من أنا ؟

44 2 1
                                    




في أحد الأيام التي كان فيها عمر في سويسرا تعرّف على صديق ما هناك اسمهُ "غريب" ، كان هذا الصديق ذو طابعٍ هادئ ، لم يفهمه عمر بشكل جيّد ، بل لم يفهمه على الإطلاق .. كان رجلاً غير مفهوماً ذو شخصية لم يرَ عمر مثلها من قبل ، كان هذا الرجل يتّسم بالغموض وكان دائماً ما يغطّي وجهه ولا يكشفه ، و كثيراً ما سأله عمر عن سبب تغطيته لوجهه و كان يردّ عليه بمثل الجواب دائماً

"إنه أفضل لك و للجميع" ، ولكن عمر لم يفهم ماذا يقصد ، ولكن هذا الرجل كان غريباً حقاً و مخيفاً في وقت آخر ، لا يظهر إلا في أوقات قليلة و يحب العزلة كثيراً ، كان بلا أصدقاء .

بعد مرور أسبوع من لقاءهما احترق فضول عمر لمعرفة حقيقة هذا الرجل ، وعندما كانوا جالسين في كوخ عمر سأله عمر : من أنت ؟

"أحقاً لا تعرفني ؟" أجابه غريب ، فقال عمر : "نعم ، أنا أتكلم بجد أنت لم تقل عن نفسك سوى اسمك" ، "أنا عدوّك" ردّ عليه غريب .

لقد خاف عُمر حينها لأنه عرف الآن بأن هذا الرجل اسمه غريب و هو عدوّه ، سأله عمر وهو خائف "لماذا أنا عدوّك ؟" ، "لأنك لا تفهمني" أجابه غريب ، "ولكن لا أظن حقاً بأن أحد ما سيفهمك يا غريب" ، "هذه المشكلة يا عُمر .. لا أحد قادر على فهمي حتّى أنت" أجابه غريب .

لقد خاف عمر حقاً و غضب غضباً شديداً و قد مسك زجاجةٍ ما و سأل غريب "من أنت ؟ .. أجبني الآن" ، فأجاب غريب بهدوء " أنا نفسك .. أنا أنت و أنت أنا" ، لم يستحمل عمر هذا الكلام فضرب غريب بالزجاجة التي كانت بيده و سقط غريب و بدأ ينزف ، وقال و كأنّه يتحضر " أفهمت الآن لماذا نحن أعداء يا عُمر ؟ أفهمت لماذا أنت عدو نفسك ؟ أرأيت كيف تجلب لنفسك الأذى ؟" ثم أخذ نفساً و قال "أنت لا تعرف نفسك يا عُمر ، لا تعرف كيف تجاوب على أبسط سؤال قد يتوجّه إليك ، لا تستطيع الإجابة على من أنت ؟" ، "أتعرف لماذا كان وجهي مغطّى ؟ لأنه كان يوضّح لك بأنك لا تعرف حتّى أبسط الأشياء عنّك يا عمر" .

قد اختلطت مشاعر الخوف و الرهبة الشديدة فراحَ عمر و قتل غريب بيده ، ضربه ضرباً مبرحاً وهو يصرخ "أنا أكرهك ، أنت مجرّد وهم  ، أنا أعرف من أنا ، أنا غريب"

بعد أن مات غريب ، ذهب عُمر و أخذ قطعة من الزجاج المكسورة ، وقال "لقد مات عقلي حين جن ، ومات قلبي بموت أودري ، والآن قد قتلت نفسي ، حان الوقت يا روحي لمغادرة تلك الحياة الكئيبة".

لم يمت عُمر حين أراد الإنتحار بل أُغمى عليه قبل أن يشقّ يده ، ولقد وصل الإسعاف إلى الكوخ الذي أجّره بعد سماع الجيران صوت صراخ عمر وهو يقتل غريب .

استيقظ عمر و هو بالمشفى وأوّل ما تذكّره هذه المرة ليس أودري بل كلام غريب حين قال له "أنت لا تعرف نفسك" ، تأمّل عمر تلك الجملة وقد آمن بها و ندم على قتل غريب ، وبعد ساعات قضاها بالمشفى سمحوا له بمغادرتها وأيضاً عندما قالوا لعمر بأن يوقّع على موافقته بالخروج من المشفى قد وقّع "غريب" في مكان التوقيع ،فقد أدرك عمر بأنه غريباً عن نفسه ، عن عالمه ، وعمّن حوله ..من أنا ؟

يا خيال واقعي و واقع خياليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن