وصل القصر برفقتها وسار طبيعيًا بقدر الإمكان لكي لا يثير الريبة والشكوك ناحية تغيُبه بالأمس ، تدرج عمار للداخل ممسكًا بيدها وفرحته بوجودها معه تصل لعنان السماء ، وكذلك مارية التي قبضت على يده بقوة كأنها تخشى ابتعاده عنها، ظهر الحب الذي اختفى بسبب انتقامها ليملأ نظراتها نحوه مرة أخرى ، تغيرت نظرة مارية له بالكامل لتعود كالسابق متيمة به بل وأكثر عن ذي قبل ، رفع يدها الممسك بها وقربها من فمه وقبلها بولة وعينيه تنظر لعينيها فابتسمت بحب له؛ اول من رآه هي والدته التي تنتظر قدومه بين آن وآخر متلهفة لرؤيته معافى ، هرعت راوية ناحيته ليظهر تلهفها وفرحتها بشفاءه ، ترك عمار يد مارية ليفتح ذراعيه لإستقبالها ، ارتمت في احضانه محاوطة خصره بذراعيها ومستندة برأسها اعلى معدته ، ضمها عمار إليه بل ورفعها لتصل لمستواه لتضحك راوية على معاملته الرقيقة لها فقد كانت قصيرة ، لم يعبأ عمار بسنها وحملها كشابة صغيرة فكان لعمار حنكته ليمتص بها غضبها مما حدث تجاه مارية كي تتناسى كل ذلك حين ادعى قوته وانه بخير رغم انه ليس بكامل معافاته من الشفاء التام ، تطلعت عليهم مارية بوجه بشوش يبتسم له فهي تعلم عمار جيدًا فهو يفتعل ذلك من اجلها ، انزل عمار والدته بهدوء لتنظر له راوية بمحبة ، رددت بنبرة قلقة وهي تجوب هيئته بانظارها ويدها تمسح عليه:
- عامل ايه يا حبيبي ، فيه حاجة بتوجعك ؟ .
نفى كل ذلك حين ابتعد عنها وتراجع للخلف خطوة ، فتح ذراعية امامها وقال :
- أنا قدامك أهو يا ست الكل كويس ومعنديش اي حاجة .
ابتسمت له والراحة بدت عليها فاقترب هو منها مرة ثانية وضمها عليه بيد واحدة ، وكذلك مارية الذي ضمها إليه بذراعه الآخر ، ضمهم إليه بشدة ليهتف بمرح :
- اكتر اتنين بحبهم في حضني دلوقتي .
مسحت راوية على صدره وتجمدت عيناها على مارية لتكفهر تقاسيمها ، ارتبكت مارية من نظراتها متفهمة ضيقها منها ونظرت لها بوجوم ، تنهدت راوية بضيق وابتعدت عن عمار ، نظرت له وقالت كاتمة معنفة الأخيرة:
- حظها حلو ، وإلا مكنتش هتشوفها تاني .
مسح على كتف مارية بيده التي يحتضنها بها ، قال بلطف :
- خلاص بقى يا ماما ، انا كويس أهو قدامك ، وكمان مارية معذورة وعرفت دلوقتي كل حاجة واحنا حلوين .
نظرت لها راوية باقتطاب لبعض الوقت تفكر في حديث ابنها ، تنهدت وهي تحدثها بحدية :
- بس يا ريت تخلي بالك من اللي في بطنك ، ولا امك وقتها ممكن تعملك حاجة لو عرفت و...
قاطعها عمار بعدم تصديق وهو ينظر لمارية التي ابعدها عنه :
- استني يا أمي ، انتي حامل يا مارية ؟ .
اومأت برأسها ليحملق فيها بفرحة غير مصدقًا إلى الآن أنها تحمل بداخلها ابن من صلبه ، لم يستحي عمار في غمرها في احضانه امام والدته ، هتف عمار بفرحة عارمة وهو يقبل اعلى رأسها :
- معقول هيبقى فيه بينا ولد .
ابعدها لينظر لعينيها وحاوط وجهها بكفي يده ، ردد بحب جلي :
- ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي وميحرمنيش منك .
ابتسمت له بنظرات عاشقة ارتسمت في عينيها ، ردت بتمني:
- ولا منك يا حبيبي ، وأن شاء الله بجبلك ولاد كتير .
تأملها بعشق لتنفجر فيهما راوية بعدما اغتاظت منهما :
- احترموا وجودي على الاقل ، مبقاش فيه احترام خلاص .
انتبها الإثنان لها ونظرت لها مارية باستحياء ، اما عمار كان على النقيض تمامًا ، قال بجراءة شديدة :
- عندك حق يا امي ، احنا عندنا اوضة نومنا .
ثم انحنى وقام بحملها بين ذراعيه ليصعد بها للأعلى وهي تتدفن وجهها في عنقه حيث تعشق رومانسيته التي يُغدقها بها ، تتبعتهم نظرات راوية الحانقة وهي تقول مدهوشة :
- مبقاش فيه حياء خلاص ، دي كانت امبارح بتفكر تقتله ....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
في مخزن البضائع جلس سلطان على مكتب عمار ، لم يخلو تفكيره عن سبب تغيُبه بالأمس ، سأل جميع العمال عليه وجهلوا السبب ، حتى رجاله الأقرب إليه لم يعرفوا عنه شيء ، زاد استغرابه وهو يسأل نفسه أين هو الآن ؟ ، تنهد بقوة ينتظر قدوم مكرم فقد ارسل له من يستدعيه يريد سؤاله عنه فقلقه عليه يقتله ليعرف اين اختفى ؟ ؛ ولج مكرم المكتب وهو يلهث حيث كان يركض بعدما ابلغه احد العمال بضرورة حضوره فلا يمكنه التأخير عن عمه ، حملق فيه سلطان ليسأله بتعجب :
- ايه مالك ، كنت بتجري ولا ايه؟! .
وقف امام المكتب معلنًا احترامه امامه، وضح وهو يلتقط انفاسه بهدوء:
- اصلك بعتلي يا عمي ومقدرش اتأخر .
نظر له سلطان باعجاب والتوى ثغره بابتسامة جانبية بينت ارتضاءه عليه ، حدثه سلطان مادحًا :
- شاطر يا مكرم ، وأنا علشان كدة مخليك الأيد اليمين لعمار .
ابتسم له مكرم بامتنان ورد :
- ربنا ما يحرمنا منك يا عمي ، يهمني تكون راضي عني .
ابتسم سلطان بشدة واشار بيده على المقعد فتفهم مكرم وجلس ، قال سلطان بنبرة غامضة تعثر على مكرم فهمها :
- وعلشان كدة هكافأك يا مكرم .
حدق به مكرم بعدم فهم ، فوضح سلطان بمغزى :
- هجوزك منى بنتي ، ايه رأيك ؟ .
توتر مكرم فلم يتخيل زواجه من منى في يوم فكم احبها ولكن فارق العمر ما ابعدها عنه وجعلها تتزوج من عيسى ، وها قد اتت فرصته للزواج منها دون عناء ، طال صمت مكرم فسأله سلطان بجدية :
- ايه يا مكرم ، مش موافق ولا ايه ؟ .
انتفض مكانه لينفي بشدة :
- مش موافق ايه بس يا عمي ، دا منى هتبقى في عنيا .
حدجه سلطان بنظرات مظلمة ، قال بمكر :
- انت بتحبها يا مكرم؟ .
ارتبك مكرم وتلعثم في الحديث بشدة ، فضحك سلطان وهتف بنبرة غير مزعوجة :
- عادي لو بتحبها ، انا اكره ده ، انا اللي يهمني أن اللي يتجوز بنتي يحطها في عينه .
ابتسم مكرم وأكد :
- هحطها في عنيا يا عمي متقلقش عليها .
مط سلطان شفتيه باعجاب ، قال بمفهوم :
- يعني انت مش مضايق انها اكبر منك وكانت متجوزة ومعاها ولد وبنت .
حرك مكرم رأسه كأنه لا يهتم بكل هذا ، رد بجدية :
- انا بحب منى من زمان ياعمي ، وكنت عارف أنه مستحيل جوازي منها علشان هي اكبر مني .
نظر له سلطان بمكر فشعر مكرم بالحرج ، اعتذر منه :
- أسف يا عمي مش قادر اخبي فرحتي .
قال سلطان بهدوء :
- حاجة تفرحني يا مكرم ، واعمل حسابك بقى علشان اول ما تخلص عدتها هتكتب عليها على طول .
اتسعت ابتسامة مكرم وهو ينظر له بامتنان ، فاستطرد سلطان حين تذكر :
- صحيح فين عمار؟ ، انا مشفتوش من امبارح ......
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
وصلت اسماء للقصر لتدعوها لعقد قرانها حيث ارسلتها فريدة لتأتي بها لتكشف كذبها عليها ، ولجت اسماء بابتسامة تصل لأذنيها لعدم وجود هذا الأحمق عيسى ، قابلتها راوية ونظرت لها مطولاً بنظرات غير مفهومة ، لم تخشاها اسماء كما السابق لا تعرف لماذا ؟ ولكن ربما زواجها من فؤاد منحها جرعة ثقة في نفسها ؛ طال الصمت لتكسره اسماء بنبرة عاقلة :
- انا جاية لمارية علشان اعزمها على فرحي انا وفؤاد .
لاحظت راوية محوها للألقاب وابتسمت بشدة ، لم تعلق على ذلك ورد مشيرة بيدها للأعلى :
- اتفضلي اطلعيلها واقعدي براحتك .
تعجبت اسماء تغييرها معه وفطنت ذلك كونها ستتزوج من فؤاد اعطاها هيبة من الآن ، ابتسمت لها ثم صعدت للاعلى وسط نظرات راوية التي تبتسم ساخرة ، في حين لفت انتباه اسماء اثناء سيرها في الرواق المؤدي للغرفة تلك الفتاة التي ولجت احدى الغرف ، شبهت عليا فليست المرة الأولى تراها فقد ارشدها قلبها وعقلها بأنها قابلتها قبل مرة ولم تتذكر أين ، مطت شفتيها بعدم اهتمام واستدارت لتكمل طريقها ....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
دثرته مارية جيدًا وتركته يغفى لبعض الوقت ، قبلت جبهته بهدوء وتطلعت عليه مبتسمة بحزن فكانت ستخسره وهي السبب ، تنهدت لتلوم نفسها فقد خدعهم والدها جميعًا ، ارتدى قناع الطيبة امامهم وجهل من حوله شخصيته الحقيقية المنكودة بداخله ، شعرت بالأسى على والدتها قبل كل شيء فهي لا تعرف حقيقته لتمحي ذلك الإنتقام بداخلها ، فكرت في نفسها اخبارها ولكن تعلم بأنها لن تتحمل وربما يُصيبها ما تخشاه وتخسرها ، احتارت مارية في اخبارها او من عدمه كون والدتها تعشق والدها، اقنعت نفسها بأن كتمانها للأمر هو الحل الصواب الآن وربما مع الوقت تتناسى كل شيء وترتضي بالأمر الواقع ؛ اخرجها من شرودها صوت طرقات على الباب، على الفور نهضت مارية كي لا يفيق عمار اثر تلك الأصوات فهو بحاجة للراحة ، توجهت لفتح الباب وإذ بها اسماء تأتي إليها لتتفاجئ بوجودها، ضم الإثنان بعضهما بمحبة واشتياق فلم ترها منذ فترة ، ابعدتها مارية لتنظر لها وتقول بنبرة مشتاقة لائمة :
- كدة يا اسماء متجيش تشوفيني ؟ ، مش عارفة اني بحبك .
ابتسمت لها اسماء لتقول بحماس :
- انا مش بس جاية اشوفك ، انا جاية اخدك معايا .
انفرجت شفتي مارية فرحة بأنها سترى والدتها ، نظرت لها وتذكرت أنهن على الباب ، ادارت رأسها لعمار وخطفت نظرة اطمئنان علية ثم عاودت النظر لها ، قالت وهي تدفعها للخارج وهي معها :
- تعالي نقعد في البلكونة اللي برة نتكلم براحتنا علشان عمار نايم .
اومأت اسماء برأسها وتعجبت في ذات الوقت اهتمامها بأمره فكما اخبرتها بأن علاقتهم ليست على ما يرام ، بينما اوصدت مارية الباب من خلفها تاركته يرتاح قليلاً ؛ توجه الإثنان إاى الشرفة وجلسن على المقاعد بداخلها ، همت اسماء بالحديث لتسألها بشغف :
- عاملة ايه مع عمار ؟ ، شكلك بيقول أنك انتي وهو حلوين .
استحت مارية وردت بإماءة خفيفة من رأسها والفرحة تكسو طلعتها:
- أنا وعمار حلوين قوي قوي ، خلاص مبقتش بفكر انتقم منه ، هو حبيبي وكل حاجة عندي .
نظرت لها اسماء بذهول وهي تسأل نفسها ماذا حدث لتتغير هكذا ؟ ، فابتسمت مارية حينما رأت معالم الدهشة على وجهها ، وضحت مارية بمفهوم جاد وهي تأخذ حذرها بعدم تدنيس اخلاق والده فهو وسيظل امام الجميع والدها فلتتكتم على الامر الآن فقد ذهب إلى طريق اللا رجوع :
- عمار شرحلي أنه مكنش بإرادته ، ابوه هو اللي غصبه على كدة ، هدده بالقتل لو معملش كدة ، وبصراحة كدة ابوه معذور ، بابا قتل اخته فعلشان كدة اخد بتارها .
تستمع لها اسماء بعدم اقتناع وايقنت أن بالأمر ما هو مضمر عن انظار الجميع لكشفه ، بينما اهتزت نظرات مارية نحوها مرتبكة لا تريد فضح السبب الرئيسي لما حدث وادركت عدم اقتناعها بذلك ، نظرت لها مبتسمة بصعوبة واردفت لمغايرة الموضوع :
- مش هتباركيلي يا اسماء .
انتبهت لها اسماء وحملقت فيها بعدم فهم ، فاستأنفت مارية بابتسامة ذات مغزى وهي تضع يدها على بطنها المسطح:
- أنا حامل .
شهقت اسماء وهي تنظر لها بصدمة ، رددت بعدم تصديق:
- بجد يا مارية انتي حامل ؟! .
اومأت برأسها وردت مؤكدة بنبرة هادئة رغم فرحتها الجارفة:
- حامل في شهر ، يعني من اول مرة لمسني فيها .
فرحت اسماء لها وتمنت صلاح حالها، تبدلت تعابيرها فجأة لتتذكر أمر والدتها ، فماذا عنها إن علمت ؟ ، تعجبت مارية منها واستفهمت :
- ايه يا اسماء ، بتفكري في ايه ؟ .
نظرت لها ضاغطة على شفتيها لبعض الوقت، عقدت بين حاجبيها لترد عليها بتردد :
- والست فريدة هترضى بكدة ، انتي عارفة انها وافقت تخليكي تيجي هنا علشان بس تنتقمي ، دي لو عرفت هـ ....
بترت اسماء بقية حديثها لا تريد اثارة ريبتها من والدتها إن علمت فهي لن تتقبل بسهولة او بالأحرى لن تتقبل نهائيًا الأمر ، وعن مارية شردت في حديثها فهذا ما كانت تفكر فيه قبل أن تأتي ، تنهدت بأسى وردت عليها بنبرة باتت حزينة :
- هعمل ايه يعني ، مش بإيدي يا اسماء ، انا بحب ومقدرش اضيع حبيبي ابو ابني اللي جاي علشان ...
لم تستطع مارية اكمال جملتها فقد اعهدت نفسها بأن تضمر السبب بداخلها ، استطاعت هي تفهم القصة وتأقلمت معها وتناستها لتكمل حياتها معه بسلام كما تمنت من قبل ، فماذا عن البقية ؟ ، تنهدت بضيق ونظرت لها وقالت بتنبيه حاد :
- اوعي يا اسماء تقولي لحد على اللي بيني وبين عمار لأي حد ، ماما لو وصلها الخبر مش بعيد تقتلني ، انا راضية بحياتي مع عمار ومش عايزة اخسره او اضيع ابني مني .
انصتت لها اسماء بتفهم فهي عاشقة مثلها وتفهم عليها ،تصنعت ابتسامة وقالت بامتثال :
- خلاص يا مارية مش هقول لحد .
صمتت لتتابع بنفاذ صبر ونبرة حالمة :
- ويلا بقى قومي جهزي نفسك علشان الست فريدة مأكدة عليا تيجي ، انا ماصدقت فؤاد هيكتب كتابنا النهاردة ....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
صعد مكرم للأعلى للإطمئنان عليه بعدما علم بمجيئه اليوم، عرج لغرفته ولكن اثناء سيره وجدها تتقدم منه بهيئتها الهادئة التي طالما احبها ، ساقته قدماه ناحيتها وهو هائمًا فيها وزائغًا في لقاءه الأول بها فكم كره ابن عمه حينما يجده يدخل الغرفة عليها لتطارده هواجس اقترابه منها ومبادلتها الحب له ، لم يبين مكرم حبه لاحد لفارق العمر بينهم حيث تكبره منى بعامين ، تحمل ذلك متمنيًا لها السعادة ، كان هناك ما جعله يكن الكُره لعيسى حين علم بتطاوله عليها بالضرب ومعاشرته لهؤلاء النسوة الاقل منها شأنًا ، وجد أن قتله مستباح فقد ساعد عمار في التخطيط لقتله بطريقة غير مباشرة وذلك بعدما دس عمار الافكار السامة في فكر شركائه لينهوا امره بنفسهم دون ان يلوثا ايديهم بدماءه ، لم ينتبه لعقله الذي شرد مجرد رؤيتها في أنها واقفة امامه وتنظر له بتعجب ، وعي مكرم لنفسه وابتسم بعذوبة جعلت منى تسأل نفسها ما به ؟ ، حدثته بمعنى :
- على فكره أنا كنت عند عمار ، هو صحي لو جاي تشوفه .
تجاهل هذا الحديث الغير مجدي ليتناول مناقشة حديثه هو الهام ، قال بنبرة والهة:
- عرفتي بالقرار اللي اخده عمي بخصوصي انا وانتي .
كانت منى تعلم به ولكن لم تهتم كثيرًا ففارق العمر جعلها لا تستمتع بالأمر كونها تتمنى الزواج شأنها شأن أي امرأة ولكن في حالتها وجدته مجرد زواجًا عاديًا ، تنهدت لترد بعقلانية :
- عندي علم ، وعلشان كدة مش عايزاك تشيل هم حاجة ، جوازي منك هيبقى على الورق ، ولو حبيت تتجوز انا معنديش مانع .
نظر لها بعدم رضى وظهر الحزن على قسمات وجهه ، بينما استطردت منى بنبرة متفهمة :
- ومش عايزاك تقلق ، يعني لو مفكر أن بابا ممكن يعارض تعمل كدة متخافش ، انا كلمته وهو قال زي ما احب طالما مش هتضايق لو اتجوزت عليا .
صر مكرم اسنانه كلحت ملامحه فلم يعجبه ما تفوهت به او حتى تفكيرها بأنه لا شيء مجرد زواج عابر فقط ، دنا منها بشدة فشهقت باضطراب ونظرت له بتوتر ، قال هو بجدية منزعجة :
- ومين قالك أن انا هتجوز عليكي ، ولا حتى جوازي منك هيبقى على الورق وان أنا متضايق اني هتجوزك .
ارتبكت منى من حديثه الجريء معها ، قالت بنبرة مهزوزة:
- انت اتجننت ، ازاي تفكر أني ممكن اخليك تلمسني ، أنا اكبر منك ومش هسمح بده .
ظهر الإرتباك عليها فابتسم فمهما اخفت رغبتها بزواج تام لن تقدر على تمنيها لذلك ، رد مكرم بنبرة واثقة :
- ابقي امنعيني ألمسك ، اول ما تخلصي العدة بتاعتك تاني يوم هتبقي مراتي ، وجوازي منك هيبقى كامل .
اقشعر جسد منى وتوترت بشدة في حين وقف الأخير امامها يمرر انظاره على جسدها بمغزى ، ثم تطلع على هيئته هو الآخر وسخر بشدة:
- وفرق عمرو ايه اللي بتتكلمي عنه ، بصي لجسمي وجسمك ، انا قدك عشر مرات .
تأملت منى بنيانه بشرود ونظراتها اللعينة تقتلها على النظر له ، اتسعت ابتسامة مكرم الماكرة واكمل بنبرة موحية :
- يلا روحي جهزي نفسك من دلوقتي علشان لما نتجوز .
قال جملته وابتسامته الخبيثة لم تفارق وجهه ، ثم تركها خلفه مصدومة مرتبكة حين تفهمت مقصده ، ازدردت ريقها وهتفت بنبرة متذبذبة خفيضة :
- قليل الأدب .
ثم صمتت لتتذكر حديثه معها ، لما تنزعج منه فقد احبت ذلك منه ، ابتسمت منى بأنه لم يمانع في العيش معها رغم مجموعة العوارض التي تبغضها هي كونها اكبر منه ولديها اولاد من الآخر ، اغمضت عينيها بهيام شديد ولكن لم يدم طويلاً حيث افزعها بصوته :
- انتي لسة واقفة ، متروحي يلا .
انتفضت منى موضعها وتحركت موضعها لا تعرف اين تذهب فضحك مكرم عليها ، لم تجد امامها سوى الركض لغرفتها، لم يبتعد مكرم حين تركها ووقف يتأمل تأثير كلماته عليها بابتسامة سعيدة ، اراد ان يخرجها من شرودها ليخبرها بأنه استشعر رغبتها هي الأخرى في زواج حقيقي بينهم حين ناداها وافزعها ، تنهد بحبور حين رحلت مجرد أنه امرها بذلك وابتسم ، انتبه لسبب مجيئه والتفت ناحية باب جناح عمار ، طرق الباب عدة مرات وانتظر أن يسمح له بالدخول .....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
في نفس التوقيت بالداخل انتهت مارية من ارتداء ملابسها وسط نظرات عمار المتيمة بها وابتسامته الجانبية مع ظلام عينيه الذي اوضح تمنيه لها ، كانت تشعر مارية بنظراته نحوها وهذا ما اسعدها هو حبه الذي لم يقل رغم ما افتعلته معه ، كل ذلك جعلها الآن تزداد عشقًا له ، كانت تنكر لمساته لها الذي تأجج احاسيسها المضمرة ناحيته وتدعي عدم تمنيها له في حين كانت تسعد بها ، ما ابغضته تطاوله بالضرب عليها ، تجهمت تعابيرها وهي تتذكر واستدارت مرة واحدة ناحيته لترمقه بانزعاج استغربه ، تحركت ناحيته واعينها مليئة بالشراسة ، وقفت امام الفراش وكتفت ساعديها حول صدرها وقالت بنبرة ممتعضة :
- لو مفكر انك سامحتني علشان اللي عملته معاك فانت مش لوحدك اللي بتضحي ، أنا مش قادرة انسى لما كنت بتمد ايدك عليا وتـ ...
لم تكمل جملتها لشعورها بالإحراج ، في حين تطلع عليها الأخير بنفس نظراته الغامضة وتجاهل كل هذا بل اعتدل ليجذبها ناحيته لترتمي على صدره ، شهقت مارية وهي تنظر له بتوتر ، وضع الأخير يده خلف رأسها وتوغل باصابعه داخل شعرها وثبتها ليصبح وجهها مقابل وجهه ، قال بمكر اربكها :
- يعني عايزة تفهميني أنك مكنتيش بتبقي مبسوطة معايا .
ازدردت مارية ريقها بتوتر جم وهي تنظر له بأعين مهزوزة مرتبكة من نظراته نحوها ، ردت نافيه بنبرة متزعزعة:
- لأ ، انت كنت ...
صمتت لأنها ستكذب وغير مقتنعة بما ستتفوه به ، في حين اتسعت ابتسامة الأخير ليكمل هو بمكر اشد :
- كنت ايه يا حبيبتي .
اجفلت عيناها وذابت بين يديه التي تدلك مؤخرة رأسها بطريقة جعلتها تغمض عينيها ، انحنى عمار عليها ليقبلها برقة شديدة لم تراها منه من قبل ، كانت قبلته هذة المرة هادئة جعلتها في عالم آخر ، كان بالفعل يلعب بها ويعرف ما تتمناه منه ، بدأ هو في تعميق قبلته بقوة عنيقة فابتعدت بصعوبة عنه وهي تدفعه بكل قوتها ، هتفت بانفاس متسارعة :
- ملكش في الرقة ابدًا .
ضحك الاخير وردد بنفي ونظراته الجرئية عليها :
- لأ ، ومتنكريش انك بتحبي كدة .
ازاحت يده الممسكة بها واعتدلت ، كادت أن ترد عليه ولكن طرق الباب جعلها تصمت ، قال عمار بانزعاج :
- مين ؟ .
اجابه مكرم من الخارج :
- أنا مكرم يا عمار ، جيت اطمن عليك .
نظرت له مارية لتهمس بتشفي :
- أحسن ، خليك بقى قاعد معاه وأنا همشي أنا .
ثم استدارت لتحمل حقيبتها الصغيرة تتفحصها لتتهيأ بالذهاب ، تتبعها بنظرات تتوعد لها ، كز على اسنانه ورد بحنق ليس عليها بل على مكرم :
- تعالى يا مكرم خش اطمن عليا .
ولج مكرم متنحنحًا باحراج ونكس بصره للأسفل ، ابتسمت مارية وحدثته بلطف :
- اتفضل يا مكرم ، انا كنت خارجة خد راحتك .
رفع بصره نحوها واختلس نظرة ورد عليها بابتسامة خفيفة :
- ربنا يحفظك يا مارية .
نظر لعمار وتابع :
- جيت اطمن على عمار اصلي مشفتوش من وقت ما كان معاكي انبارح .
رد عليه عمار بصلابة وهو يشير له بأن يتقدم ناحيته :
- تعالى يا مكرم اقعد كنت عايز اتكلم معاك.
اومأ برأسه وتقدم منه ، بينما قالت مارية وهي تهم بالخروج :
- طيب انا همشي انا بقى يا عمار .
رد محركًا رأسه بمعنى لا مشكلة :
- روحي بس متتأخريش .
زمت شفتيها ولم ترد بل دلفت للخارج وتعقب خروجها متنهدًا بعمق ، وجه بصره لمكرم الذي استفهم بجهل:
- انت هتسمحلها تروح هناك ؟ .
رد عمار بعدم فهم :
- قصدك ايه ؟ ، عايزني امنعها تروح تشوف امها ؟ .
رد مكرم بتردد :
- يعني ، انا بس بسأل علشان لو وصلهم خبر انكم بقيتوا كويسين ، كمان مرات عمي قالتلي انها حامل .
نظر له عمار بتعابير مقتطبة ، رد بنفي :
- لا محدش يعرف ، مافيش غيرك انت وماما ومنى بس اللي نعرف ، ومحدش فينا هيقول .
اطمأن مكرم وقال بحبور :
- طيب الحمد لله .
تأفف عمار ليسأله بتجهم :
- صحيح قبضوا على اللي قتل عيسى ؟.....
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ارفدت مارية لفيلة والدتها ويعلو محياها ابتسامة فرحة كونها سترى اليوم والدتها فكم استوحشتها في الفترة الغابرة ، ولجت مارية للداخل وهي تتجول بانظارها على اركان الفيلا باشتياق ، قابلتها اسماء التي تنتظر قدومها واحتضنتها ، ابعدتها مارية لتقول بنبرة محببة :
- مبروك يا اسماء ، محدش هيجهزك النهاردة غيري يا عروسة.
ازدادت فرحة اسماء وردت بامتنان :
- ربنا ما يحرمني منك يا رب .
قطع حديثهم والدتها التي تقف في الأعلى واعينها الجامدة عليها تكاد تفتك بها ، تأنت فريدة للوقت المناسب وقالت مزيفة ابتسامة سعيدة باشتياق مصطنع :
- مارية بنتي ، تعاليلي يا حبيبة امك .
رفعت مارية بصرها للأعلى لتنظر لوالدتها بحب وابتسامة فرحة لرؤيتها ، تركت اسماء وتحركت لتصعد لها ، في نفس الوقت رسمت فريدة التلهف لرؤيتها وتحركت هي الاخرى من موضعها لتقابلها فاردة ذراعيها ، وصلت مارية لترتمي في احضان والدتها الدافئة واغمضت عينيها باستكانة تامة فهي والدتها ولا يوجد ما يضاهي حضن الأم ، في حين ضمتها فريدة لها بقوة ولكن ليس لإشتياقها لها ، بل تريد اعتصارها لخلفها وعدها لها وتناسيها امر والدها المغدور كما تظن هي ، باتت نظرات الغضب تتجمد في عينا فريدة فاليوم سينتهي كل شيء بالتأكيد كي ترتاح هي ويرتاح زوجها الذي غدرت به ابنتها قبل الجميع ، بعد فترة من ضمها لها ابعدتها فريدة لتنظر لها وتسألها بلهفة زائفة :
- عاملة اية يا حبيبتي ؟، وحشتيني قوي .
ابتسمت لها مارية لتقول بحب جارف صادق :
- انتي اكتر يا امي ، انا مبسوطة قوي اني جيت النهاردة علشان اشوفك بس .
ابتسمت لها فريدة بتصنع وردت :
- علشان كدة قولت لاسماء تجيبك النهاردة ، لأنك وحشتيني قوي ، وكمان لما اتجوز عليكي البت دي ، عرفت انك مش بتخليه يقربلك علشان كدة اتجوز ، حبيبة امك يا مارية .
ازدردت مارية ريقها وتوترت ، بينما كانت تتعمد فريدة ان تتحدث هكذا لتجعلها تطمئن لها ، شحذت مارية ثقتها بنفسها وقامت بمسايرة الموضوع كي لا ترتاب في امرها ، دنت منها مارية وطبعت قبلة على وجنتها وابتعدت لتقول بتمني:
- ربنا ما يحرمني مني يا ماما .
لم يعجبها حديثها فمهما فعلت ستظل على وتيرتها القاسية للتخلص من قاتلي زوجها ولو حتى الاقرب إليها ، ردت فريدة عليها بنبرة جادة ذات مغزى:
- المهم دلوقتي ادخلي اوضتك ارتاحي ، اوضتك موحشتكيش ولا اية ؟.
ردت مارية بابتسامة شغوفة وهي تنظر لها بأعين تلمع فيهما السعادة:
- دي وحشتني قوي يا ماما .
ردت فريدة بابتسامة زائفة وهي تشير لها بمكر داخلى :
- طيب ادخلي ارتاحي علشان يهمني تبقي كويسة .
ابتسمت لها مارية وتركتها متجهة لغرفتها ، تتعبتها فريدة بنظراتها الجامدة إلى أن ولجت داخلها ، ادارت رأسها لتجد والدة اسماء تحمل بيدها شيء ما ، اشارت لها فريدة بأن تأتي ناحيتها ، اطاعتها الأخيرة وتقدمت منها ، وقفت سوسن امامها فحدثتها فريدة بنبرة مميتة ممزوجة بتنبيه حاد:
- روحي ناديلي سعدية الداية وقوليلها لازم تجيلي دلوقتي ، واياكي حد يشوفك وانتي جيباها .................................
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
أنت تقرأ
حكمت وحسم الامر فهل من مفر
Romanceللكاتبه الهام رفعت وضعها القدر في موقف بات حبها له منبوذًا بينهم ولم تجد امامها غير أن تمتثل لرغبتهم في الإنتقام لا تعرف هل نابعة منها أم واجب عليها ، وفي النهاية حكمت وحسمت أمرها بالتنفيذ ، فهل لها من مفر ؟؟.. بقلم/الهام رفعت مارية فتاة في العشرين...