الإلياذة: وعد آريس (٣)

102 6 7
                                    



كان هنالك شعور يختبئ بين ثنايا قلب هيكتور المحمل بالمكارب حين معرفته أن يوم غد هو يوم التحارب, حيث سيخطو على ساحة النزال المغلوب والغالب. وبين حيرته تلك بأمر الحرب الصغيرة, تذكر هيكتور حلماً أتاه ليلة أمس المريرة...  دمٌ ولهاث, أجساد مبعثرة هنا وهناك. ظلام. ظلامٌ دامس من كل جانب, وعند الظلام سيغدو السلم واضحاً كقطاف الغيوم.

دمٌ ولهاث... 

إنه حلم, هذا الذي نصّره في قلبه, دون أن بقول كلمة. ليحدث شيء عجيب فجأة, عليه ان يحدث.

تتراقص مشاعره محلقة بالقوة والحماس حتى الغبطة كادت أن تخنقه,  وينمو تحت جلده أغلال تصيبه بالهون والنكاس وطلب من الآلهة أن تسعفه! حط كف يد خفيّ على قلبه, وكأنه أنتزعه! شعر هيكتور بألم يجوب في خاطره وجعد حاجبيه غيضاً من كثرة دلعه!

أغمض هيكتور عينيه مطولاً, وتخيل نفسه بمكان يضرب به المثل من شدة الحسن.

طروادة.

-بلادي, عنقود سعادتي ومعنى حياتي, ماذا حل بي, هل من إلهٍ هادي؟ كاساندرا, معقل أحزاني وبئر كلماتي, حلمكِ الساذج أوقعني بدربٍ قاسي... أرجو من حكمة أپوللو أن تدلّني على الصواب وتحفل بي للنصر لأجل ساربيدون أبن رب الأرباب.


_________________



ضرب هيكتور بسيفه طولاً وأعترض سيف أخيل الهجمة عرضاً وأصبح الإثنان يدفعان بأجسادهما نحو الآخر حتى زحلق هيكتور غمده وأخفض جسده حمايةً من ضربة آخيل العنيد والتي كانت أقرب لرأس هيكتور من حبل الوريد.

أنتهى النهار وحل وقت المغرب الذهبي ولا يزال الرجلان المتعرقان في خوض صراعٍ لا تبدوا على غشاشته أنه سينتهي. ما سر هذه المهزلة؟ تسائل بعض الجماهير, وما الذي أوصلهما لهذا الدرب الخطير؟


-من أنت يا أبن طروادة! من أنت!

صرخ آخيل بنفاذ صبر بينما أخذت سيوفهم تتراقص في الهواء بتراتيل متناغمة حتى كاد الملئ المجتمعون حولهم القسم بأنه لن يخرج أنسياً من هذه المعركة فائزاً. فلا الأرض تحتهما سوف تتآكل ولا ضربات الريح سوف تتمايل ولا الآلهة سوف تتدخل وكلاً منهما لن يماطل وعده بقتل الآخر.

لم يكن أنسياً يعلم ما يجري في قلب آخيل النابض بالعسر المدقع, أمواج نبتون لم ترعبه بقدر غموض خواطره نحو الرجل المغوار وألفة تشده لمحاكاته ليل نهار, تحت أقدام شجرة الزان خافضة الرأس وعلى قمم جبال البحار. يتمددان في تكاسل وقت الظهيرة، متأملان الغدير الذي يثرثر بجانبهما. يبسمان آناً بسمة يبدو فيها الاحتقار، وآناً يهيم على وجههما متمتماً بتصوراتهما المغرقة في الخيال، ومرة حزينان مكتئبان شاحبان، أو كمن أخبلتهما الهموم، أو أقنطهما حب يائس.

Hidden Letters - رسائل مخفيةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن