«شحذَ نُقادنا أقلامهم وجهّزوا عدّة لا تنفد في سبيل سردِ حكايا المُهملين، وإظهار حقائقهم. ثمان مقالات لثمان تصنيفات، سطّرت نفسها بصفحات كتاب بعنوان "مهمش"، مضمونه معرفة ونهايته تحدٍ ومسابقة»
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
رقي بسط خيالاته على تلك الطرقات النظيفة، وتناثرت أصوات الضحك هنا وهناك بين المارة والعاملين، حيث امتلك كل شخص السعادة، حرفيًا، في المدينة الأسطورية الواقعة تحت حكم فلاسفة العالم، وعلى رأسهم، مؤسسها...أفلاطون.
هنا، سنأخذ جولة في معقل الحكمة، ونلتقي برواد مهمشنا السادس، الأدب الفلسفي، والذي ترفع عن القدوم نحو مدينتنا المتواضعة، وفضل دعوتنا نحو أفضل وأرقى مدينة على وجه المعمورة؛ يوتوبيا...المدينة الفاضلة.
لنسر معًا في هذا الطريق الطويل، والذي تترامى على جانبيه المباني العريقة والكبيرة، وربما يمكنكم سماع أصوات المزارعين في الأراضي القريبة وهم يفلحون الأرض، هنا حيث لا قتل، لا سرقة، لا تدنٍ في الأخلاقيات، ولن تجد أي متسولين أو أناسًا غير كفؤ ليدخلوا هذه المدينة، صديقنا الفيلسوف يوجه رسالة مبطنة لنا على ما يبدو...هنا أرقى الحضارات، وكذلك الأدب.
" الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة، هو أن يحكمهم الأشرار ."
صدرت تلك الكلمات من خلف زاوية أحد الشوارع الجانبية، حيث جُهز في وسط حديقة خلابة مجلس فخم وطنافس مترفة لعقد حلقة حوار، وجلس رجل مهيب بلحية بيضاء وجسد عريض مواجهًا طلابه.
همس توباياس: أفلاطون، من أكثر الفلاسفة شهرة عبر التاريخ، أتعلمون أن هناك جدلًا عن كونه كان يتبع الأدب الفلسفي قبل أن يتم إنشاؤه حتى؟ فقد كان يطرح معتقداته وخلجات أفكاره في إطار امتاز بتواجد عناصر القصة الرئيسة، كالزمان والمكان والشخصيات.
وصلتنا رسالة أمس من صديقنا المختفي، سنقرأها معًا، لكن لنجلس أولًا تحت تلك الأعمدة الحجرية الضخمة.
ها نحن ذا.
"ولأن المعرفة الإنسانية بدأت بسؤال، من الواقعي أن تسألوا ما هي الفلسفة، ونحن هنا في أكثر مكان يتصف بها، سنخبركم: هي كلمة من أصل إغريقي تعني بترجمة حرفية "حب الحكمة" وذكر أحد معانيها برندان ولسون:" هي عبارة عن مجموعة من المشكلات والمحاولات لحلها، وهذه المشكلات تدور حول الله والفضيلة والإدراك والمعنى والعلم وما إلى ذلك."
الأدب الفلسفي هو الأدب الذي خصص جزءًا كبيرًا منه لمناقشة قضايا فلسفية في إطار أدبي ككتاب أو رواية.
تتداخل الفلسفة مع الأدب لتزور كافة أشكاله المختلفة كالشعر والرواية أو القصة والمسرحية.
لا تاريخ محدد لنشأة الأدب الفلسفي، بل تمازج الأدب مع الفلسفة تطور عبر العصور أكثر فأكثر، حتى أصبح قسمًا مستقلًا بنفسه، وبداية القصة كانت مع الفلاسفة الذين قدموا أفكارهم وفلسفتهم في إطارة مسرحية أو شعر أو رواية مثل جان بول سكارتر وميلان كونديرا.
من رواد الأدب الفلسفي: فولتير في كتابه كانديد، فريدريك نيتشه في هكذا تكلم زرادشت، مارسل بروست: البحث عن الزمن المفقود، ولا ننسى فرانس كافكا في عمله: المحاكمة، وبالطبع فيلسوفنا فيودور دوستويفسكي.
وكما سطع نجم الأدب الفلسفي في الغرب والشرق، لم يخلو الوطن العربي من أدباء عرب استطاعوا إتقان هذا اللون من الأدب، ومن أدباء الفلسفة من العرب: يعقوب بن إسحاق الكندي، أبو حيان التوحيدي، محمد بن عبد الملك بن طفيل، وغيرهم."
شخصيًا، أؤمن أن لكل شخص منا فلسفة خاصة به، لا تحدد بمحاور الفلسفة التي وضعها القدامى، بل يمكنه التطرق للنقطة التي تروقه، قرأت مرة في كتاب شخص فلسفة ابتكرها عن كون اللون الأبيض الذي يتصف بالسلام والسكينة بديهيًا هو مخيف أكثر من الألوان القاتمة، الفراغ الذي يصنعه والبرودة التي يدخلها، راقت لي، وهنا أيضًا أتيت بمثال عن فلسفة شخصية ابتكرها @william_67
اوووه! هذه الصورة لا تتبع إرشادات المحتوى الخاصة بنا. لمتابعة النشر، يرجى إزالتها أو تحميل صورة أخرى.
إن لاحظتم في المثالين السابقين، كانت زبدة الحديث في أمور معتادة في حياتنا العادية، لكن تم إلقاء ظل عليها لتتصف بعمق وقوة تستوقف القارئ ليفكر في موهبة كاتب النص وقدرته.
لذا، عند كتابتك لعمل فلسفي، ضع فكرة في رأسك، اعرف عنها الكثير، فالفلسفة تعني الحكمة والعلم، ثم أعطها بعدًا ثالثًا يضفي عمقًا عليها، واجعل الفلسفة هي التصنيف الرئيس للقصة، ويمكنك إدخال فئات ثانوية كالعاطفية أو الاجتماعية أو الرعب أو الخيال أو ما تريده، استخدم زمانًا مناسبًا ومكانًا ملائمًا، وحمّل شخوصك وأحداثك رسالتك الفلسفية، وتجنب الوقوع في خانة تكرار النقاط الفلسفية كثيرًا، بل تلاعب بها، اللغة العربية واسعة الحيلة، يمكنك الإتيان بذات المعنى في أكثر من عشر جمل.
الأدب الفلسفي محيط شاسع مجهول القاع، مليء بالمفاجآت والكنوز والمخاطر، قد يبدو ظاهره مسالمًا وفي جوفه حمم بركانية متفجرة، وربما يكون هائجًا شديد اللهجة وفي داخله اللؤلؤ والمرجان أو مدينة أتلانتس المفقودة.
فاسمحوا لي وللباحثين عن جمال الفلسفة في الأدب أن نسبر غور تلك الخبايا والأسرار، ونغوص بحثًا عن ما ضاع منا من عبقرية في الكتابات الرديئة.
