العتبة الثانية

443 70 63
                                    

هذهِ الأرضُ قد اغتصبها الأهل قبل الأعداء، إنهم قد فرّطوا وتناسَوا فنسوا أنهم بين يديّ الله عبيدٌ ليسوا بأحرار، وأن هذه الأرض لم تكن أبداً ملكاً لأحدٍ سواه..فكما أعطى  سبحانه قد أخذ!

**

قصدتُ اليوم من جديد ذلك القصر الذي افترشت في قلبي أزقّته، ورحتُ أجوبهُ بلا وعيّ وكأني أحتسي كأساً من التاريخ فأثمل.

قال أبي أني أدمنته بالفعل، وقد بدا سعيداً وهو يقول ذلك، وكيف لا أدمنه وأنا أصنعُ في بلاطهِ حكاياتٍ تخصّني.

وأتخيّل لو كنتُ حاضرةً يوم ضاعَت هذهِ البلاد عن المسلمين، ماذا كنتُ فاعلة؟

وعلى كثرة التفكير وجدتني قد أذهب الى الحاكم محمدٍ الصغير ورهطه بينما يجتمعون مع الدُخلاء، فأرمي على طاولتهم بضع كلماتٍ حارّة، ثم أحتسي الرّمان وأذهبُ السّجن خليّة البال.

ذلك ربما..

او على الأرجح، سأنتحب كما انتحب أهل الأندلس دون حيلة.
فلو كان في الأندلسِ آنذاك بطلٌ كصلاح الدّين لما ضاعت.

قلتُ ذلك بصوتٍ واضح، فاعترضَ طريقي أحدٌ يقول:

_لو كان فيها بطلٌ لما ضاعت؟ إن الله قد قدّر لها الضياع فليسَ التمنّي يفيد شيئاً.

نظرتهُ في استغراب وقلتُ محاورة:

_نحنُ نمنّي النّفس بتلك الأماني، مع علمنا أنها مستحيلة..ولكن عذراً من تكون؟

_شخصٌ يقيم هنا.

فهمتُ من حديثه أنه عربيّ يقيم في غرناطة ربما، كمثلي وأبي. فابتسمتُ ترحيباً وقلتُ:

_أدعى ريما سعيد فمن أنت؟

فأجاب هو باسماً:

_حنيفيّ.

قلتُ: عجباً، أهذا اسمك؟

فقال:  كلا بل ديانتي، تريدين معرفتي فلقد عرفتني، فديني أنا وديني يعرّفني.

افترّ ثغري ساخرة، وحسبتهُ حتماً يمزح فليسَ في علمي أن الحنيفية باقية حتى اليوم، إنها الدّينُ الذي قضى اللهُ لهُ أن يذوبَ منحاً وينصهر في ثوب الإسلام.

لكنه قد بدا جادّاً حين قال:

_أنتِ يا ريما لا تعرفين الكثير عن هذهِ البلاد.

لفظ القول وكأنه يعرفني حقّ المعرفة، فأجبتهُ:

_أجل ربما ليس الكثير فقد انتقلتُ الى إسبانيا البارحة.

أرواح في الأندلسحيث تعيش القصص. اكتشف الآن