4

193 11 0
                                    

-من أين جئت؟ ."
"-من بولونيا ."
"-متى ؟ ."
"-في سنة ١٩٤٨ ".
"-متى بالضبط؟ ."
"-أول آذار ، ١٩٤٨".

وخيم صمت ثقيل ، وأخذوا جميعا ينظرون إلى حيث لم يكن من المهم لهم  أن ينظروا ، وقطع سعيد الصمت قائلا بهدوء : "-طبعا نحن لم نجيء لنقول لك أخرجي من هنا ، ذلك يحتاج إلى  حرب ".... 

وشدت " صفية " على يده ، كي لا يمضي في الحديث فانتبه ، وعاد يحاول  الكلام مقتربا من الموضوع : "-أقصد أن وجودك هنا ، في هذا البيت ، بيتنا نحن ، بيتنا أنا وصفية ، هو موضوع آخر، جئنا فقط ننظر إلى الأشياء، هذه الأشياء لنا ، ربما كان بوسعك أن تفهمي ذلك ." 

فقالت بسرعة : "-أفهم ، ولكن ".... 

وفجأة فقد أعصابه : "-نعم ، ولكن ! .. هذه ال " لكن " الرهيبة ، المميتة ، الدامية "....  وسكت تحت وطأة نظرات زوجته، وشعر بأنه لن ينجح أبدا في الوصول إلى مقصده.

ثمة ارتطام قدري لا يصدق ، وغير قابل للتجاهل ، وهذا الذي  يجري هو مجرد حوار مستحيل . 

وللحظة رغب في أن يقوم ويمضي ، فلم يعد يهمه أيما شيء .

ليكن خلدون ميتا ، أو حيا، لا فرق ، فحين تصل الأمور إلى هنا فليس ثمة ما يمكن أن  يقال .

وانتابه غضب مهيض ومر ، وأحس أنه على وشك ان يتفجر من الداخل . 

وليس يدري كيف سقط نظره على تلك الريشات الخمس من ذيل الطاووس  التي كانت مزروعة في الإناء الخشبي وسط الغرفة ، ورآ ها تتحرك بألوانهاالفذة الرائعة ، التي لا تصدق مع هبوب نسمة من الهواء دخلت من النافذة  المفتوحة .

وفجأة سئل بفظاظة وهو يشير إلى المزهرية :  " -كان هنا سبع ريشات ، ماذا حدث للريشتين المفقودتين؟ ." 

ونظرت العجوز إلى حيث أشار ، وعادت فنظرت إليه متسائلة ، وكان ما  يزال يمد ذراعه باتجاه المزهرية ويحدق فيها مطالبا بالجواب ، وكان الكون كله يقف على رأس لسانها . 

نهضت من مكانها واقتربت نحو المزهرية  وأمسكتها كما لو أنها تفعل ذلك لأول مرة ، ثم قالت ببطء : "-لست أدري أين ذهبت الريشتان اللتان تتحدث عنهما ، ذلك شيء لا  أستطيع أن أتذكره ، ربما كان (دوف) قد لعب بهما وضيعهما بعد ذلك حين  كان صغيرا."

"-دوف؟؟ ."

قالاها معا ، سعيد وصفية ، ووقفا وكأن الأرض قذفتهما إلى فوق ، وأخذا  متوترين ، ينظران نحوها ، فمضت تقول : "-أجل دوف ، ولست أدري ماذا كان اسمه ، وإن كان يهمك الأمر، فهو يشبهك كثيرا "....

الآن ، بعد ساعتين من حديث متقطع ، يمكن إعادة ترتيب الأمور من جديد : إذا ماذا حدث في تلك الأيام القليلة التي امتدت بين ليل الأربعاء ، 21 نيسان ١٩٤٨ حين غادر (سعيد س) حيفا على متن زورق بريطاني دفع إليه دفعاً  مع زوجته ، وقذفه بعد ساعة على شاطئ عكا الفضي ، وبين يوم الخميس  ٢٩ نيسان ١٩٤٨ ، حين فتح رجل من الهاغاناه ، معه رجل عجوز له  وجه يشبه الدجاجة ، باب منزل (سعيد س) في الحليصة ، ووسع الطريق أمام ( إفرات كوشن ) وزوجته ، القادمين من بولونيا ، ليدخلا إلى ما صار منذ ذلك اليوم منزلهما المستأجر من دائرة أملاك الغائبين في حيفا . 

عائد الى حيفاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن