ماهية العقد و تقسيماته.
مقـدمـة:
التصرف بالمعنى الفقهي هو كل ما يصدر عن شخص بإرادته، ويرتب الشرع عليه نتائج حقوقية. وهو نوعان: فعلي وقولي: فالتصرف الفعلي هو ما كان قوامه عملاً غير لساني، كاستلام المبيع، و قبض الدين، وما شابه ذلك. و التصرف القولي نوعان: عقدي، وغير عقدي. وإن العبرة في تمييز التصرف القولي عن الفعلي إنما هي لطبيعة التصرف وصورته لا لمبناه الذي بني عليه. فلذا كان دفع الثمن وتسلم المبيع تصرفاً فعلياً ولو أنه مبني على عقد البيع.
و لا تخلو الحياة اليومية لكل فردمن الأفراد من التصرفات التي تكتسي صبغة خاصة فيتصف جانب من هذه المعاملات بأنها مصادر إرادية منشئة للالتزام و أخرى توصف بأنها مصادر غير إرادية وقد قسم الفقهاء المصادر الإرادية إلى الإرادة المنفردة و العقد. و هذا الأخير هو الذي تتمحور عليه دراستنا هذه، فما المقصود بالعقد؟ ما هي مجالاته؟ و ما هو الأساس الذي يقوم عليه؟
و لمعالجة هذه التساؤلات سنحاول في القسم الأول تبيان ماهية العقد من خلال إعطاء مفهوم له و لمجاله و الركائز التي يقوم عليها، أما في القسم الثاني و لكوْن أن هناك الكثير من أنواع العقود كعقود البيع والهبة و المقايضة و تأسيس الشركات وعقود الوكالات التجارية وعقود المقاولات و عقود الأشغال العامة وعقود الإدارة والتشغيل والصيانة و عقود تقديم الخدمات الاستشارية وعقود العمل وعقود التأمين وعقود الإيجار واتفاقيات القروض وعقود الرهن العقاري وعقود التجارة الدولية و الاعتماد المستندي وعقود استئجار السفن أو الطائرات والكثير من أنواع العقود الأخرى التي لم نجد لها تسمية، فإننا سنحاول ربطها ببعضها البعض بالنظر للقواسم المشتركة التي تجمعها و الخصائص المتماثلة التي تحتويها، وإعطاء التقسيمات التي اتفق بشأنها أغلب الفقه، و من البديهي جدا أن عدم المقدرة على إحصاء كل أنواع العقود يجرنا حتما إلى عدم القدرة على حصر تقسيماتها.
المبحث الأول: ماهية العقد.
لقد وضع الفقهاء و الشراح موسوعات عديدة تناولت تفسير و شرح هذا النظام المحكم الذي يعرف باسم "العقد" لما له من أهمية في خلق معادلة متوازنة بين أطرافه على اعتباره الضابط الرئيس لأسس المعاملات التي تجري في مختلف الميادين، و سنحاول قدر الإمكان تسليط الضوء عليه من خلال إعطاء مفهوم له و كذا أسسه و أركانه.
المطلب الأول: مفهوم العقد.
من الناحية النظرية، وقبل إعطاء مفهوم للعقد لابد من معرفة معنى الالتزام، فيعرف بأنه "سلطة لشخص على آخر محلها عمل أو الامتناع عن عمل ذي قيمة مالية أو أدبية، بمقتضاها يلتزم شخص نحو شخص آخر موجود أو سيوجد[1]"، و تتبلور هذه السلطة في شكل عقد يبرمه الدائن و المدين فيصبح الطرفان متعاقدان و العقد شريعتهما.