلو صوته ليضحك الجميع على حديثه ، قال سلطان بمغزى وسط ضحكه :
- طيب شد حيلك ، عايز كل سنة عيل .
اكمل عمار بجراءته المعتادة :
- انا عن نفسي والله ما عندي مانع .
ضحك سلطان بأن لا فائدة منه ، تذكر تغيب زوجته وسأله بمعنى:
- ومراتك فين على كدة ؟ .
تنحنح عمار ورد بتردد :
- عند والدتها يا حاج ، اصل فؤاد هيتجوز النهاردة وانا مقدرتش امنعها تروح .
زم سلطان شفتيه ولكنه عبس فجأة ، سأله بفضول :
- وامها تعرف انها حامل ، لتكون ...
قاطعه عمار بنفي شديد :
- محدش يعرف ، انتوا حتى لسة عارفين دلوقتي ، هيوصلهم الخبر من مين يعني ..

حكمت وحسم الامر فهل من مفرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن