صَقرٌ عَشِقَ وَطنٌ

68 1 0
                                    

صَقرُ الصَحَاري جَالَ في الارجَاءِ , فَحطَ الرِحَالَ عِندَ الرَافِديَن نِيةُ الاستِرخَاءِ , فَسَمِعَ انَ البَلدَ هَو أَرضُ الطَيبِينَ وَ الأوفِياءِ , وَ هُم لِلزائِرينَ مَضرَبُ الكًرَماءِ , وَ لِعِلمِهم يِسعى كُل كَبِيرٍ وصَغيرٍ دُونَ استِثناءِ , بِلادُ العِلمِ وَ العُلَماءِ و مَوطِنُ الطِيبةِ و السَخاءِ.

بَدئَت الجَدةُ رَنيم تَروي الحِكَاية , لِكَلِماتِها جَميعُ الحَواسِ صَاغِيةٌ بِعِناية , و العُيونُ تَلمعُ لِقصةِ الصَقرِ تَرجوا الفَائِدة , لِتَقولُ الجَدةُ رَنيم بِابتِسامةٍ غَامِضة :
صَقرٌ حَادُ الذَكاءِ وَ البَصِيرة زَارَ الرَافِدَين الحَبِيبة , حَيثُ الحَربُ تَشدُ اوزَارِها بِالحارَاتِ الفَقيرة , كَان الصَقرُ يُحَلِقُ في ظُلمَةِ الَليلِ يِشهَدُ عَلى الجَرِيمة , أرضُ الخَيراتِ تَنتَهِكُها ايادي المُحتَلينَ العَابِرة , كَان يَجولُ السَماء و يَرى القَنابِلَ تُحطِمُ كُل كَبيرةٍ وَ صَغيرة , فَرأى طِفلَين يَبكِيان فَهَبطَ يُراقِبهُما مِن فَوقِ حُطامِ السَقِيفة , الاكبرُ يَحضنُ الاصغَير يَمنَعهُ مِنَ المُشاهَدةِ المَريرة , وَالدَيهِ غَارِقَين بِدِماءِ الوَداعِ يُراقِبهُما بِدمُوعٍ حَبيسَة , حتى غَفى اخَاهُ بَعدَ النَحيبِ الطَويل لِيُطلقَ العِنان لِدموعِهِ الحَارِقة.

بَقى الصَقرُ يُراقِبهُما ويَسمَعُ كَلام الطِفل البَاكي , فَمَسحَ الطِفلُ دُموعَهُ مُخاطِباً وَالدَيهِ بِوعُودٍ واصْرارٍ سَامي:
لا تَقلقا و اطمَأنا فَأنا سَأرعَى اخي كَما اخبَرتُماني , سَأجعلُ مِنهُ رَجُلاً تَفخَرانِ بِهِ حَتى وان لَم تَكُونا مَعي , فَقط ارتَاحا حَيثُ انتُما ولا تَحزنا فَهذا يُؤذيني , سَأكون كَما تَمَنيتُما ان اكَونَ دَوماً  فَاعتَمِدا عَليّ.

لِيَحمِل الطِفلُ اخاهُ لِيَختبئا مِن عِيونِ الظالِمين , وَيحتَمي بِأخيهِ بَاحِثاً عن الأَمانِ و أعيُنهٌ لِلنَومِ لا تَستَكين , طِفلٌ حَملَ مَسؤولية حِماية اخيهِ بِرمشةِ عَين , بَينَما كَان يَجبُ ان يَناما في كَنفِ الوالدَين , بكى الصَقرُ  لِخوفِ الطِفل على اخيهِ مِن الفِراقِ وهم السِنين , بُغتةً غَفى الطِفلُ بَعدَ صِراعِ العَينينِ والخَوفُ لا يَلين.

رأى الصَقرُ غِطاءً فَهبَ اليهِ يُغَطي بهِ الطِفلينِ عَن الانظار , تَأكدَ انَهُما لَم يَفيقا لِيحلِق في الافقِ و الغَضبُ بِعَينَيهِ كَالشَرارِ , تَرصدَ الطائِراتِ في مُعَسكَرِهم تُجَددُ تَشحين القَنابلِ بِإصرار , فَهبَ سَريعاً الى مُعَسكرِ الغِربان لِطلبِ المُساعدةِ  وايقَافِ الدَمار , فَأبت الغِربانُ طَلب الصَقرِ دونَ مُقابلٍ وتَركِ الصِغار , فَقالَ الصَقرُ بِعزمٍ راسخٍ وهدوءِ قَائدٍ مِغوار:
_اعينوني عَلى مَا اسعى لِفعلهِ وخِذوا بِكَلامي , مَا سَتَفعلونهِ سَيعودُ عَليكُم بِما لَم تَحلموا بِامتلاكهِ ثِقوا بي , اكياسٌ مِن الحُبوبِ تُغَذيكُم لِسنواتِ القادمة ان سَاعدتُموني , واذا لَم تُصَدِقوا فَأنا امامِكُم وقتِلوني , لَكن الوَقتُ لَيسَ لِصالِحنا الان فَعجِلوا بإعانَتي.

وَافَقَت الغِربانُ لإصرارِ الصَقرِ الشَديد , فَتَبِعتهُ وحَلقَت مَعهُ حَيثُ يُريد , فَأخبَرهُم ان يَحمِلوا الحَصى الى مَصنَعِ الحَديد , حَيثُ مُعَسكرِ المُحتَلين تَحتَ انظارِهم مِن بَعيد , ويُغلِقوا بِها مُحَرك الطائراتِ ولا يُشعِروا بوِجودِهم احدٌ , فَقامت الغِربانُ بتنَفيذِ مَا امرَ بهِ دِونَ تَردُد , و الصَقرُ يُراقبُ و يُوجهُ الغِربانِ بِحكمةِ قائد , لَم يَشعر الجُنود بِخطبٍ فَالليلُ حَالكٌ و لِصالِحهم لَونُ الغِربانِ الاسود.

اكمَلت الغِربان عَملها و بَقيت تُراقِب , والصَقرُ مِن فَوقِهم لِنجاحِ خُطتهِ مُتَرقِب , لِيعود الجِنود لِلطائراتِ مُحملةً بِالقنابلِ والغِربانُ  تَنتَحب , حَلقت الطَائراتُ لِتَنفجِر في السَماءِ مُعلِنةً نِهايةَ الحَرب , لِيُغادِر الصَقرُ فَتَمنِعهُ الغِربان فَقالَ لَهم مَا انا بِهاربٍ , لِيحَلق الصَقرُ عَائِدا للطفَلين يُناظِرهُما بِتَرقُب , لِيفيقا بَعد انتِظارٍ لَم يَطل لِيهبِط الصَقرُ لِلطفلينِ و يَقتَرب , لِيمسِك بِمنقارهِ ثِيابَ الطِفل و يَسحبهُ مَعهُ حَيثُ يَرغب.

تَبِعهُ الطِفلان حَتى اوصَلهُما لِباب احدِ المَياتِم , لِيدفع باب المَيتم الحَديدي بِرأسهِ قَليلاً ويَنظُر لِلطفلِ لَعلهُ يَفهم , فَعلمَ الطفلُ غَاية الصَقر فَحملَ اخيهِ ودَخل بِألم , لِتَستقبلهُ صَاحبهُ المَيتمِ وكَانت مِثالاً لِلكرمِ , اوَتهُما بِرحَابة صَدرٍ لِيرتاحُ قَلب الصَقر ولِلمُغادَرةِ عَزم .

عَادَ الصَقرُ لِلغِربانِ و امَرهُم بِالانتِظار حتى الفَجر , لِتُوافِق الغِربانُ و يَعلمُ اهلِ الرَافِدين بِالأمر , بِكاميراتِ المُراقبةِ في الطُرق شَاهدوا عَملَ الغِربان و الصَقر , لِيَضع السُكان اكياسَ الحُبوب في سَطحِ كُل مَنزلٍ مَهجور ,
كَامتِنانٍ عَلى عَملِهم وعَربونِ شُكر .
لِتَقول الجَدةُ رَنيم خَاتمةً الحَديث :
_هَذهِ قِصةُ الصَقرِ يَا اولادي , حَيثُ اصَبحَ مِثالاً لِلفداءِ و التَفاني , وَمضربَ المَثلِ لِلتحابِ بَين الغُرباءِ بِمُختلف الألوانِ و الجَناسي  , فَأعلَموا ان لَيسَ كُل مَا لا نُحبذُ رُأيتهُ يُؤذينا يا صَغاري , فَالصَقرُ احبَ الرَافِدينِ و خَاطرَ بِنفسهِ دونَ ان يُبالي , واستَعانَ بِالغِربان لِعلمهِ فَائِدتُها فَلُونِها الاسودُ كَانَ لِصالحهِ .

     💙💙💙💙                     

النهاية 😎

اشلونكم حبايبي خلصت القصة 578 كلمة اتمنى حبيتوها و استمتعتوا بقراءتها اذا حبيتوها ونالت استحسانكم ارجو ان تصوتون عليها وشكرا لحسن القراءة 💙.

في منتَصفِ الليلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن