"إنخلوه جيدا، يا أولاد " أمرهم زعيمهم و هو يطل على فرناندو مدفوناً بين أيديهم، يفرغونه من كل ما إرتدى من قلائد و خيوط ذهبية تطرز حزامه الحريري إلى أتفه مقتنيات ملابسه، أي شيء يسوى مبلغاً من المال في ردائه الفخم. فرنادو كلما إستطاع فك يداً من عليه أعقبته يدٌ أخرى لتثبته. رغم ضربهم له، لم ينتهي عن المراوغة كالسمكة بين أيديهم. إستند زعيم النشالين هؤلاء على سياجٍ قديم على طرف الطريق، ثم أخذ يتفحص خاتم فرناندو المرصع بقطعة ألماس "روبي" في قلبه. وضع الخاتم في فمه و أخذ ينهشه ليفصل الماسة عن الخاتم. لم يدري بالذي أصابه حتى رأى الدم في يديه نازلا من فمه. هناك من دفع كوعه ليقوم بكشط نفسه بالخاتم على اسنانه و قريباً من لثاه! نظر من فوق لوح كتفه بإتجاه من لمسه بغضب فوجد كارلوس ينتظر منه أن يبصره ثم دفعه دفعة قوية من على السياج أطاحت به قرب جماعته. ما إن هبد جسده ناثراً الغبار عندهم قاموا متبعثرين بعيداً عن فرناندو، فقد ظنوا بأن أحد رجال الدورية كان هنا. لكن، عندما إتضح لهم أن من دفع زعيمهم كان مجرد ولد إسطبل مغفل إعتادوا على ضربه، رجعوا رافعين أكمامهم لينقضوا عليه. "أيها الحقير! كيف تجرؤ!؟! أيجب أن نقلع لك المزيد من الأسنان لتدرك وضاعتك!؟ أظنك لا تريد أن تعيش مطولا، سأقتلك هذه المرة!!" صرخ زعيمهم بغضب و إستنفار، ماسحا الدم عن شفتيه. " .. مالذي تفعله أنت أيها الأخرق هنا؟ سوف يغضب أبيك من كل طاقم العمال الآن إن حصل لك مكروه في حضرتهم!" وجه كارلوس حديثه إلى فرناندو متجاهلاً استنفار و تهديدات زعيم المنشلين بكل برود، و كأنه لم يكن أمامه. فرناندو تمسك بما بقى له من ملابس متصلة ثم جلس و علامات الدهشة تطغى على الألم على وجهه. كان كمن يلقي بالاً لكارلوس بدلاً عنه لزمجرة الزعيم و إجتياح الغضب كل جزء منه. صرخ على كارلوس أن ينتبه عندما قفز زعيمهم عليه ليوسعه ضرباً. لكن بان سبب ثقة كارلوس بنفسه حين أعطاه تلك اللوح الخشبية السميكة بمنتصف وجهه، جاعلاً إياه يترنح ساقطاً على ظهره، و الدم يندفق من أنفه المكسور. "هيا، آنساتي، لدي المزيد لكن إن أردتن~" همس للبقية و هو يضع على وجهه تعبيراً ساحرا بطريقة ساخرة ملوحا العصى. الأولاد؛ حملوا رئيسهم المتهاوي و ولّو هاربين واعدين بالرجوع و الإنهاء على كارلوس.
_
قام فرناندو مسرعا نحو كارلوس الذي إستدار مقفيا فرناند متجها نحو المزرعة " آه، سنيور! لحظة من فضلك!" نادى فرناندو عليه و هو يربط جزئا من قميصه الممزق ليثبته على كتفه. إلتفت كارلوس ورائه من دون ان يتوقف عن المشي " تبدو بخير بالنسبة لفتى كاد أن يصبح بطاطا مهروسة، ليس لدي وقت لأوصلك، منزلك من ذالك الإتجاه." مشيراً خلف فرناند. " هلا توقفت رجاءا؟ إنه لمن التهذيب أن تواجهني على الأقل في حديثك إلي." توقف كارلوس، و إلتفت ليرمق فرناندو بنفس النظرة التي قادته إلى هنا. تراجع فرناندو عن شيء كان يود قوله، ثم نظر إليه مباشرة بعد تنهد و قال " أقله، دعني أعبر عن إمتناني بإنقاذك لي" كارلوس لم يقل شيئا، فقط إمتدت ببطء على وجهه إبتسامة. ثم تلاشت عندما سأله " أتحاول تعطيلي عن عملي؟" فرناندو هز رأسه نافياً بدهشة "أبدا، سنيور! ... امم، كنت أفكر أن نجلس و نتحدث قليلاً، ربما بعد أن تنتهي؟ " "بعدانتهائي سيكون لدي رحلة طويلة لأرجع لمنزلي" قاطعه كارلوس باستعجال، واضعا يداه في جيوب بنطاله البالِ."أوه، الآن رأيت. ... ما رأيك إن وصلتك بنفسي؟ " أطلق كارلوس نخير ضحك على وقع حديثه " أنت توصلني؟ ماذا، ستحملني على ظهرك؟"، " أوه لا، سنيور. سأوصلك بمركبة العائلة طبعا. سنستغرق أيام إن حملتك على ظهري! أعني، ليس لأني لا أستطيع، لكنك تبدو فتى ضخم--" قاطعه كارلوس مجدداً ، فرناندو إحمرت وجنتاه خجلا لإعتقاده بأن كارلوس يتوقع فعلا منه أن يحمله. "سوف توصلني بمركبتكم؟ أنا؟ فتى الإستطبل القذر؟ بففت، أتظن أن والداك سيسمحون لك بفعل ذالك؟ اذهب إلى منزلك يا فتى، ضيعت من وقتي ما يكفي" هذه المرة انطلق كارلوس راكضا، فرناندو لم يتبعه، او بالأحرى لم يستطع، ملابسه تتهاوى من عليه. من ثم كارلوس على حق في نقطة معينة؛ لن تسمح له أمه باستخدام مركبة العائلة لنقل فتى لا يعرفه بالكاد، من دون ذكر أنه من عمال مزرعتهم! رجع فرناندو جارا وراءه خيبة الأمل التي لم يعاشها مثلها، ربما هذه الأولى في حياته القصيرة. تعثر في مشيه بحصى، كما ظنها، لكنها اتضحت بكونها خاتمه الموسوم. اهتمامه بكارلوس انساه تماما ما واجهه قبل هذا الموقف. الآن رنت عقله باستدراك؛ مالذي سيقول لأمه التي -بهذا الوقت- تبحث عنه؟ كيف سيفسر ما حدث لملابسه المفصلة فقط من عدة أيام؟ تشابكت خيوط افكار فرناندو و هو يحاول ان يجد لنفسه مخرجا من هذه الورطة. لكنه في نهاية المطاف لم يفعل شيئا سوى الإستماع إلى توبيخ أمه العالي و المليئ بالقلق و الإستغراب من فعله. عقابه كان أن لا يخرج من المنزل قط. طبعا، عقاب غير محدد المدة سهل التملص منه، في فكر فرناندو.
