عاد محمد من عيادته في تمام العاشرة مساءا –كما هو معتاد. لم يكن يحب أن يتأخر في عادته، يبدأ العيادة من الساعة الرابعة عصرا ويظل هناك حتى التاسعة مساءا ويعود في تمام العاشرة مساءً. يبلغ محمد من العمر ثمانية وثلاثين عاما، تخرج من كلية الطب وتخصص في الطب النفسي.
محمد أرمل، تزوج عن حب مباشرة بعد تخرجه من زميلته في الكلية، بعد قصة حب طويلة دامت طيلة أعوام الدراسة. تزوجها وظل الحب يجمعهما حتى توفت بعد أول عام زواج وهي تلد أول طفل لهما، وتوفى الطفل هو الآخر بعد ولادته مباشرة-كأنه لم يرد أن يعيش بلا أم ويحرم محمد منه ومن أمه. بعد وفاة زوجته لم يفكر محمد في الزواج مرة أخرى، ربما لأنه لم يجد من تنسيه أحزانه وآلامه على فقد حبيبة قلبه وولده.
اعتاد محمد منذ زواجه أن يذهب صباحا هو وزوجته لتناول طعام الإفطار والغداء في النادي، ثم يذهب لعيادته الخاصة من الساعة الرابعة وحتى التاسعة ثم يكون في منزله في تمام العاشرة. حتى بعد وفاة زوجته، لم يتخلى عن الروتين اليومي لحياته، يتناول طعام الإفطار والغداء في النادي، ثم يذهب للعيادة ويعود في تمام العاشرة لمنزله.
منذ وفاة زوجته منذ ما يقارب ثلاثة عشر عاما وهو لم يغير حياته، عندما كان يذهب للنادي كان يحب أن يذهب للمكتبة ليقرأ هناك أو يستعير بعض الكتب. وفي أحيان أخرى كان يجلس يراقب أعضاء النادي وتصرفاتهم، الروتين الوحيد الذي تغير أنه أصبح يقضي يوم أجازته في النادي، ويجلس ليلا على مواقع التواصل المختلفة ليتابع المجموعات والمنتديات ويراقب تصرفات الأفراد على شبكات التواصل، وكيف تتغير عنها في الواقع.
وفي الآونة الأخيرة، انشغل كثيرا بمتابعة المجموعات المختلفة على الفيسبوك والمشاكل التي تنشر عليه. كان يحب متابعة المشاكل والمشاركة في حلها دون أن يعرف أحد أنه طبيب نفسي؛ حتى يتقبل الجميع مشورته دون خجل، كان يشعر بالسعادة الغامرة في كل مرة كان يساعد أحدهم على تخطي مشاكله.
كم حاولت والدته رحمها الله اقناعه بالزواج من أخرى، ولكنها فشلت. وكان رد محمد عليها دائما أن زوجته لم تمت قط، وأنها تحيا في قلبه ولم تستطع أي أنثى –حتى الآن –أن تشغل مكانها.
كان وفيا حقا لزوجته، لم ينسها يوما. لا يفعل ذلك الكثير من الرجال؛ فبعد مضي الوقت يخبو الحب وتخبو الذكرى وتصير في طي النسيان، وسرعان ما يبحثوا عن زوجة أخرى. أما محمد لم يكن كذلك، ظل وفيا لزوجته وحبيبة قلبه.
قبل مرور الثلاثة أشهر، أرسل عم زهرة لها رسالة يعتذر عن عدم قدرته على القدوم إلى مصر ولكن طلب منها أن ترسل له نسخة من أوراقها لاستقدامها وعمل عقد عمل لها هناك كي تعيش بجانبه وجانب زوجته.
لم ينجب عم زهرة، تزوج عن حب ولم ينجب. وعندما أصبح الجميع يضايق زوجته بسؤالها عن عدم انجابها، ومحاولة والدته مضايقتها واختيار زوجة له كل فترة؛ بحث عن عقد عمل في أي دولة خارج مصر ليذهب مع زوجته بعيدا عن الجميع.

أنت تقرأ
المتمردة
Romansعندما ننسى أنفسنا ونكرس حياتنا لآخرين، هنا نضيع بلا رجعة لأننا عندما نفيق نجد أننا فقدنا هويتنا وضاعت منا أحلامنا. في هذا الوقت نندم على فاتنا في رحاب الآخرين؛ خاصة إذا لم يشعروا بنا وبما نقوم به من أجلهم. فتبًا لهم وتبا لنا. سحقا لكل من أساء لقلب أ...