بينما يحتفل الملك ومن معه بمقتله، كان فولكار يواجه أسوأ أيام حياته في قعر البئر، لقد أنسته آلامه النفسية والظلم الذي تعرض له من كل الناس، حتى من صديقه المقرب آلامه الجسدية، وجروح السهام التي كانت جروحها في قلبه أعمق منها في جسده، اجتمع عليه ظلم الناس وظلام الليل وظلام الكهف، سواد في كل مكان، داخله وخارجه، شعر وكأن الحياة لا تريده، أخذ نفسا عميقا وكأنه يتجرع آخر رمق للحياة، ثم اتكأ على سيفه ونهض يتحامل على نفسه والدماء تقطر من جروحه، ليس فولكار الذي يستسلم للموت بهذه السهولة، ربما عزلته عن قومه الذين نبذوه، ووجوده في هذا الكهف اللامتناهي يفتح له طريقا نحو عالم مجهول قد يجد فيه ما يستحق الحياة.
أحكم قبضته على سيفه وتوجه نحو الأمام يبحث عن الغول، إما أن يقتله، أو يموت وهو يحاول، وغريزة البقاء في داخله تجعل خوفه يتلاشى وتزيد من عزيمته، تقدم قليلا فإذا بالكهف عالم تحت العالم الذي كان فيه، وكلما تقدم كان ذهول المكان يسلبه لبه، صار يتأمل كل شيء حوله حتى كاد ينسى سبب وجوده هنا، تابع تقدمه وهو منبهر بما يراه، شعر بالرطوبة حوله تخف والهواء يتغير نسيمه، من بعيد يشاهد أضواء لا يعرف مصدرها، ربما هي فتحات صغيرة في الكهف أو أحجار مضيئة يتساءل مع نفسه، رائحة يتلقفها أنفه تقطع عليه حبل أفكاره، إنها رائحة الغول، يتقدم بخطوات خفيفة وحذر نحو مصدر الرائحة، كلما اقترب اشتدت قوة الرائحة وسمع طرق خطوات في اتجاهه، وكأن ما يسير إليه هو بدوره آت إليه، لكن لا مجال للتراجع، بعد عبور عدة منعرجات وجد نفسه أمام طريق مفتوح في منتصفه على بعد أمتار يقف حيوان ضخم جدا، يكاد يغلق الطريق من ضخامته، تسمر فولكار في مكانه من هول الصدمة ورعب المنظر، لقد بدا الغول أكبر بكثير مما رآه عليه في الحقول، بجهد كبير استطاع أن يتغلب على خوفه ويقرر مواجهة الغول، جهز سيفه الذي اعطاه له عمه الملك واتجه نحوه مباشرة، بدا الغول هادئ وهو يقترب منه، على بعد مسافة قريبة منه حاول فولكار تحديد مكان عنق الغول ليضربه مباشرة في مقتل، نظر في رأسه فوقعت عيناه على عيني الغول مباشرة، فشاهد ما لم يتوقعه، لقد بدا الغول الضخم ودود وظريف، يبدو كحيوان أليف، ينظر إلى فولكار بكل هدوء وكأنه لا يحفل بوجوده.
اقترب منه فتراجع الغول إلى الخلف، زادت ثقة فولكار بنفسه، رفع سيفه ليقتله فإذا بالغول يتودد له، أسقط فولكار سيفه وهو يلوم نفسه، كيف يريد أن يقتل هذا الحيوان الأليف وهو لم يؤذه أم يهجم عليه، إنه مجرد مخلوق ضعيف يريد أن يعيش بسلام بعيد عن البشر.
يا لغبائي .. كنت سأقتله من أجل محصول أولاءك القوم الذين نبذوني وكأنني لست بشرا مثلهم.
عاد فولكار نحو الجدار المقابل للغول فأسند ظهره إليه وجلس يستريح، ينضر اليه الغول وكأنه يريد التعرف عليه وجلس أيضا، مقابله بدأ ينظر كل منهما للآخر، بعد نصف يوم تقريبا من الهدوء النضرات المتبادلة فولكار يحدث نفسه : بدأت أشعر بالاطمئنان من ناحيتك أكثر مما كنت عند قومي، بدأ يعالج جروحه، وأخرج السهم المكسور من كتفه، ثم استعد للبحث عن مخرج من هذا الكهف المتشعب، تقدم للأمام رضخ فولكار
لواقعة الذي كان شاك في مرارته ولكن تأكد له وستطعم عفن حياته البائسة
فإذا بالغول يتبع خطواته، وكأنه يريد مرافقته، استمر يستكشف الكهف حتى انقضت ثلاثة أيام وهو لم يأكل فيها شيء، يكتفي بشرب قطرات الماء المتساقطة من سقف الكهف فقط، لكن الجوع أنهكه، ولو أنه شخص عادي لهلك، لكن قوته جعلته يتحمل كل ذلك، التفت إلى الغول فإذا به مثله، لم يتذوق الطعام منذ التقى به، هل يكون جائع مثلي أيضا يا ترى..؟
لا تبدو عليه اثار الجوع والارهاق
جلس فولكار على صخره يخرج سيفة الضخم يتأمله وينضر لروعته
لم يكد فولكار ينتهي من اعجابهبا
YOU ARE READING
محاولات للخلود
Fantasyمنذ الأزل البعيد، وقبل أن تتشكل الأرض على هيأتها الحالية، في زمن وجود المخلوقات العجيبة التي لا تموت والظواهر الغريبة و الوحوش، قبل أن تختفي وتصبح حديث الألسن، عاشها البشر في حقبة أوجها، و تصادموا معها، بين عداوة وصداقة . عندما يسعا النخبة للعيش الا...