_
.
في غرفته، خرج توا من غرفة الأستراحة يسرح شعره الكستنائي الشبه مبلل و قد ارتدى بجامته الحريرية، و آثار بخار ساخن تلاشت من ورائه .انحنى ليلتقط خفيه قبل أن يمشي بهما إلى داخل غرفته، عندما استقام وقعت عينه مباشرة في عيني كارلوس الذي كان متكأ على شرفة نافذته يبتسم نحوه. فرناندو جفل و أوقع خفيه. ثم تنحنح خجلا و تقدم نحو النافذة و فتحها
" هيهيه، لقد أخفتك. "
"ماذا تتوقع أن تكون ردة فعلي حين أرى عينين كعيني القطة تتربص في نافذتي في هذا الظلام الدامس؟!"
"لا تبالغ، يا فتى. ضوء القمر على أصفاه الليلة"
ثم قفز داخل الغرفة، متمعناً إياها على عجل. فرناندو تقدم و وقف أمام ضيفه الغير مدعو
" ماذا تفعل هنا؟ ألم تقل أن لديك عمل؟ و، و رحلة طويلة الى منزلك؟ "
"ألم ترد أن نجلس و نتحدث؟ لقد راودني الفضول عن ما تريد مني." يحدثه كارلوس، و يداه تنتقل من غرض الى اخر متفحصاً صنيعه. فرناندو راقبه بحذر لسببين، الأول يكون الأوضح، تاكدا من ان لا يسرق شيئا. الثاني، تقرفا من يداه السوداوتين التي وضعها على كل شيء تقريباً "سيكون لدى ناني الكثير من العمل غدا" همس لنفسه. التفت كارلوس نحوه ليتلقى كلامه الذي ظن انه موجهٌ له. فرناند انتبه لذالك و اسرع لتغيير الموضوع
"صحيح! انا اردت ان اتحدث اليك، لكن الان الوقت متاخر، و ... "
" هاي"
قاطعه كارلوس، فرناندو غضب و قاطع كارلوس بالمقابل "هلا انتظرت لأكمل جملتي؟" أكمل كارلوس من دون مبالاه لنبرة فرناندو الشبه غاضبة " اسمع، انا هنا الآن. الشاحنة انطلقت من دوني، بفضلك، لذا انت تدين لي بعشاء دسم يساعدني على المشي طوال الليل لمنزلي. لقد أردت ان تعبر عن امتنانك لي، سابقا، صحيح؟ هذه ستكون مبادرة جميلة منك " ثم مركز نفسه على طاولة فرناندو، مستغلا لطفه و ادبه بعدم قدرته على قول شيء له. مراقبا تعابير على وجهه التي لا تتقبل ما يفعله بابتسامة. "آه، حسنا. " زمجر فرناندو بإستسلام " لا أدري لم تجعل الأمر يبدو كدين يجب أن أسدده! ليس هذا ما كان في بالي عندما دعوتك" فتح باب غرفته و إلتفت نحو كارلوس" رجاءا لا تلمس شيئا آخر" ثم خرج. تنهد عندما رأى أنوار المنزل مطفئة. من الواضح انه لا يوجد أحد لخدمته. و لا يمكنه ان يخبر أحد بوجود فتى ذو خفان مليئة بالطين ينتظر الطعام في غرفته، الفتى عينه الذي لم يجن من ورائه سوى المشاكل.
من هنا بدأت صداقة روابطها من معدن لا يصدأ.
النهاية
أنت تقرأ
حب ضد كره: آل كبيس
Fiksi Umumالحب في نفوس البشر لا يتواجد من دون نظيره: الكره. ككل شيء يتضمن الحياة بأكملها- بشمولها، وُجد لها وجهان. الشيء و نظيره. لكن – مثل ما تقوم به بركة ماء معكر سطها بتشويه إنعكاس شيء ما عليها؛ و قد تغير ماهيته إلى ضدها بالكامل- يترآئ للناظر إلى هذان ال...