وانفتح الباب بشيء من البطء ، ولاول وهلة لم يصدق ، فقد كان الضوء عند الباب باهتاً ، ولكن الرجل الطويل القامة خطا الى الامام كان يلبس بزة عسكرية ، ويحمل قبعته بيده .وقفز سعيد واقفاً كأن تياراً كهربائياً قذفه عن المقعد ، ونظر نحو ميريام وهو يقول بصوت متوتر : " -هذه هي المفاجأة ؟ اهذه هي المفاجأة التي اردت منا انتظارها ؟ ."
واستدارت صفية نحو النافذة ، تخفي وجهها براحتيها وتنشج بصوت مسموع .
اما الرجل الطويل القامة فقد ظل مسمراً امام الباب ، ينقل بصره نحو الثلاثة محتاراً ، وعندها فقط قامت (ميريام) ، وقالت للشاب بهدوء مفتعل وبطيء : " -اريد ان اقدم لك والديك ... والديك الاصليين . "
وخطا الشاب الطويل القامة خطوة بطيئة الى الامام ، وتغير لونه فجأة وبدا انه فقد ثقته بنفسه دفعة واحدة . ثم نظر الى بزته وعاد ينظر الى سعيد ، الذي كان واقفاً ما يزال امامه يحدق اليه .
وأخيراً قال الشاب بصوت خفيض : " -أنا لا أعرف أماً غيرك ، أما أبي فقـد قتل في سـيناء قبل 11 سنه ،
ولا اعرف غيركما ."وعاد سعيد الى الوراء خطوتين ، ثم جلس مكانه وأخذ راحة صفيه بين يديه ، وادهشه – بينه وبين نفسه – كيف استطاع ان يسترد هدوءه بهذه السرعة .
ولو قال له اي انسان قبل خمس دقائق فقط انه سيكون جالساً هناك بمثل هذا الهدوء لما صدقه ، أما الان فقد تغير كل شيء . ومضت لحظات بطيئة ، كان كل شيء فيها ساكناً تماماً .
ثم اخذ الشاب الطويل القامة يخطو ببطء : ثلاث خطوات نحو الباب ثم عودة نحو وسط الغرفة .
وضع قبعته على الطاولة ، وبدت قرب المزهرية الخشبية وريش الطاووس فيها شيئاً غير مناسب ، والى حد ما مضحكاً .
وفجأة انتاب سعيدشعور غريب بأنه ما زال يشاهد مسرحية معدة سلفاً بدقة ، وتذكر مشاهد درامية مفتعلة في افلام رخيصة تستدر توتراً تافهاً .
وتقدم الشاب من ميريام ، وأخذ يقول لها بصوت اراد منه أن يكون قاطعاً ونهائياً ومسموعاً تماما : " -وماذا جاءا يفعلان ؟ لا تقولي انهما يريدان استرجاعي ."!
وقالت ميريام بصوت مماثل : " -اسألهما ."واستدار كقطعة خشب ، كأنه ينفذ امراً ، وسأل سعيد : "-ماذا تريد يا سيدي ؟ ." وظل سعيد محتفظاً بهدوئه الذي بدا له لحظتذاك مجرد قشرة رقيقة تخفي لهباً كامناً ، وبصوت خفيض قال : " -لاشيء . لا شيء .. انه مجرد فضول ، كما تعلم ."
وخيم صمت مفاجيء ، فيما ارتفع صوت صفيه بالنشيج وكأنه صادر من مقاعد متفرج هش التأثر .
ونقل الشاب بصره مرة اخرى : من سعيد الى ميريام ثم الى قبعته المتكئة على المزهرية ، وارتد الى الوراء كأن شيئاًدفعه بقوة نحو المقعد المجاور لميريام ،وجلس فيه وهو يقول : " - . لا ذلك شيء مستحيل ، لا يصدق ."..
