3

6.6K 148 0
                                    

الفصل الثالث

***

توالت الأيام كالأعصار بالنسبة لكليهما .. إلا أن مر شهرٍ كاملاً ، وقد كان بنصف شهر رمضان الكريم .. .

مسائًا ، كانت تقف بمنتصف الغرفة ترتدي إسدالها الأسود الحريري تصلي بخشوع صلاة العشاء ، وتحت قدماها بساط قطني ناعم ما أن تقف عليه أو تلمسه يراودها شعور بالراحة يسمي " المصلية " ، سجدت لربها تناجيه بأعماقها أن يفرج قربها وأن يجعلها وسط أسرتها كما كانت ، فها هي قضت نصف الشهر الكريم بمفردها ، لا يأنسها غير الأربعة جدران والعجوز التي وأتتها أول يوم ، وكانت تدعي " فاطيمة " ، أنهت صلاتها تضم كفيها بجانب بعضهما أمام وجهها تدعو ربها بصوت تخلله الحشرجة وبدأت عيناها تلمع ، أنهت دعائها باسطة كفها تسبح علي عقلات أصابعها ببطئ وتأني ، فما أجمل تأدية واجبنا بكل تأني وخشوع ، فهذا الواجب هو ما يأنسها ويجعل روحها مغمورة بالألفة وهي بجوار هذا البساط ، لدرجة أنها بدأت بوضعه علي الفراش والنوم عليه ؛ فهو يجعلها تنام سريعًا دون قلق أو إرهاق أو حتي التفكير به والتسائل عن غيابه لمدة شهر ، وأستغرابها عن عدم بحث والداها وشقيقها لها ، بل تجعلها تذهب في ثبات عميق بعد كل صلاة فجر.. .

وقفت من جلستها آخذه البساط بين يداها تطويه وتضعه علي الفراش ، ثم قامت بخلع الأسدال عنها لتبقي ببنطال قطني يصل لما بعد ركبتيها وكنزة ملائمة مع البنطال ، جلست علي الفراش مربعة الأرجل تنظر للباب منتظرة دخوله أو دخولها ، لا يهمها من ، فهي لا تريد الجلوس بمفردها ، الشعور بالوحدة شيءٍ قاتل حقًا .. .

تنهدت بضيق من هذا الملل ، أخذت البساط بين ذراعيه تعانقه حررت قدماها من بعضهما ومالت للخلف تانم علي الفراش ، أغلقت جفونها مستعدة للنوم.. ، لم يتعدي الوقت لدقائق ألا وقد ذهبت بثبات عميق.. .

***

دخل رامي متسللاً لغرفتها وقد أمتلئ قلبه بالشوق لرؤيتها ، لا يستطيع البعد عنها أكثر من ذلك ، فهي تمثل قلبه روحه ، وقلبه الذي يدق بداخله الأن هي تسكنه ، أقفل الباب خلفه بخفه لكي لا تستيقظ ، ثم أتجه لها بخطوات واسعة متسللاً بجانبها علي الفراش ، فرد جسده بجانبها ينظر لها بتأمل ، فما أجملها وهي نائمة هادئة ، رفع كفه يتلمس وجهها بحنان وشوق ، فـشهر تجاهل ليس بالقليل!! ، وهو الأخرق كان يعتقد أنه يعاقبها هي ، لكنه أكتشف انه يعاقب نفسه ، أقترب منها أكثر يسحب من بين يداها البساط يضعه بجانبه ثم مال عليها وأمسك ذراعها الأيمن وسحبه منها لتميل بنصف جسدها العلوي علي صدره ، زفر براحة فها هي تفترش صدره ، نظر لسقف الغرفة شاردً بالماضي ، والحادث الذي قلب حياة الأسرتين وجعلهما كارهين لبعضهما وجعل رحمة تنساه!! ، لم يستطيع الشرود أكثر من ذلك بسبب تحركها بين ذراعيه ، أخفض نظره لها ليراها تحاول الفكاك منه ، أبتسم بعبث يرفع كفيه لخصرها يثبتها ، أرتجفت هي من حركته المباغتة فهي كانت تظنه نائمًا ، أنها لم تنظر لوجهه ولكنها خمنت ذلك بسبب ثبات جسده تحتها ، رفعت رأسها تنظر له بقهوتيها اللامعتان بخوف من وضعيتهما تلك ، فهو دائمًا يفاجأها بقربه ، شدد علي خصرها يرفعها له ليكون وجهها أمام وجهه مباشرة وقد أختلطت أنفاسهما ، أرتعشت شفتاها من هذا القرب الشديد المفقد للأعصاب جسديًا ونفسيًا ، رأته ينظر لشفتاه المكتزة الخالية من أي ملمع شفاه ، لتفتح مقلتيها بذعر أكبر هامسة بتوجس :

لمن سيدق قلبهاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن