بدأت الشمس بالشروق في أحد ايام الشتاء القارس ، استيقظ من السرير في الساعة السابعة كعادته و أخذ حماماً ساخناً ثم تجهّز للذهاب إلى العمل ، و مرّ بالمقهى الذي يرتاده دائماً (مقهى القرّاء) إنه مقهى هادئ يمتاز بالأثاث البني و الإضاءة الخافتة و الضوء الساطع الذي يتسلل من النافذة في الصباح فقط ، وهو مقصد للقرّاء حيث يذهبون إليه لحضور بعض الفعاليات أو للقراءة ، دخل في الساعة السابعة و العشرين و كان طلبه جاهزاً إذ إنه دائماً ما يأتي في الوقت نفسه و يطلب الطلب نفسه فأصبح من روتين العاملين في هذا المقهى إعداد قهوته ، وايت موكا ساخن بالحجم المتوسط ، مرّ هذا الرجل الطويل الذي يرتدي النظارات و النحيف بعض الشيء ذو البشرة الحنطية بجانب العامل ، "صباح الخير يا عُمر .. تفضّل قهوتك" قال له .
أخذ عمر قهوته و جلس في الطاولة التي يجلس عليها دائماً ، و وضع بجانبه رواية "كل الأشياء" التي أراد أن يبدأ بقراءتها اليوم ، و كاد أن يبدأ بالصفحة الأولى و لكن سمع اسمه على لسان أحدهم ، "أهلاً عُمر" قالت ، فرد عليها : "أهلاً" ، "هل من الممكن أن اجلس معك في هذه الطاولة ؟" أجاب بتردد : "نعم تفضلي ، و لكن كيفَ عرفتِ اسمي ؟" ، قالت : "أنا ساحرة" ثم ابتسمت وكأنها تمزح و بعدها أضافت : "لقد عرفت اسمك لأنني سمعت العامل يناديك به" .
جلست على الطاولة ، كانت امرأة شديدة الجمال و الأناقة و كان شعرها قصير و كانت تضع أحمر اشفاه ، جلست فأحسّ عمر بشعور غريب لم يشعر به من قبل ، سألها بابتسامة "عفواً ما اسمكِ ؟ لأنني لست ساحراً 😅"،أجابت " اسمي اودري " ثم أضافت و هي تضحك : "و لا تسألني عنّه لأن جدتي هي من اختارته" ، "أعلم أن جدّاتنا قد يطلقون علينا أسماء غريبة و لكن كيف لجدتكِ أن تختار اسم غير عربي ؟" قال لها ، أجابت : "نسيت أن أضيف لك إنها ليست عربية بل بريطانية" ، و هكذا بدأوا بالحديث عن بعضهما إلى الساعة الثامنة حيث استئذن عمر للذهاب إلى الجامعة .
(مرّ يوم) ..
ذهب عُمر مرّة أخرى في هذا الصباح إلى مقهى القرّاء ، فهو جزء من روتينه ، استلم قهوته ثم توجّه إلى طاولته المعتادة و لكنه رأى أودري جالسة عليها ، فذهب و جلس معها و ألقى التحيّة إليها "صباح الخير يا أودري" ، ردّت عليه "صباح الخير يا عُمر" ، في هذه المرّة و هي المرّة الأولى لعمر ، وضع كتاب على الطاولة و لم ينوي قراءته ، " اوه هل هذه رواية (كل الأشياء) ؟" سألت عُمر ، أجاب "نعم ، سأقرأها قريباً .. هل قرأتيها من قبل ؟" ، "نعم و لقد أعجبتني جداً و أنصحك بقراءتها" ، "رغم إنه مقهى القرّاء إلّا إنني لم أسألكِ في يوم أمس عن ماذا تقرأين" قال لها عمر ، أجابت بخجل " حسناً ، أقرأ الكثير من الكتب .. و لكنني أفضّل روايات جورج اورويل" ، تعجّب عمر و قال لها " حقاً ؟ إنه كاتبي المفضّل !" ، بدأوا في الحديث عن الكاتب و رواياته كمزرعة الحيوان و 1984 .
"أنتِ تعرفين كل ما أعرفه عن هذا الكاتب" قال لها بتعجب و اعجاب ، فقالت وهي تمزح "رُبّما لأنني أعرف عنك كل شيء و أعرف كل ما تعرفه" ، قال لها " الآن بدأت أشكّ انك ساحرة حقاً " ، ضحكوا ثم ظهر إشعار في هاتف عُمر "أهلاً عمر كيف حالك ؟" (الإشعار) ، سألت أودري بفضول "من ؟" ، أجاب عُمر " أنها ماريا صديقتي ، هي بمثابة أختي بل أعتبرها أختي حقاً" ، "حسناً أكمل محادثتك معها يجب أن أذهب لحصة الباليه الآن" قالت أودري ، "حسناً وداعاً أراكِ لاحقاً" أجابها عمر .
أكمل عُمر محادثته مع ماريا ، فهي متى ما احتاجته هو موجود و العكس كذلك ، هُم معاً في السراء و الضرّاء ، وقد اتفقّوا أن يذهبوا إلى مطعمٍ ما بعد الجامعة .
(بعد الجامعة)
الساعة الآن الثامنة مساءً ، ذهب عمر الى المطعم الذي طلبت منه ماريا أن يأتي اليه ، و بالفعل أتى ، كان المطعم راقياً و هادئ ، فماريا تعشق الهدوء و النظافة ، و هي شخصية ذات ذوق راقي ، رأى عُمر من بعيد تلك المرأة ذات الطول المتوسّط و هيئة الجسد المتوسّطة المائلة إلى النحافة قليلاً ، و الذي يغطّي وجهها البياض و الجمال و شعرها يغطّيه الحجاب ، دائماً ما ترتدي اللباس الأنيق ، إنها ماريا صديقة عُمر الذي يعتبرها اخته أكثر من كونها صديقته ، جلس على الطاولة و ألقى التحيّة ، و بدأ عمر بالكلام عن أودري ، الفتاة التي لاقاها في مقهى القرّاء .. و كانت ماريا تستمع و تضحك على صديقها لأنه مُعجب بتلك الفتاة و لكن الذي تعجبت منه هو اسمها ، و لكنها لم تسأله عن سبب التسمية ، بعد تقريباً ١٠ دقائق من الكلام عن اودري ، فتحت ماريا موضوعاً آخر و بدأ عمر بالإستماع إليه و المشاركة فيه .
(بعد العشاء)
ذهب عمر إلى منزله و كان متعباً لذا نام و آمل حقاً أن يرى أودري في صباح يوم غد ، و لذلك نام عُمر اليوم مع أمنية ، و لم ينم عمر مع أمنية منذ وقت طويل جداً .
استيقظ عمر في الصباح ، و في هذه المرة زاد تأنّقه و اهتمّ بنفسه بطريقة توحي إنه ذاهب إلى موعدٍ مع عشيقته ، لأول مرة في حياته اراد أن يصل إلى المقهى بهذه السرعة و الشدّة ، وصل عمر إلى المقهى و هذه المرة لم يذهب لإستلام قهوته بل ذهب إلى طاولته أولاً ، و لكنه لم يجدها .. لم يجد ما كان ينتظره ، أصابته خيبة أمل ، استلم قهوته و عاد للجلوس الى الطاولة ، انتظر حتى الساعة الثامنة و النصف ! لقد تأخر عن محاضرته ، ازدادت خيبة أمله و خرج من القهوة بمزاج سيء .
مرّ اليوم هذا و لم يراها ، و أتى صباح جديد و انتظرها لكنه لم يراها ، و شرقت الشمس للمرة الثالثة و لم يراها ، و قرّر أن ينساها .
أنت تقرأ
يا خيال واقعي و واقع خيالي
Romance"سمعنا كثيراً أن الحب يولّد الجنون ، و لكن هل سيستطيع الجنون أن يولّد الحب ؟"