| من مذكّرات أميركا |• نويت أن أكون صالحًا 1959 فيص لئاوألقد نويت من الآن فصاعدًا أن أصبح إنسانًا صالحًا؛ أغسل يديّ من الذّنوب، أسلّم قلبي بكامله لله عزَّ وجلّ، وأغضّ طرفي عن الدّنيا وما فيها وأجعل أنسي فقط في دموع المقلتين. لقد قضيت أيّام طفولتي في علوّ المقام والشّرف والزّهد والتّقوى، ويجب أن أصمّم مجدّدًا ومن الآن على أن أصلح نفسي وأدفع بها قُدُمًا نحو التّكامل، وأن أعلّم نفسي كيف أنَّ حوادث الحياة، ولذْع نار الذّنوب تُنضج الإنسان وتجعله أكثر فهْمًا للأسرار.أريد أن أعرف ذاتي1960 عيبر لئاوأمضى عليَّ حوالَي السّنة وأنا أكتوي بنار حارقة. وقليلة هي اللّيالي الّتي نِمْتُ فيها دون ذرف الدّموع، ودون أن تجعل الآهاتُ الحارقةُ قلبي وروحي رمادًا. رباه، لا أدري إلى متى عليّ أن أحترق؟ إلى متى عليّ أن أتعذّب؟ وأنت في كلِّ الأحوال، في كل الأماكن وعلى الدّوام كنتَ شاهدًا. كان لديّ عشق طاهر، وقد كنت أربطه بعبادة ذاتك المقدّسة، ولكنّ ذلك قد خلّف في قلبي نارًا محرقة جعلت وجودي دخانًا. أحسُّ أنّني سأظلّ أحترق إلى الأبد. وسأكون شمعة محترقة سعيدة باحتراقها! ربّاه، أطلب منك الصّبر في سيري إليك. رباه أغثني.. اليوم هو التّاسع عشر من رمضان، اليوم الّذي تخضّب فيه إمام البشريّة العظيم بدمه. يومٌ يذكّرني بتضحياته، عظمته وأفعاله الجليلة الّتي منها أستمدّ العزم، وإليه أقدّم بكلّ عشقٍ، دموعي...عصارةَ حياتي. ألتجئ إلى الجبال كي أناجيه، وفي تلك الوحدة، وعلى بعد آلاف الأميال وقرون السّنين، أبوح له بلواعج قلبي. ربّاه، لا أدري ما هدفي من الحياة. إنّّ كلّ العالم وما فيه لا يرضيني. في حين أرى النّاس يركضون في كلّ اتّجاه: يعملون، يتعبون، ليصلوا 2إلى نقطة ترضيهم قد وضعوها نصب أعينهم. ولكن، أيّها الرّب الكبير، إنّني أنفر من الأشياء الّتي يسعى وراءها الآخرون برغم أنّني أعمل أكثر منهم، ورغم أنّني ضحّيت براحة اللّيل وترف النّهار، ولا أزال، فإنّ نتائج ذلك لا تسعدني. وأنا إنّما أمضي قدمًا، مشاركًا في معترك الحياة وعلى هذا الطّريق دون أن أنتظر أيّة نتيجة، لأنّ ذلك واجبي! لقد أصبح التّعب بلا معنى عندي، وصار السّهاد عاديًّا وطبيعيًّا، وتحت وطأة الغمّ والحزن غدوتُ جبلاً منيعًا، وإنّ العذاباتِ والمحن لم تعد تحزنني. أنّى تسنّى لي النّوم نِمْتُ، وفي أيّ وقت اقتضى النّهوض أفقت، آكل أيّ شيء وُجد. كم من السّاعات الطّوال نمت فيها على التّراب في التّلال المحاذية لبركلي[[[، وكم من اللّيالي الطّوال قضيتها هائمًا على التّلال وفي الشّوارع المهجورة حتّى انبلاج الصّبح. وكم من الأيّام الطّويلة الّتي بتُّ فيها جائعًا. أنا درويش وهائمٌ، حائرٌ في وادي الإنسانيّة، وربّما أكون قد خرجت منه، لأن أحاسيسي وأمانيّ ليست كالآخرين. يا ربّي العظيم، ماذا بقي لي؟ على أيّ أساس يجب أن أضع اسمي؟ هل جلدي وعظمي هما من سيحددان اسمي وشخصيّتي؟ هل ستكون أمنياتي وتصوّراتي وآمالي مكنونًا لشخصيّتي؟ أيّ شيء يشّكل هذه 1. بركلي: اسم إحدى الجامعات الت�ي درس فيها الشهيد القائد �في أمي�▫«الأنا»؟ أيّ شيء هو ذاك الّذي يعرفني النّاس به؟... أنظر في وجودي، أبحث في ما حولي كي أتبيّن معلمًا لكياني ليصبح قابلاً للفهم، على الأقل بالنّسبة لي. في هذه الأثناء لست أنا سوى قلب محترق تتصاعد منه ألسنة اللّهب، الّتي ربّما تضيءُ وجودي، أو ربّما أُدفن تحت رمادها. نعم، لا أرى لوجودي أثرًا سوى قلبٍ ملتهب، وأعقلُ كلّ شيءٍ بواسطته، أرى الدّنيا من كوّتِهِ، في حين تتغيُّر الألوان، وتتّخذُ الموجودات مظاهر أخرى لها.
بّ... يا مظهر الآيات 1960 راّيأ 29 تُعزُّ من تشاء وتذلُّ من تشاء أيّها الرّبُّ العظيم، يا غايتي المرجوّة، يا منتهى آمال البشر. أَخِرُّ على التّراب عاجزًا أمامك وأسجد لك، أعبدك، أشكرك، أحمدك، فأنت وحدك، أجل وحدك، أيّها الرّبّ العظيم، اللاّئق بالحمد والشّكر، محبوب البشر الملكوتيّين. أنت وحدك مطلبي. ولكن واحسرتي إذ أنّني أعبد معظم مظاهر الحياة الخدّاعة والزائلة سريعًا بدلاً منك. إنّني أُبدي لها العشق وأنساك! إلاّ أنّه لا يمكن لي أن أسمّي ذلك نسيانًا، لأنّ أيّ جمال أو مظهرٍ خادعٍ هو أيضًا مظهرٌ لك، والهيام بتجليّاتك عند الملكوتيّين هو كذلك عشقٌ لذاتك. أيّ شيء كان يفتنني كان يثير عشقك في أعماق قلبي. وعلى هذا يا ربّي العظيم، فلا تؤاخذني بهذا العذر. فقط هبني أن أكون أهلاً لكيّ أقترب منك أكثر فأكثر، ولكي لا تجذب نظري هذه المظاهر البرّاقة الّتي لا تساوي شيئًا، في سيري الطّويل الّذي أخطوه نحو جنّتك اللاّمتناهية والأبديّة، فلا تحِدْ بي عن الطّريق السّوي. أفرح في الدّنيا بأمور صغيرة لا قيمة لها، وأحزن من أخرى لا أساس لها. هذه الأفراح والأتراح دليل على أنّني لست أهلاً بعد. لا زلت أسيرَ الغمّ والهمّ. لا زلت أسيرَ الفرح واللّذّة... لقد سلسلة الآمال والأمنيات الطّويلة جناحيّ، وجعلتني أسيرًا مهمومًا دون حرّيّة. أجل، فبيني وبين الحرّيّة الواقعيّة فاصل كبير. ولكن، يا ربّي العظيم، في هذه المرحلة الّتي أحياها، أحسُّ أنّك مرشدٌ حكيم، تأخذ بيدي وتنصحني، وتُظهر لي آياتك المقدّسة وتقدّم لي العبر! كم من أمر كان يوحشني ويخيفني ساعدتني عليه، وأعطيت الأشياءَ المستحيلة والممتنعة بالنّسبة لي إمكانيّةَ الحدوث. وكم من أحوال كنتُ قد حصّلتُ فيها الاطمئنان والإيمان بمقدارٍ ما، إلاّ أنّك كنت تسلبه مني وتجعلني أعاني الغمّ والهمّ، مظهرًا لي أن إرادة ومشيئة أيّ شيء هي بيدك. فمهما نجدّ في العمل ونحاول هنا وهناك تبقى العزّة والذّلّة بيدك وحدك.