حزيناً أمام النهرِ الى الأبد.

304 49 46
                                    

الصفةُ التي يُمكن أن نلصقها بهذا العالم
هي أنهُ شاسعٌ ومتغير
أما كونهُ حزيناً فهذا مؤكدٌ أكثر
يدركُ الناس أول صفتينِ في سنواتهم الاولى أما الصفةُ الثالثة قد يصبحونَ واعين لها في سن الشباب

لكن ثمة شيءٌ في روحي ولدَ كهلاً ومتيبساً واعياً للحقيقة المريرة أنهُ لا فرار من فظاعة الحياة ومرارتها

لقد ولدتُ في شتاءٍ بارد في ليلة مطيرة وكئيبة
دخلت كآبة هذه الليلةِ في وريدي
زُرعت في دَمي ،وأختلطت في مَصيري الى الأبد

شعرتُ بضجر والملل من حياتي في سن الخامسة كان هذا مبكراً جداً

لم أذكر إني أنا او أختي ركضنا خلف الفراشات أو جلسنا نراقب النمل ،لا أذكر أننا شاهدنا والدينا يتغازلانِ في المطبخ
أو حتى هرولنا نحو بائعِ المثلجات
ألامور من هذا النوع لم تحدث في طفولتي

حين ولد أخونا الأصغر كنتُ متشوقاً له عائماً في حماسةٍ عظيمة بعد أن ترقبتهُ تسعة أشهر وثلاثة أيامٍ وعشر ساعات

كنتُ رقيقاً وهشاً من الداخل أقلقُ لو أن عصفوراً محلقاً لم يعرني أنتباههُ،أو أن قطة هربت مني.

لم أكن أعلم أن الطفل سيكونُ أول وآخر أحساسٍ أتجرعه

عدتُ الى البيت راكضاً أخبرتني أختي أن الطفل الجديد أتى
هرولتُ الى الغرفة حيث أمي والطفل

فتحتُ الباب نظرتُ له كان ناعماً وصغيراً في أحمارارٌ غريب
كانت أمي تضعُ ثديها في فمهِ

أبتسمت أمي لي وأخبرتني أنهُ اخي الصغير وأن جدتي أسمتهُ بيكهيون

قالت أنها تشعرُ بالغبطة لكونِ أبنها الثاني ذكراً وولد في الربيع

كانت جدتي تحادثُ والدي في أمرٍ ما،أخرجت أمي ثديها من فم الطفل،فم بيكهيون

وضعتهُ قربها وقد نام
كان كائناً صغيراً محمراً ملفوفاً بأغطيهٍ بيضاء ناعمة تفوحُ منهُ رائحةٌ آسرة

أقتربت منهُ لأشمه كنت مفتوناً لأول
مرة في حياتي بشيءٍ ما متحمساً لهُ راغباً فيه

لكنهُ بكى بل صرخ حالما قاربتهُ صار يحركُ أيديه في كل مكان   زاد أحمرار وجهِ كأنهُ غاضب بل كأن شيطاناً مَسه

صَرخت جدتي ووالدي كذلك قال شيئاً ما بدا كأنهُ مسخٌ غاضب صوتهما ممتزجاً بصوت الطفل كان أعلى صوتٍ سمعتهُ طول حياتي..

دخل الى أذني كسر شيءٍ ما في الداخل.

تملكني رعبٌ عظيم،أرتجف كل أنشٍ في جسدي
كانت لحظة فارغة عديم الوزن أستمرت الى الأبد

خرجت الى خارج الغرفة ثم خارج البيت ثم خارجة الحي وودتُ لو أخرج خارج هذا العالم

رأيتُ النهر يرتجف والشمسُ تهرب من الأفق كان مشهداً ضبابيا ًوشاحباً
بعيناي الملتاعتانِ أصبرتُ ألاشجارُ تهتز
الريحُ شديدةٌ كأنها تتوجهُ نحو المنفذ الوحيد من هذا العالم
في ذلكَ الوقت لم أبكي لم أبكي قط

قفزتُ متجاوزاً مرحلةِ الدموع  الى مرحلة الجفاف والتَيبس مباشرتاً،تَحولت الحدائقُ في روحي الى فَحم وذهبَ النهار ليكونَ ليلاً حزيناً

بعد ذلك الوقت لم يحدث شيء يذكر صرتُ قشة متيبسة وجافة بقيتُ أشاهد غروب ذلك اليوم حزيناً أمامَ النهر الى الأبد .

أن يكَون شَجرة.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن