Part 1

938 25 7
                                    

كان يجلس سارحًا مسندًا ظهره الي ظهرها لا يفصل بينهما الا ظهر كرسي القطار المتجه من "مونتريال" الي "تورنتو" ، حين سمعها تتحدث همسًا قائله " اتطمن حبيبي انا وصلت خلاص ، متقلقش هم كلموني وقالولي هيكونوا مستنينّي ، آه، هقعد معاهم كام يوم لحد لما استلم الشقه بتاعة الشغل ،خلي بالك علي نفسك ❤️.

شئ ما في صوتها آثار فضوله ، صوتها حنون ودافئ جدًا ، تنطق كلماتها بنعومه وهدوء ، هذا بالإضافة الي انها تتحدث العربية.
التفت اليها، وعلي استحياء بأطراف أصابعه ، ربت بخفّة علي كتفها، استدارت ناظرة له بابتسامه رقيقه قائلة: "?Yes"
استوقفته عيناها للحظات ، عيناها السوداوان اللامعتان برموشهما الطويلة ، شعرها الأسود الطويل ينسدل بنعومة ليحيط وجهها المستدير كبدرِِ مضئِِ وسط ليلِِ دامس السواد ، اكتمل هذا البهاء بابتسامة طفله بريئة ، كشفت هذه الابتسامه عن غمازاتين ، زادتا خديها سحرا.

ظل صامتا للحظات، اختفت حينها ابتسامتها في قلقِِ ، وسألته : "?!Are you Okay"

تدارك صمته سريعًا وسألها: أنتي عربيه؟
عادت غمازاتاها للظهور في اطمئنان وهي تهز رأسها بالإيجاب قائله : اهااا، أنت مصري، صح؟
أومأ برأسه ان نعم.

تركت كرسيها بحماس ، وتوجهت اليه لتجلس في الكرسي المقابل له ، أمالت رأسها ناحيه كتفها بدلالِِ ومدَّت يدها بعفويه طفوليه لتصافحه : انا "حنين" ، مصرية.
احتوي كفه يدها الصغيرة الدافئة الناعمة ، منذ زمن لم يشعر بدفء يلمسه بهذه الصورة ، سحبت كفَّها بنعومة وهي تضحك قائله: أيدك ساقعه جدَّا .
لم يتمالك نفسه من الضحك فقد كانت تلقائية وعفويه بشكل كبير ، حتي إنه يخيل لك انك تعرفها من زمن بعيد .
أردفت في خجلِِ: آسفه بس فعلا أيدك باردة جدًا.
قال وهو يضم كفيه لبعضهما : ولا يهمك ، هما فعلاً كده.
قم سألها وهو ما زال مبتسمًا ابتسامته العريضة : بقالك كتير في كندا؟
قالت بمرح : استني بس، قولّي الأول ، أنت اسمك ايه؟
قال مبتسما : انا يوسف .
ابتسمت وهي تعتدل في مقعدها قائلة : اممممم، محظوظه انا يا يوسف أتشرفت بيك .
كانت تتحدث بدلال طفلة ، تحرّك رأسها بنعومه فيتحرك شعرها بنعومة كأنه يغازلها .
يوسف : أنتي عايشة هنا مع مين؟
حنين:مش مع حد ، انا لسه واصله امبارح ، بس جيت كندا قبل كدا وأنا صغيره مع بابا وماما ؟ وجايه المره دي عشان شغلي .
يوسف:تمام حمد لله علي سلامتك ، آسف بس انا سمعت مكالمتك ، بتقولي في حد هيستناكي عشان السكن وكده ، انا المكان اللي ساكن فيه ممكن أساعدك لو حابه تأجري مؤقتًا لحد لما امورك تستقر .
اشارت بعفوية ناحية نافذة القطار قائلة : لا لا ، انا ليٍّ صديقتي وزوجها هنا ، هيستضيفوني عندهم ، لحد لما اشوف السكن اللي هيوفوهولي الشغل، شكرًا علي اهتمامك .
وضعت كفها علي فمها مغمضة عينيها كقطة ناعسة وهي تتثاءب في خجلِِ، ثم قالت: آسفه بس لسه تغيير توقيت النهار والليل ملخبطني .
ردَّ يوسف: معلش حبة كده لغاية لما الساعه البيولوجية لجسمك تتعود.
كانت تضع شالاً ناعمًا علي ساقيها ، سألته وهي تلفه علي كتفيها : هو فاضل أد ايه ونوصل؟
قال وهو ينظر الي ساعة يده : الرحلة تقريبا بتاخد من 5-6 ساعات ، اتحركنا مت ساعتين ، يعني فاضل تلا اربع ساعات ونوصل ، ان شاء الله .
ابتسمت حنين : الله ، اول مره اسمعها من ساعه ما جيت .
هزّ يوسف رأسه مستفهما : هي إيه؟!
قالت مبتسمة، وعينها تغالب النوم : كلمة ( إن شاء الله) .
ابتسم هو بدوره وقال : أنتي بتنامي علي فكرة.
قالت وهي تضم نفسها بشالها : ممكن لو تمت ، قبل ما نوصل تنبهني؟
قال بترحاب : طبعا .. متقلقيش .
هزت رأسها مطمئنة وأغمضت عينيها ، ليس بقرار منها، بل بأمر من جسدها المنهك.
مدَّ يده الي نظارته ليرتديها ، وحاول ان يكمل قراءة في كتابه الذي وضعه جانبًا حين سمع صوتها .. ما هي الا سطور قليله حاول التركيز فيها ، ولكن عينه كانت تخونه كثيرًا لتسترق النظر اليها.
"ما بك ؟" قال عقله .. منذ كتب وتشتت انتباهك وتركيزك فتاة !
لا ادري ولكن براءتها وعفويتها ، لفتت انتباهي ، ثم انها ما زالت غريبة عن المكان وبالتأكيد تحتاج مساعدة ، أضف الي ذلك هي بنت بلادي.
ردَّ عقله : قالت لك ان هناك من سيرعاها ، فلِم الانشغال ؟! لنكمل ما كنا نقرأ.
أخذت عينه تدور بينها وبين كتابه وساعته ، ليعلم كم تبقّي من الوقت علي الوصول .. جميلة جدًا ، ورقيقة ووديعة كقطة استكانت وسط شالها .
ضمٍّ شفتيه ورفع حاجبيه هامسا لنفسه : "( حنين )" ، فتح الصفحة الأولي من الكتاب ألذي بين يديه واخرج قلمه ، وكتب ( حنين ) ، نظر لها مره اخري في انكماشها علي نفسها ويدها التي تسند عليها خدها تشبه الجنين ، حقَّا رحم الحياه لا ينضب أبداً ، دائما ما يأتي بالجديد ، والجميل أيضا .
قبل ان يصل القطار بحوالي ربع الساعة ، جلس في المقعد المجاور لها ، وأخذ ينطق اسمها بهدوء : حنين ، حنين .
فتحت عينيها وهي تبتسم ، ثم نظرت اليه وعيناها شبه مغلقتين وقالت: وصلنا؟ هو ينفع يكمل بينا علي مصر؟!
ضحك قائلاً : ياريت ، ثم اردف قائلا : كلمي صاحبتك شوفي وصلوا ولا لسه؟
قالت : وهي تقوم لتذهب نحو مقعدها الأول ، لما نوصل خالص احسن ، مش عايزه أعملهم قلق.
صمت وهو يراقبها وهي تلملم أغراضها في حقيبة يدها ، اجندة وأقلام ملونة، سكتش صغير للرسم ... تري ماذا تعمل ؟!
وصل القطار ، استوقفها قبل ان تنزل حقيبة سفرها الكبيرة نوعًًا ما وهو يرتدي حقيبته علي كتفه ، قائلًا : سيبيها انا هنزلهالك ، رفضت بشدة ، وقالت : مش تقيلة ماتخافش .
قال: انا مش معايا شنط متقلقيش ._ وأشار لها بيده ناحية النزول _ الحمد لله علي السلامة ، اتفضلي ، انا وراكي علي طول .
ما ان وطأت قدمها رصيف محطة القطار ، لامس الهواء البارد وجهها الدافئ ودفع بشعرها الي الوراء ، تحول خدها وأنفها للون الأحمر ، وضعت يدها مسرعه علي فمها وأطلقت سعلة خفيفه .

لأنها استثناء،حيث تعيش القصص. اكتشف الآن