المرغوب.

343 51 198
                                    

خَطا حثيثًا وبحرص نحوه، يريد التقرب دون لمسه، بينما الآخر يتمايل يُمنة ويُسرة، رأسه مُعلقة بالأعلى، وكرسي مُنقلب عن وضعه.

«ماذا لدينا؟» استبدأ المُحقق بمحاذاة تلك الجُثة المَشنوقة. عمله يبدأ من هنا.

«إنه انتحار.» بحذاقة أردف الآخر، واضعًا يديه في جيب بنطاله.

نظر له الأول -والذي يُدعى رالف- متهكمًا. «كيف كنت لأعيش بدونك فوربس؟»

«لم تكن لتولد.»

واقتحم الموقع بهيئته البيضاء، الأخصائي النفسي، كيث بيرسون، يرفع نظاراتهُ لأعلى جسر أنفه، واستقر بين المحققين يتمعن البصر.

صاح فوربس. «تقرير.»

هرول شاب متوتر، ليردف مُتحاشيًا منظر الجُثة «آڤيس فورِست، أربع وثلاثون عامًا، مُتهم بالإعتداء على أربع نساء وفتاتين قاصرتين، بالإضافة للقتل المُتعمد لديياغو برينت بالتسبب بحريق منزله. أرجو أن تتراجعوا قليلًا، فرجال المعمل على مقربة.»

عادوا أدراجهم بضع خطوات في إحدى أركان المكان.

«استحق ما جرى له.» بصق فوربس واومأ رالف بخفة.

«إنه معتل اجتماعي.» برر كيث.

«كيف تمكن من خداع هؤلاء النسوة على أي حال؟» تمكن رالف من إطلاق سؤاله، ونظر نحو الأخصائي.

تبسم كيث، لاستعداده التام للإجابة على هذا السؤال، وتحليل الأمر برمته. «المعتلين اجتماعيًا، هم أشخاص قاصرون عن التفكير السويّ، مُختلقو الكذبات الكبرى، ليس لديهم مشكلة في الإستمرار بحياتهم بسلسلة مترابطة من الأكاذيب بمساعدة وسائل الإقناع المُتقَنة. في الواقع؛ فالمعتلون لا يشعرون بالراحة عند الإفصاح بالصدق. وإذا أُمسِك بهم في نهاية المطاف فيتراجعون بالتدريج بغرض تغطية الكذبة بكذبة أخرى أكثر إقناعًا. 

أغلب المُعتلين اجتماعيًا يمكنهم ارتكاب أفعال دنيئة دون الشعور بأدنى قدر من تأنيب الضمير، لذا لا تأمل منهم شعورًا بالندم.

لديهم قدرة مخيفة على الإحتفاظ بهدوئهم وسط أقسى الظروف، لذا مشاعرهم لا تظهر إلى السطح، ممثلون جيدون، ومن وجهة نظري -حرك نظارته لأعلى جسر أنفه- فهذا ليس ادعاء، إنهم جامدون بالفعل.

وهنا الخدعة العظمى، تقول كيف استطاع خداع كل هؤلاء؟ إنه السحر رالف، المعتلون جذابون، دومًا؟ دومًا. إنهم ممتازون في جذب وإلقاء شباكهم حول قلوب الناس؛ لأنهم يعلمون تمامًا كيف يحصلون  على ما يريدون. يستطيعون إشعارك بأنك مميز، لذا لا أظن أنه يجب الخوض في عالم النساء وكيفية جذبهن الآن.»

غمز رالف لفوربس مُقاطعًا كيث. «أظنني في حاجة إلى تلك الطريقة.»

تجاهله الأخصائي وفوربس، ليستأنف. «وهذه واحدة من الأمور المتميزة والتي أعجب لها بشأنهم، أنهم عبقريون، فهم يمتلكون فطنة قوية، ويؤدون بشكلٍ جيد في مسيرتهم الأكاديمية، يمكنهم تجاوز امتحان دون فتح كتاب واحد، إذا استغلوا ذكائهم بالأمور الجيدة لأصبحوا ناجحين، لكن بدلًا من ذلك يستخدمون ذكائهم في أذية الناس، كما ترى، فهذا أفضل مثال على استغلال الذكاء في إيذاء النساء.

ليوقعوا جيدًا بالناس، فهم يكتشفون نِقاط ضعفك، يمكنهم خداعك لتفعل أي شيء حرفيًا، بعد استدراكك للحديث بعمق، فهم يفهمون الضعف البشري ويستغلونه، لكن لا يُقرون به في أنفسهم، كالآلهة.

وهذا يوصلنا للنقطة الأخرى، فيظهر عليهم أمارات النرجسية والتحدث عن الذات وأوهام العظمة، الغطرسة والإستكبار، ويظنون بأنهم أفضل الخلق. قد يختلقون صفاتًا ليست فيهم، حتى وإن لم يقتنعوا بهذه الصفات المُنافية لشخصياتهم المؤذية، يتخذونها لأنها مقبولة اجتماعيًا؛ ولأنها تقودهم في النهاية إلى أهدافهم.

أيضًا من الحُمق نسيان هذه النقطة، ألا وهي أنهم غير ناضجين بتاتًا، يكررون نفس الزلات، لا يتعلمون من أخطائهم، مهما فعلوا، فهم يستمرون بفعل نفس الأمر مرةً تلو الأخرى، تتمثل في أنانية مفرطة وعدم اتزان، كما حدث مع عزيزنا فورِست، إنه لا يتعلم، فقد أخطأ مرتين مع القاصرتين عندما ألقاهما في نفس حاوية القمامة، دون إكتراث بفضح أمره، بل دون معرفة وعن جهلٍ مُطلق.»

عمّ الصمت لوهلة، وعناصر الشرطة تعج بالمكان، من مسح وتنظيف والتقاط ما يمكن اعتباره أدلة، والأشرطة الصفراء تُفرش.

«أشعر بالنعاس.» نطق رالف، مُشيرًا إلى حديث كيث الطبي المُمل، وتجاهلهُ للمرة الثانية.

شبك فوربس حاجباه، ثمة أمر خاطئ، تجمهر بعض المُنظفين من المُختبر، حول الجثة لينقلوها، وتبدو ضجة ما تتشكل هناك.

فسأل فوربس. «لقد قلت، أن المعتلين لا يشعرون بالندم، لكن.. لماذا الإنتحار الآن؟»

شقت ابتسامة جانبية على وجه الطبيب المُلتزم الصمت، والذي كان غريبًا، بالنسبة لرالف وفوربس.

وصاح صائح، ليبتّ حيرتهما.

«إنها جريمة قتل!»


يتبع..

SATAN GETS INSIDE | يلجّه الشيطانحيث تعيش القصص. اكتشف الآن