( 17 )
_ مساومة ! _
أصيبت "آية" بنزلة صدرية حادة ، في وقت غير مناسب تماماً .. عندما بدأ موسم الأعياد بفرنسا و بدأت السماء تمطر معه ثلجاً كسا الأراضي و المرتفعات
كانت متهورة كعادتها ، و لا تآبه بالخروج صباحاً أو ليلاً إلي الشرفة في أوج العواصف و الأعاصير ، و هكذا أودي بها تهورها إلي تلك النزلة الشديدة التي طرحتها في الفراش لعدة أيام
أحضر "إبراهام" لها طبيباً ، فقال أنها ستشفي عما قريب ما إذا واظبت علي جرعات الأدوية و تغذت بشكل جيد ، و لا ريب أنها أتعبته و أنه قد عاني معها أيضاً ، خاصة و أنه هو الذي أصر علي الإعتناء بها
كان يعطيها الجرعات بنفسه و كان يسهر بجوارها طوال الليل ، يأخذها بحضنه و هي تتقلي بنار الحمي ، تتآوه و تئن في نومها و أحياناً تخاطب أشخاص وهميين ، فكان يعالجها بالمرطبات و كمادات المياه الباردة حتي تهبط حرارتها و تعود طبيعية كما كانت
و هكذا إستمر "إبراهام" بتأجيل خططه ريثما تشفي حبيبته الصغيرة ، أجل حبيبته ، فبرغم كل شيء لا زال يحبها ، و لا يعتقد أن بإمكانه أن يكرهها أبداً .. أبداً ....
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
كان يجلس مسترخياً أمام شاشة التلفاز الذي يعرض فيلماً تاريخياً عن الحرب و الحب خلال حقبة الثورة الفرنسية البرجوازية ...
لم يكن يتابع الفيلم تماماً ، كانت أنظاره مركزة عليها ، حيث كانت تقبع في الزاوية التي خصصتها لنفسها لآداء فرائضها ، الآن و كما يري أنها إنتهت من الصلاة ، لكتها لم تنهض بعد
ربما تكون مشغولة بالمناجاة ، و في الحقيقة هو يحب أن يسمع مناجاتها كثيراً ...
و بلا تردد قام من مكانه متوجهاً نحوها بخطوات صماء ، ركع خلفها مباشرةً و أرهف السمع لما تقوله .. إنما وقعت عيناه علي المصحف الذي بين يديها ، ذلك الذي أهداها إياه منذ يومها الأول معه
كان صوتها خفيض ، عبارة عن همهمة ، إلا أنه سمعها بوضوح :
وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ
فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ
أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