الفصل الأول

451 44 79
                                    

"المجذوب المجذوب ملابسه ممزقة وحكاياته مضحكة ..المجذوب المجذوب ذقنه مليئة بالدود " يصرخ الأطفال وهم يدورون حول مجذوب بغداد..ليرفع هو عصاه بانزعاج صارخاً فيهم
"ارحلوا ياشياطين ..لعن الله من رباكم" يصرخ الاطفال بخوف من عصاه التي ارتفعت مهددة إياهم ليجري كل منهم لحضن أمه
وبدأت النساء تتمايل علي بعضها البعض ولا يسمع من حديثهم سوي كلمة الرجل المجنون
والرجال يضربون كفوفهم ببعضها بحسرة علي ذلك المجذوب ..بينما هو يبدأ بالاستناد علي عصاه ماشيا بخطوات بطيئة في شوارع السوق ...ذقنه المليئة بالشيب والمتسخة وملابسه الرثة بينما ينفر الناس عندما يقترب منهم برائحته النتنة
يحرك هو راسه بشيء من الجنون ليرفع صوته مرددًا " يا اهل بغداد..استمعوا لي...وخذوا العبرة"..يتأفف الناس من حوله لعلمهم أنه سيعيد نفس الحديث ليتردد صوت من بين الناس ساخرًا "وهل جئت لنا بحكاية جديدة؟."
ليجيبه المجذوب "لا بل إنها حكاية الحكايات ويجب أن تُعاد ..فاسمعوا يا أهل بغداد وافطنوا ..اسمعوا حكاية الجميلة زارا وملك البحار السبع زنده باد..وتذكروا إن زنده لا يحب المشاركة"

