١

11.4K 193 4
                                    

المقدمة
توجعك الكلمات!
و تسرح بك الأفكار !
و تدور بك الذكريات!
لتصل بك لبر الهلاك.. و تتأكد أنك شخص يسهل الاستغناء عنه 💔
أنك تلك النسخة المكررة من هامش الأشخاص 😶😶
أنت لست مميز لدى أحد.. و لن تكون أبدا !
و كل هذا بسبب ماضٍ لا يُنسى.. و لا يُغتفر!
فاسمعها مني و كررها من ورائي بداخلك و كل جوارحك...
تذكر.. أن تجعل من ماضيك الذي لا تُنسى.. مستقبل لا يُنسى كذلك..

بقلم أسماء علام ( موكا)

.......................
الفصل الأول
" الخروج عن النص"
أوف!
إنه الصباح من جديد.. أتي في معاده بالدقيقة!
لما أتى يا ترى؟ هل سيُحدث شيئا جديدا بحضوره 🙄😏؟!
و لما هو منضبط و متلهف للقدوم هكذا؟! هل هو على موعد؟
المهم في النهاية تبقى النتيجة واحدة.. لقد أتي.. أتي ليزعج نومي و يجبرني لمتابعة روتيني اليومي و الدائم..
ارتسم الهدوء اللامبالي على وجه " باسم جمال الزلاباني" .. مدرس الرياضيات بمدرسة ابن النفيس الاعدادية بنين.. بهدوء ملائم لذلك الفراغ الذي يعيش فيه..
استحم، و ارتدى بنطاله الجينز و قميصه الأسود، ارتدى نظارته المستطيلة و حقيبته... و غادر إلي عمله بروتنية مملة كالعادة.
و كالعادة ينزل درجات سلم تلك العمارة العتيقة بمحافظة البحيرة، يبتعد في خطاه عن مرمى كل أنثى ، ينثني على نفسه إذا اضطرت إحداهن المرور جواره كمن خائف من أن يصاب بمرض خبيث..
طريقته المثيرة للريبة.. أشعلت من حوله الأقاويل..
قيل أنه مصاب بمرض جلدي!
و من قال أن لديه فوبيا النساء..
و من تكهن بكونه مريض نفسي و ربما وصل الأمر للجنون حرفيا!
و يبقى وحده من احتفظ لنفسه بالسبب و لن يشاركه أحد..
عانى الأمرين في نزوله ; نظرا لذلك التجمع على درجات السلم في مشاهدة مسرحية الموسم ذات العرض المتكرر...
زوجة البواب السابق عبد المتجلي _رحمه الله _ إنصاف.. التي بعد وفاته تولت هي جميع أعماله.. الحراسة و تنظيف السلالم و جلب الطلبات لمن أراد.. و تنظيف الشقق أيضا إذ أمكن.. مقابل أجر مغرى!
و تقريبا يتجمع السكان كل يوم ; ليسمعوا شجارها مع ابنتها الوحيدة " حسناء" و اعتداء إنصاف عليها بالضرب..
في البداية كان السكان يتدخلون، لكن الأمر تكرر، و تكرر إلي أن أصبح عادة لها و عادة لهم مشاهدته على نفس ..
و الغريب في الأمر أن تلك الحسناء و التي بالفعل حسناء كاسمها .. لا تحرك ساكنا و لا تدافع حتى عن نفسها.. و هل لها عين لتفعل.. فهي الفتاة التي هربت من أهلها جالبة العار لأسرتها و عادت بعدة مدة كسيرة مذلولة.
و بعض من القيل و القال أنها فقدت شرفها، و لا تدرى العيب فيهم لأنهم سمحوا لأنفسهم باتخاذ حياة الناس الخاصة كالعلكة في فمهم...
أم العيب فينا نحن الذين جعلنا حياتنا مشاعا و أحببنا الاستماع و تداول النم و كأنه أسلوب حياة! و كأن شعارهم..
" مادام الأمر لم يطلك فلتنم كما شاءت"
يا للعار و يا الوقاحة !
و أما إذا جعلت من نفسك مصلح و رفضت هذا المبدأ.. فسيطلك النم و الغيبة و تجد لك سيرتك عندهم أحاديث لا تعلم عنها شيئا.. و ستجد التعليل الرهيب لأحاديثهم.. " إذا لم تطلقت بعد أن زوجتها أمها بعد شهر واحد "
بعدها ستقف في صفوف الجماهير، لذا من البداية لا تجعل نفسك بطلا في معركة الحياة.. إذ أنت من البداية خاسرها "
تلك هي وجهة نظر باسم في الحياة!
وجهة النظر الذي ترى أننا كلنا أندال حيوانات و ذئاب نتصنع ثياب من الوقار و الرحمة... فاخلع رداءك قبل أن تحدثني..
و احذر الخروج عن النص الذي وضع مسبقا.. فالقدر نافذ و أنت لا تجرأ حتى على تحديه كي تغيره !!
مضى في طريقه مسكتنا ضميره تاركا خلفه الشجار.. و المهمات و اللمازات و النظارات!!
.......
عاد باسم من عمله في تمام الساعة الثانية و النصف..
فتح بابه بالمفتاح و هو يتثاءب بإرهاق.. و إذا به يسمع صوت بداخل إحدى الغرف..
تحفز باسم و سار بحذر باتجاه الصوت.. الذي كان عبارة عن تأوه سمعه بدقة عندما اقترب..
و إذا به يجد تلك الفاتنة الحسناء.. التي لها من الجمال ما يحسدها عليه الكثيرون.. تلك الصلات البنية القصيرة.. التي تظهر من أسفل حجابها البسيط.. و التي تلف ذاك الوجه المستدق الصغير ذو الغمزة الواحدة بوجنتها اليسرى المحمرة بفعل المجهود، عيونها العسلية الفاتحة بلون عسل النحل اللزج المنعش .. قامتها الصغيرة و القصيرة المنحنية على الأرضية تمسحها!
بينما تمسك قدمها الصغيرة بألم ظاهر على قسمات وجهها..
كل تلك الأشياء تجذب لها أي راجل.. لكن باسم صاحب البشرة االخمرية الفاترة.. تلك الحواجب الدقيقة التي على وضعها لا تنفعل تزين عيون زرقاء لامعتها منطفئة.. شفاه غليظة و جسد معتدل و ذا قامة متوسطة.. كل هذا يجعلك تتسأل عن ما أطفأ هذا الرجل؟!
..........
-أنتي بتعملي ايه هنا؟
قالها باسم بفتور.. فشهقت بفزع، التقطت أنفاسها لما رأته صاحب الشقة التي أوكلتها أمها بتنظفها.. لكنه شعر رغم ذلك بتوترها و خوفها و الذي يبدو مبرر.. خوفها الذي أظهره العرق الذي تتسأل إلي وجهها المتورم و الموشوم بكدمات حمراء و زرقاء..
أردفت حسناء بتلبك :..
-أنا! أنا!.. كنت بنضف.. و بمسح.. أصل.. أصل النهاردة التلات و أمي قلتلي أنضف.. الشقة...
تذكر باسم فأردف بفتور :..
-اها تمام.. النهاردة اليوم اللي الشقة في بتتنضف فيه.. و أنتي لسه ما خلصتيش لحد دلوقتي.. أنا منبه على الست إنصاف إن بعد ٢ ما يفضلش حد في الشقة..
بررت هي بنبرة متلعثمة مرتبكة :..
-أنا.. كنت.. كنت خلصت.. بس كنت بجيب هدومي و بلم الأدوات و همشي..
لاحظ هو عباءتها السوداء ملقاة على الأرض فلم يعلق..
حاولت هي النهوض، فتأوهت بألم و ظهرت دماء على الأرضية مصدرها هو قدمها..
كادت لتتحامل على نفسها و تنهض لولا سماعها لصوته الجزع و الذي يحمل بداخله خوف كبير :..
-ايه ده دم.. دم.. رجلك بتجيب دم..
انحني بسرعة و أمسك قدمها يضمدها بمنديل القماشي بخوف..
كانت أول مرة ترى أحدهم يخاف عليها و يهتم لأمرها هكذا!
أحدهم يقلق و يصفر وجهه هكذا لرؤيته تتألم ..
رأت عيناه الجذعة و يده تلمس بشرتها هاتفا :..
-أنا أسف.. أسف.. سامحيني يا أمل.. أنتي كويسة صح..
-أنا..
صوتها أيقظه من غفلته، لترتسم الصدمة على وجهه و يبتعد عنها بسرعة، مغلقا عيناه بخيبة أمل و حسرة.. و قف و قال بصوت خالي من التعابير :..
-امشي لو سمحتي..
حاولت أن تصل إلي عباءتها لكنه صرخ فيها بحدة :..
-برا اطلعي.. اطلعي..
فهرولت خائفة إلي الباب دون أخذ شيء و هي تتمتم :..
-حاضر.. حا.. ضر
تنفس هو بعمق و ترقرقت بعض الدمعات لعيناه الرمادية.. لمح بقعة الدماء، فهرول بسرعة غير طبيعية يمسحها و هو يتمتم بحزن :..
-أنا آسف..يا حبيبتي.. حقك عليا يا أمل!
=============
هرولت حسناء مسرعة لغرفتهم بالدور الأرضي، لتختبأ كعادته عندما تشعر بالخوف، في مكانها الذي تظنه أمن.. بين الدولاب و طاولة الزينة! و هي ترتجف من الخوف!
-يا ربي.. كان شكله مخيف أوي.. بس أنا معملتلوش حاجة..
لاإراديا لمست يدها بشرتها التي لمسها بيده و تمتمت برقة :..
-بس كان حنين أوي!!
سمعت صوت كالرعد يدوي في أذنها :..
-أنتي يا زفت الطين... قومي يا أختي يا مرتاحة حضري الغدا.. قومي أنا شقينه و تعبانه يا عنيا.. قومي و ما تخافيش على رسم الحنة..
تحاملت على نفسها هاتفة بخوف :..
-حاضر يا أمه ثواني..
=============
ها هو صباح جديد!
و هل سيفرق شيئا.. كلا!
استعد باسم الزلاباني لكنه لم يخرج مبكرا كالعادة ليحضر طابور الصباح في مدرسته..
لكنه أمضى الليل كله على نفس الجلسة على كرسيه ينظر إلي موضع تلك الحسناء و موضع تلك الدماء.. جرح قدمها بدا عميقا.
نظر يمينه لموضع عباءتها التي طواها جواره!
هل يعطيها لها؟ هل يخرج عن أهم قاعده بالابتعاد التام!
هل سيبدأ في الخروج عن النص الذي وضع مسبقا!
بعد دقائق.. اتخذ قراره، و ضع العباءة في حقيبة بلاستيكية.. و بدأ ينزل درجات السلم.
رآها فاقترب منها، مشجعا نفسه.. فوجد والدتها جوارها تعطيها تعليماتها الصارمة كي تنظف على أكمل وجه..
فوجد نفسه تلقائيا يبتعد عنهم متجها نحو البوابة مغادرا.. أما هي فتتبعت ظله المغادر.. خصلاته البنية التي بدت أسفل أشعة الشمس لامعة ذهبية..
-حسناء! بتبصي على ايه ركزي يا أختي.. شكة في قلبك..
قالتها إنصاف بضجر، فسارعت حسناء إلي إخفاض بصرها خجلا و تمتمت بارتباك :..
-حاضر.. حاضر هخلص يا أمه..
-تخلصي و تطلعي على مدام نجاة في التاني تساعدها و تجبلها الطلبات و محمود ابن عم سعيد البقال هيروح معاكي أنا قولتله..
أخفضت حسناء عينيها خجلا..
و كأن ما فعلته من خطأ سابق سيظل للأبد وصمة عار في حياتها..
و ها هي أمها تثق بفتى ذو عشر أعوام أكثر منها !
................................................
سيسجل التاريخ مرتان حتى الآن أن ...
باسم جمال الزلاباني خرج عن النص ... فها هي دقات الساعة الثالثة و مازال يتجول في الطرقات و يحمل الحقيبة البلاستيكية التي تحوى عباءتها الغبية..
قاوم بإرادة من حديد، رغبته القوية في رميها بأي زاوية قريبة، أو أقرب سلة قمامة حتى ...
وجد نفسه أخيرا أمام باب العمارة، طلت بطلتها البهية تدندن بشجن و هي تسقي الشجيرات و الورود وحدها في مدخل العمارة..
اقترب منها ببطء متنحنحا و همس لها ، و هو يمد يده لها بالحقيقة و هو مديرا وجهه :..
-دي عبايتك نسيتها امبارح في شقتي..
كاد أن يطمئن على جرحها، فهتف لنفسه مشجعا :..
-يلا يا باسم اسألها هي كويسة و لا لأ و قولها تروح المستشفى تخيطه و امشي..
كاد لينطق لولا سماع تلك الشهقة العالية يتبعها سباب منحدر من إنصاف لإبنتها.. و دفعها القوي لها لداخل منزلهما..المكون من ثلاث غرف..
-عملتيها تاني يا و**** يا ****.. روحتيله شقته برجلك.. ما قدرتيش تبقى شريفة يا **** و ربنا لسيح دمك الليلة يا بنت ********
بينما وقف باسم مذهولا.. و هو يسمع اتهامات أمها..
ألهذه الدرجة سوء ظنها بابنتها !
لكن هل سيقف مكتوف الأيدي ككل مرة؟!
و ماذا يفعل؟ و هو دائما السبب.. ومازال اقترابه من أي أنثى يودي بها الهلاك!
ترى ستكون هل ستكون هي الضحية الثالثة!

نوفيلا مَاضِ لا يُنسى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن