في ظلمة الليل ، و تحت ضوء القمر، التقيتُ بها عند عتبة المشفى ...
كانت شاحبة كبياض الثلج، و نحيلة كعود الخيزران ، من شدة هشاشتها، خفت أن أكسر عودها لحظة امساكي بها ...
تلك المرأة الشبيهة بمصاصي الدماء ، سقطتْ بين ذراعي عند باب المشفى ، و كأنها كانت تنتظرني أنا، المنقذ المغوار ...
لأقوم بعد ذلك بما يقوم به أي نبيل ، فأسير في الممرات ، و هي بين ذراعاي كأميرة من قصص الخيال ، فهل أمثل الأمير المنقذ لبياض الثلج المسمومة ؟
دخلتُ بها إلى الطبيبة ، أصف حالتها فأنا ممرضٌ في النهاية ، و بعد أن فحصنا حالتها ، توصلنا إلى أنها تعاني من داء ترسب الأصبغة الدموية، الذي يؤدي إلى زيادة الحديد في الدم ...
من أعراض ذاك المرض ، ألمٌ في البطن ، شدة الإرهاق ، شحوبٌ في الجلد ، و النحافة الشديدة ، و لحسن الحظ أن حالتها ليست خطيرة ...
فتحتْ الأميرة جفنيها بعد ساعات، لتكشف عن قدرة الخلاق الذي أوجد في مقلتيها جناتٍ خضراء ، و التي تتناسب بشكلٍ مدهش مع خصلات شعرها البنية الأشبه بجلد الغزال ...
لتخبرها الطبيبة بما حل بها ، و أن عليها إزالة الدم من الجسم بشكل دوري لتتعالج ، و أن تلك العملية ليست مخيفة أو خطيرة، بل هي شبيهة بالتبرع بالدم ...
في البداية كانت المريضة ، تتبرع بالدم مرةً أو مرتين أسبوعياً ، و لحسن حظي كنت أنا الممرض المسؤول عن سحب الدم من وريدها دورياً ...
و بسبب كثرة اللقاءات، أيقنت أني وقعت في الحب منذ ذاك اللقاء ، فكيف يمكنني الإعتراف ؟
و لما جمعتُ كل ذرات الشجاعة لليوم الموعود ، تحولتْ اللقاءات الأسبوعية إلى شهرية ، فهل أنا خسيسٌ دنيء، لكرهي فكرة عودتها إلى طبيعتها ؟
و بمرور الأيام تبخرت الشجاعة للاعتراف ، و غزت المخاوف هذا الجسد المشتاق ، فالقاءات الشهرية بعد بضعة أيام سيُكتب عليها الختام ...
فهل علي توديع الأميرة ، حيث لا سبب للقاء من بعد هذا اليوم الذي قارب على الإنتهاء ؟
أمام مقلتاي غادرت المشفى بلا رجعه ، و بمغادرتها غادرت امرأة أحلامي ، فمتى سأجد أميرةً أخرى ، تَسقطُ بين ذراعي و تُسقطْ قلبي معها، لتحل محل تلك المقصودة ...
و مرتْ الأيام و الليال الطوال ، و حبي لتلك الحورية البيضاء يزداد بدلاً من النقصان ، و كأن العلاقة بين الزمان و الاشتياق علاقة طردية، و يا ليتها كانت عكسية ...
و في ليلةٍ أخرى ، و تحت ضوء ذات القمر ، تعثرت امرأةٌ ما بين ذراعي أنا، فهل قدر لي أن أكون ملتقط النساء عند الأزمات ؟
و لما التقت مقلتاي المفجوعة بمقلتيها الأشبه بالجنان الخضراء ، أيقنت أنها هي نفسها من عشقتها أوردة القلب ، فلما هي هنا الآن ؟
رافقتها إلى مكتب الطبيبه و قلبي يعزف الألحان ، ليس فقط حباً بل و خوفاً ، فهل تحققت أمنياتي السوداء لخلق حججٍ للقاء ؟
و قبل أن نصل إلى هناك ، نطقتْ بما لم يخطر على بالي و لا بالأحلام ...
"أيها الممرض ، لا أعلم إن كنت تذكرني، و لكنني أتيتك على مدار سبعة أشهر لأتبرع بدمي، فهل بإمكانك إعادته لي ؟ "
لأجيب و قد بلغ اتساع عيناي اتساع الكرة الأرضية بلا مبالغة ...
"عفواً "
و لما رأتْ العجب في عيناي أكملتْ ...
"من حينها ، لم أستطع تهدأت قلبي بسببك "
و لم أتخيل يوماً ، أن تعترف هي أولاً ...
١٨/١/٢٠٢٠