فتاة الكمان
عِندَما تَطربُ مَسامِعكَ , عِندَما تَشتعلُ عَواطِفكَ , اذا ما دَمعتْ عَينيكَ , وَرغَبتْ بِسماعِ صَوتٌ يِناديكَ , وطربتْ بِالرُقي اوتارُ قَلبكَ , اعلم انكَ وجدتَ مُرادكَ , على اوتارٌ لا يَعرفُها سِواكَ .
في قَريةٍ اهلكَتها الصِراعات , قَريةٌ على ضِفافِ الفُرات , اناسٌ لا يُحبذون النِزاعات , كانت مَوطنٌ لأنغامِ جَنات , فَتاة افقدَتها الحُروب طَعم الحَياة , بَدأت الجدة تَروي المَأساة , فَيسمعُ الاطفالُ اروعَ العِبَرات :
_اسمَعوا مِني قِصةَ فتاةُ الكَمان , فَتاةٌ اتَخذت من البَراءةِ عِنوان , و عَلى ضَوءِ القَمرِ تَبدأ الالحَان , في ليلةٍ للبَردِ اطَلِقَ العِنان , والهُدوءِ قَاتلٌ فَهل مِنْ أمَان؟
بَعد هِدوءٍ تَمنتْ القَريةُ لَو دام , بَدأت اصواتُ الرَصاصِ و الألغَام , و القَمرُ اختَفى خَلف الغَمام , لا نورَ ولا مَحط لِسيرِ الاقدام , صَوتُ صَرخاتِ الاطفال وجَري النِعام , للبَحثِ عَن مَخبئ تَحت الارضِ و خَلف الحُطام , فتاةٌ تَجري لِبر الامان , لا تَحملُ بَين طَياتها سِوى الكَمان , ذِكرى مَنْ رَحلوا فَلن تَتركهُ للنِيران , في نَفقٍ تَحت الارضِ اتَخذوا للمَبيت , للحِرب تَدعوا لِنهايتِها الهَمسات .صَوتُ بُكاءِ الاطفالُ و العَويل , و ارتِجاف لأجسامِ خَوفَ الرَحيل , وانفِجاراتٌ و رَصاصاتٌ لا تَميل , فَطلبَت امرأةٌ مُسِنة مِنْ جَناتٍ عَزفَ القَليل , لَم تَستَطع جَناتٌ الرَفضَ فأسَرت العُقول , و لِعَزفِها الانفُس ارتاحت تَستمعُ بِخُمول , و الخَوفُ عَن الاطفالِ و النِساءِ بَدأ يَزول , وعَزفُها العَذبُ انَزلَ السُبات عَلى العُقول , حَتى حَلّ الهُدوء و ضَوءُ الفَجر بَدأ يَجول .
زالَ غِشاءُ السَكينةِ عَنْ الجُفون , فَخرجوا مِنْ مَخبئٍ بِالعَودةِ لَهُ لا يَرجون , فَسَقطتْ الاجسامُ عَلى الرُكَب لِتَدمعْ العُيون , لِحُطامٍ ودَمارٍ لِمساكِن وتَعبْ السِنين , لِجُثثٍ شَتى لَم تَرحم كِبارٍ او صِغارٍ وَلا مُسنينْ , هُناكَ مَنْ اهلَكهُ الشَوقُ لِمَن يُقاتلُ بِخطُوط الجَيشِ الرَصين , ومِنهُم مَن بَكى عَلى عَزيزٍ غَزى لَه القَلبُ بِالحَنين , ومِنهُم مَنْ اهَلكتهُ الاوجَاع فَما عَادتْ الدُموع تَزورُ الجُفنين .
مَا لَهم غَيرُ اعادةَ التَرميم , ولِنهايةِ الحُروبِ القُلوبُ تَدعوا مِنْ الصَميم , وجَناتٌ ما لَها غَيرُ الحُطام , تَسيرُ في مَنزِلِها الذي امْسى رُكام , جَلستْ في حَديقتهِ تُناظرهُ بِحزنٍ مَكتوم , هَل تَلومُ الحَياة التي تَحرِمُها الحُلم , ام الحُرب التي لا تَصيبُ سِوى المَظلوم , لا تَعرفُ ما عَليها ان تَفعل فَهل تُلام؟
هَل تَبكي ؟مَا النَفعُ مِنْ البُكاء , هَل تَصرُخ ؟لا تَستَطيع فَهي بَكماء , هَل تُرَمِمُه ؟لا مُعينَ لَها يَتيمةُ الاباء , وحَيدةٌ دَوماً كُتِبَ عَليها الشَقاء , لكِنها لَيست عَديمةُ الحِيلةِ ولا عَرجاء , قَد تَكونُ بَكماء لكن الحَياة عَلمتها عَدمَ الاتِكاء , شَدتْ الهِممَ و رَمَمْت مَا استطاعتْ بَعدَ عَناء ,حَل الغُروب وتَأملَتهُ وبِيدِها قَدحُ المَاء , ابتَسمتْ وهي تَتأملُ القَمرَ وسَط ظلامِ المَساء .
مَسكت بِرَفيقِ دَربِها الوَحيد , وانامِلُها تُداعبُ اوتَارهِ بِحرصٍ شَديد , وعَزفُت كَما لَو لَن تَعزِف مِن جَديد , سيمفونية اطَلقت مَعنى الحِداد , ودَمعُها يَهطِلُ كَأمطارِ بَغداد , و الحَانُها فَرَدت جَناحان مِن اعماقِ الفُؤاد .
تَحت ضَوءِ القَمر انتَهت قِصةُ عَذاب , وسيمفونيةٌ خُلِدَت بِأعماقِ الشَوقِ و الغِياب , و روح فَتاةٍ اطلِق لَها العِنان لِتَجول وسَط السَحاب , مودِعتاً ارضاَ كَانتْ مَوطِنِها المَنهوب , و عِشقِها لَهُ خَلدهُ كَمانِها مُصوِراً حَقها المَسلوب .
لتقول الجَدةُ خاتمتاً الحِكاية، هذهِ قصةُ جَنات فتاة الكَمان الشابة ، فَتعَلموا مِنها ان للحَديثِ لُغاتٌ عِدة ، كَونُ جَنات خَرساءٌ لم تَراها مٌشكِلة، فَقد استَعملت الكَمان للحَديثِ وسيلة، لِتُخلد الحَانِها ذِكراها الطَاهِرة.
💙💙💙💙💙
الى هنا وتنتهي قصة اليوم 😎
اشلونكم حبايبي اذا عجبتكم اتمنى اتصوتون عليها و تقولون رأيكم بها شكراً على القراءة 💙
أنت تقرأ
في منتَصفِ الليل
Short Storyمجموعة من القصص القصيرة بأسلوب السجع من تأليفي تتناول قصص تروى على لسان الأجداد لأولاد القرية لتعليهم امور الحياة عن طريق القصص ستعرفونهم من خلال القراءة استمتعوا 💙