**************

بين أسوار الليل يتردد صوتها الحزين
" سوف أهرب يا صفية ، سأهرب اليوم من الحجاز لا محالة "
تنطق بها متحركة يمينًا ويسارًا بسخط قابضة علي يديها بشدة.
دموعها تتسلل عنوة أمام خادمتها ذات نفس العمر الجالسة علي المقعد ناظرة لحالة سيدتها
" أفيقى ياابنة الترف اتريدين أن يقتلك أبيكِ ويرجمك في قلب مدينة بغداد!."
تتوقف الأخري أمامها لتتقدم ناحيتها بخطي مهتزة ؛ لتهوي فجاءة بجسدها بجوار أقدام صديقتها متحدثة بقهر
" أخبرني أبي بأمر الزواج بأراضي الله المقدسة ياصفية ، القي بفرحتي بزيارة بيت الله الحرام صوب الجدار.. لا أريد الزواج." ترتفع شهقاتها لتمد يدها لتكتمها بطرف ثوب صديقتها المصنوع من الكتان الرخيص لتمتد يد المملوكة لتربت علي شعرها لتهدئتها
"أنتِ تعلمين أن هذا مايليق بمكانة عائلتك ياعزيزتي!. "
يهتز جسد الأخري بعنف لازدياة وتيرة بكائها لتصرخ بنبرة مقهورة رافعة رأسها للأعلي "ليس عندي اعز من الروح ، وروحي مرهونة بيد أبي ياالله." .."ياالله" تكرر ندائها بصوت اعلي ..مرجعة رأسها لحضن صفية لتستمر في النحيب.
تمتد يد صفية لترفع رأسها ناظرة لعيني سيدتها ليهتز بؤبؤ صفية بقلق وتوتر متمتمة
" من سكن قلبك ياابنة شيخ التجار..هل أعرفه ؟." تحرك راسها بحيرة ..لتعيد نظرها لها مجددًا
" أخبريني فأنا بئر أسرارك...هل أعرفه؟؛ ام ياللهي هل تقابليه؟. " يرتعش جسد صفية وتنتفض من فكرة التقاء سيدتها من ذلك الشاب.
تمر ثواني يسيطر الصمت علي المكان ليقطعه إرتفاع جسدها ببطء من الأرض رافعة رأسها للأعلي سارحة بنظرها من نافذة غرفتها المطلة علي زرقة ليل المدينة.. لتتحرك معها صفية ناظرة لها ولحالها " يزورني بأحلامي منذ استماعي لقصصه من صوت أمي الراحلة ...عمامته مثبتة بشموخ فوق رأسه." تبتسم زارا بشدة مغمضة عيناها بابتسامة ولهانة .. تتذكر أحلامها بدقة وبكل تفاصيلها لتسترسل
" لم أري قط ملامحه رغم وصف أمي له بحرص..لكن حركاته بين الحبال المثبتة بجوانب السفينة رغم عنف اهتزازها علي أمواج البحر . " تصمت للحظة ناظرة للشوارع الفارغة بالخارج لتلتف بحماس ممسكة بكتفي صفية محركة إياها معها للجلوس لتكمل
" كانت يديه تمتد لرأسه بوتيرة منتظمة كل فترة من الزمن لتثبيت عمامته وضغطها برأسه .. كان يكررها مرارًا وتكرارا وكأنه لديه وسواس بها"
تظهر إبتسامة عريضة علي محياها متذكرة حركة يداه، لتمد يديها لاعلي حجابها مثبتة إياه فوق رأسها منزلة يداها ببطء من الجوانب لتثبيتها مقلدة إياه
"مفعمة بالرجولة كانت حركاته...ابتسامته يُمكن أن تُسقط نصف فتيات بغداد بحبه." تنهي زارا كلامها ناظرة للارض بسعادة بالغة تتجه يدي صفية لكتفان زارا لتديرها لها بملامح غبطة متحمسة
"من ذاك الرجل؟.. ما اسم صاحب كل تلك الصفات؟." لتردف زارا
" اسمه سندباد ، رجل البحار خاصتي ..بحار قلبي." تنظر الاخري لها بصدمة صارخة
" اتتحدثين عن سندباد بغداد ، الرجل الذي كان موجود منذ خمس قرون أو ربما لم يكن موجود من الأساس ومجرد أسطورة !. " تنفعل الاخري لتمد اصبعها لصفية بتهديد محركة يداها الممتلئة بالاسوار الذهبية قائلة
" لا تتحدثي عنه هكذا، كما أني لست مختلة لكي أحب رجل ميت" تتنهد صفية براحة لتستكمل زارا " فقط أريد رجل بحار مثله .. بنفس عظمته وشجاعته ..أهذا كثير علي ياالله؟."
تهز صفية رأسها نافية قائلة بآسي
"ابحثي بالبر لا بالبحر ياحبيبتي. "
تمتد يد زارا لخدي صفية متمتمة " قلبي بالبحر يا صفية..وإذا بقيت هنا سأبقي بدون قلب للأبد."
تسترسل "سأرحل الآن ياصفية." تومأ صفية بفقدان أمل عن جعلها تتراجع بعد أن رأت دموع سيدتها لتفهم مدي تعلقها بالأمر ..فتستقم من مكانها للخارج متلفتة بكل الاتجاهات ، لتعود بعد بضع دقائق بيدها بعض من الملابس خاصتها لتضعها بين يدي زارا ، لتنظهر لها زارا بعدم فهم
" لا يمكنك أن تذهبي بالملابس الحريرية تلك ياابنة الترف ." تنظر لها زارا مبتسمة بامتنان لتنهض سريعًا محتضنة صديقتها ذات البشرة السمراء لتهرب الدموع من أعينها..لفراقها صديقتها الوحيدة.
تبتعد من حضنها ناظرة لصفية مبتسمة لتجمع باقي الملابس وتخلع اساورها الذهبية لتخبئها بين الملابس ..تتجه لباب الغرفة لتفتحها ببطء لمنع صوت صريرها وتتبعها صديقتها بين رواق الغرف ..لتمر أمام غرفة والدها لتتجمد ناظرة لها بحزن لتدفعها صفية للتحرك سريعاً إلي الاسفل عبر السلالم .. لتصل لباب المنزل لتلتف لصديقتها المتلخبطة والناظرة في جميع الاتجاهات بخوف
"إلي اللقاء..ياصفية فليحفظك الرب ياأختي."
تشد صفية زارا إلي أحضانها مودعة إياها مرة أخري ..تبتعدان لترفع زارا حجابها الساقط علي رأسها وتلقي طرفه علي وجهها باهمال لإخفاء ملامحها عدي عيناها فاتحة الباب
" لا تقتلي نفسك بحق دين محمد." تتمتم صفية لتضيق عيني زارا بضحك مردفة
"لن أفعل ياصفية ..فسندبادي لن يسمح. " لتنهي كلامها منطلقة خارج الباب مهرولة بين سكوت الليل .. لتصفع صفية جبينها متمتمة
" ووضعت ياء الملكية أيضا ابنة الترف. "

زنده باد ||{Z.M}✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن