الأخير

5.2K 161 2
                                    

الفصل الخامس ( الأخير)
" ذكريات من الماضي"
فجأة أوقفها صوت صراخه :..
-حسناااااء.......
هرول إليها! و أمسكها بلهفة و خوف :..
-حسناء! أنتي كويسة.. أنا غبي.. أنا غبي.. أنا أذيتك زيهم.. قولتلك ابعدي عني.. أنا كل اللي بيقرب مني بيتأذي..
احتضن وجهها بين يديه و همس بدموع :..
-أنا أسف.. و الله العظيم مكنش أقصد أذيكي.. يلا هخدك للدكتورة دلوقتي.
أمسكت يده و أردفت بخفوت :..
-أنا كويسة.. ايه اللي مخوفك كدة أنا كويسة.. فيه ايه؟ اهدى..
وجهه الشاحب، و عرقه الغزير .. أنبأها أن هذا الخوف غير طبيعيا بالمرة.. خاصة و أنا الوضع تكرر أكثر من مرة بنفس الخوف المرضي.. و لا سيما اسم أمل الذي ذكره سابقا..
أشار بأصابع مرتجفة نحو الفراش، و ما عليه من بضع قطرات من الدماء.
فورا أخفضت بصرها و ألجم الحياء لسانها..
-أنتي ساكتة ليه.. يلا على المستشفى.. استنى أنا هشيلك..
أوقفته بارتباك هامسة :..
-دا عادي..
هتف باستنكار :..
-هو ايه اللي عادي.. دا...
همست هي في أذنه بحياء.. و سرعان ما اتسعت عيناه بصدمة و هتف :...
-أنتي كنتي بنت... إزاي؟
أخفضت بصرها و هي تومأ بخجل، و بدأت بسرد القصة له بعدما أجلسها جوره..
انتهت من السرد، و قد تلونت ملامحها بالشجن الحزين، لكن ضمته المطمئنة، لعبه في خصلات شعرها بحنان، تبعها قبلة الجبين، و همسه الحنون العطوف المراعي :...
-يعني أنتي دلوقتي مراتي لوحدي..
ابتسمت و دست نفسها في أحضانه أكثر و هي تهمس بدلال أنثوي :..
-أنا طول عمري مراتك لوحدك يا باسم.. ربنا حافظ عليا عشان أكون ليك.. زي ما طول عمري بتمنى... بس أنا عندي طلب..
-آمريني.
-تسلملي يا رب.. أنا نفسي تحكيلي عن نفسك و ماضيك.. عن باسم جوزي.. و عن سبب خوفك المرضي عليا كدا.. و عن أمل!
انتفض من جوارها و كان أفعى لدغته :..
-لأ.. لأ يا حسناء.. ابعدي عن ماضيا.. خلينا نعيش مع بعض الحاضر و المستقبل أحسن.
وقفت جواره و أمسكت يده بهدوء :..
-دا مش هتغير حاجة.. بس هيريحك أنتي لما تحكيه.. هيبعد عنك الكوابيس اللي أنت بتحلم بيها بالليل..
نظر لها متعجبا من علمها، لكن أبعد عيناه عنها، و هتف بعجز :..
-هتكرهيني و أنا..
قاطعته بثقة :..
-أبدا.. خليك واثق فيا و في حبي ليك.. صدقني..
تنهد بقلق و خوف بدأ يتسلل إليه من ذكريات الماضي المرعبة..
أجلسته و جلست جواره، مستندة على صدره تسمع صوت دقات قلبه.. و تنصت له ليبدأ بسرد حكايته :..
-أنا عندي ماضي بشع يا حسناء.. أنا نفسي كنت إنسان بشع.. كنت وحش فعلا بمعنى الكلمة.. باسم جمال الزلاباني.. كبير عيلته في الصعيد.. علموني إني راجل.. الشفقة عيبه في حقي.. لازم يكون حكمي نافذ.. و الرحمة مالهاش مكان في قلبي.. أبويا رباني كدة و علمني كدا و رسخ فيا كدا لحد ما بقيت نسخة منه.. و مهما حاولت أمي إنها تغير فيا و لا تذرع في قلبي الرحمة.. ما قدرتش إنها تغلب تربية أبويا فيا حتى بعد أما أبويا مات و حتى موتها ما قتلش فيا القسوة، كانت راسخة جوايا .. أنا نفسي بقيت أقرف من نفسي وقتها.. اتجوزت مراتي هناء.. ما رعيتش إنها بنت.. كنت حيوان معاها و أذتها.. و أذيت نفسيتها أكتر.. كنت عشان أثبت إني راجل و سبع الرجال.. أدوس عليها و على كرامتها بالجزمة القديمة و لا كأنها إنسانة و بتشعر و بتتوجع و تتألم.. بس ما كنتش بتعمل كدا لأني كنت بزيد أكتر.. كنت بنيمها كل ليله و دمعتها على خدها و قلبها مكسور 💔و كنت بسيبها تتفلق و تنام معيطة... و من قسوة قلبي كنت بشجع ابن عمي الحنين إن يبقى زي مع خطبته اللي هيا أختي.. و نجحت في إني أخليه شبهي و نسخة مني في القوة و الجبروت... و في يوم فرح أمل أختي.. اللي المفروض يكون أسعد يوم في حياة العيلة كلها... هناء ما جتش... رجعت لها البيت و كنت ناوي أمسيها بعلقة.. دخلت الأوضة لقيتها مدياني ضهرها كالعادة.. قربت منها و بزوق الغطا.. لقيتها.. لقيتها..
كان باسم يأخذ أنفاسه بصعوبة بالغة، لمستها الحنونة ساعدته على الاسترخاء و المتابعة بدموع حارقة..
-كنت نايمة.. بس نومها كان أبدي.. ماتت مقهورة مني.. ماتت دمعتها على خدها.. ماتت و مكنتش جنبها.. ماتت و أنا منكد عليها من كام ساعة.. مش قادر حتى أمحى منظرها من دماغي لحد دلوقتي.... و قبل ما ألحق أصرخ.. كانت الصرخة جاية من برا.. بيندهولي أشوف جثة أمل.. أمل بفستان فرحها..
انتفض من مكانه لكن تابع و هي ترمقه بعيون غارقة بالنحيب :..
-فستانها كان متقطع و غرقانة في دماها.. و مغرق السرير.. و ابن عمي اتجنن بعد أما عرف إنه قتل حب حياته ... كنت أنا بردو السبب.. أنا اللي قولتله خليك راجل و ادبحلها القطة من أول ليله.. ما كنتش أعرف إنه هيدبحها هي💔 سمع نصحيتي و نصيحة اصحابه.. و  مش عارف شربوه نيلة ايه على دماغه.. ضيعت عقله على الأخر .. اتناقروا زي ما بتنقروا كالعادة .. لكن هو اتعامل معها بتخلف، مكنش واعي بسبب الزفت اللي شربه، ضربها و زقها وقعت على برواز حديد بارز قتلها ، نزفت لحد ما ماتت.. و هو اتجنن لما فاق من اللي حصل.. أمل ماتت و هناء كمان... و سابوني.. دفنتهم بايدي.. و بعدت عن كل حاجة تخصهم أو تخص الوحش اللي كان اسمه باسم.. تابعت مع دكتور نفساني و هو اللي أشار عليا بكل تفصيلة في حياتي الجديدة.. بس لحد دلوقتي بحلم بكوابيس بيهم.. بشوفهم بدمهم.. نظراتهم بتقتلني و تتهمني.. إني أنا اللي قتلتهم.. عرفتي يا حسناء أنا كنت مخبي ايه.. عرفتي مش عايز أقول ليه.. حسناء.. ااااا
وجدها تتكور على نفسها من الخوف و دموعها تنهمر بلا توقف..
-مستحيل... إنت لأ.. يا باسم.. أنت لأ..
تقهقر للخلف و نظر للأسفل بخجل و خزي.. حول الهرب فوجدها تركض عليه تضمه و هي تشهق هاتفة :..
-ما تبعدش عني أبدًا.. احضني و طمني إنك باسم حبيبي.. و إن الوحش دا مبقاش موجود أبدا أبدا...
استجاب على الفور.. و دفن وجهه في شعرها، لعل رائحتها هي الترياق من ذلك الوجع الأبدي..
ليلة قضاها في أحضانها كطفل صغير، تهدهده أمه.. ليلى نام فيها كما لم ينم منذ الحادث.. أناملها في شعره كالسحر.. صوتها الساحر يغنى له كالمنوم!
أول ليلة ينام بها بدون كوابيس تغص مضجعه.. كم تمنى أن يظل أسير أحضانها للأبد!
استيقظت مساءا و لم تجده، فسارعت للتحمم، لتشرع في اعداد الغداء.. أنهت كل هذا، لكن ما أقلقها.. هو غيابه الغير مبرر عنها! حاولت ابعاد الخوف و القلق عنها.. فشعلت نفسها ببعض الأشغال المنزلية ريثما يعود!
=============
وقفت إنصاف أمامه في شقتها عابسة الوجه هاتفة :..
-عايز ايه ان شاء الله.. اكتشفت انك اتغشيت في السنيورة فبتفكر ترجعها للأسف البضاعة المباعة لا ترد و لا تستبدل يا بيه ..
رمى في وجهها حقيبة بلاستيكية  و هتف :...
-دا دليل براءة بنتك و دليل ادنتك.. أنتي مش أم أنتي مجرمة بجد.. الأم حنان و احتواء.. الأم فكرة و عطاء.. سهر و اهتمام.. أنتي فشلتي في كل الأدوار دي.. أنتي قبل كدة قولتي أنك رميتي طوبتها.. بس أنا بقولك النهاردة أني مش هسمحلك تقربي منها.. حسناء مراتي و هتفضل مراتي و أنا هحميها حتى منك أنتي..
ذهلت من كلامه الذي لم تتوقعه يوما.. فتحت الحقيبة البلاستيكية.. رأت بداخلها تلك الملاءة ذات اللون الأبيض المصفر.. و بها تلك البقعة الحمراء..
هتفت إنصاف متعجبة ليلحق صوتها باسم قبل أن يغادر  :..
-ايه دا؟
-أنا كنت أول راجل في حياة بنتك.. و ليلة دخلتنا كانت امبارح مش قبل كدة زي ما أنتي فاكره .. أنا حبيت أعرفك الحقيقة.. عشان تفضلي الباقي من عمرك حاسة بالذنب و بتتعذبي .. زي ما عذبتي حسناء طول عمرها..
وجدها تجلس على أقرب أريكة من الصدمة، لكنه تابع ليكون هذا درس حياتها على يده هو :..
-كان ممكن تكوني البطل الحامي.. لكن أنتي اختارتي تكوني الجانب الشرير في القصة.. بس لأنك أمها كنت أتمني إنك تتغيري بجد.. إنها تحس و لو لمرة واحدة إنك أمها و واقفة في صفها.. و في ضهرها.. بس أنتي كنتي في كل مرة اختارتي تقفي في صف المجتمع.. ما تلميش غير نفسك لما يعدي العمر.. و تلاقي نفسك لوحدك !! 💔
.......................
ثم تركها و صعد إلي حبيبته، من لونت حياته بألوان قوس قزح!
...
استقبلته بتلك الابتسامة البريئة، استلقاها في أحضانه و هتف :..
-أحلى استقبال دا و لا ايه؟!
تعلقت برقبته بدلال هاتفة :..
-و لا ايه!
اقترب أكثر و قبلها.. ثم أردف بعدها :..
-كدة أحلى..
احمرت وجنتاها و ضربت صدره برقة :..
-بطل قلة أدب.. إحنا على الباب.
هتف هو مداعبا :..
-دا لسه قلة الأدب جاية.. استنى عليا.. بصي بصي... شوفي دول.
نظرت لما في يده، لكنها لم تفهم لأنه كان باللغة الإنجليزية.. أخفضت بصرها خجلة لجهلها، فقطب هو بين حاجبيه متعجبا :..
-إيه.. في إيه ما عجبتكيش.. طب بتعيطي ليه دلوقتي بس..
رفع ذقنها بيديه ليواجه عيناها العسلية بلمعة النجوم و هو يردف برقة :..
-ايه اللي زعل مراتي حبيبتي دلوقتي بس..
-أنا أسفة.. بس مش فهمه...
نظر للورقتين في يده، ففهم، فأردف هو :..
-هو دا اللي زعلك.. كل دا مش فارق معايا.. أنا هبقى أعلمك كل حاجة يا حسناء.. أي حاجة تحبي تعرفيها اسأليني أنا.. و أنا أسيب الدنيا كلها و أفضالك.
نظرت له بلمعة حب، و همست :..
-طب إيه هي بقى..
-أسبوع أنا و أنتي في شرم الشيخ.. أسبوع عسل صغنن على أدي أنا و أنتي.. و دا حجز في طيارة بكرا الفجر..
ضمته بقوة مبتسمة و هتفت :..
-الله! ربنا يباركلي فيك يا حبيبي.. أنا بحبك يا باسم.
-و أنا بعشقك و الله يا حسناء ❤️
-يلا بقى عشان نتغدا و نحضر الشنط..
هتف هو باستنكار :..
-غدا ايه و شنط ايه؟! في حجات أهم لازم نتفق عليها أنا و أنتي..
عقدت ما بين حاجبيها مستفهمة، لكن سرعان ما انفكت و حل محلها ضحكة مبهجة لما حملها بين ذراعيها متوجها لغرفة نومهما!
=============
بعد مرور شهر و نصف،،
اليوم هو عيد الأم ،
وقفت حسناء أما المنزل تعد نفسها للذهاب مع باسم لحفلة مدرسته و بعدها سيتوجهون للخارج لقضاء سهرة مميزة!
و للحق أن كل لحظة يقضوها سويا هي لحظة مميزة..
كلاهما كان طوق نجاة للأخر.
في كل لحظة يثبت لها باسم أنه تغير.. و أن ذاك الوحش القديم مجرد صورة باهتة، أقسم أن تظل قيد الكتمان!
أما هي تخلت عن خوفها و توترها و ارتباكها الدائم، فهي تثبت له كل يوم أنه أجاد تعليمها.. فهي أصبحت لا تقل شيئا عن أي رجل في الخارج.. أما في منزله و معه فهي منتهى الأنوثة و منتهى الفتنة بمزيج مدهش مصحوب الدلال...
ذهبت إلي شقة مدام نجاة لتعطيها هدية عيد الأم.. فهي كانت لها بحق أم.. وقفت و نصحت و اعتنت و احتوت!
تقبلتها منها مدام نجاة بالقبل و الأحضان و الكثير و الكثير من الحنان الأموي الصادق.. و كل هذا على مرآي و مسمع من إنصاف.. التي صفعت الباب بعدها بحزن..
وقفت أمام المطبخ و هي تتابع انتهاء الغداء، و دموعها تنهمر بشدة من عينيها..
" النهاردة عيد الأم.. و أنا لوحدي.. أنا بتعاقب فعلا.. أنا ما استهلش فعلا أكون أمها.. بس ما شاء الله بقت زي القمر و وشها نور و بطق منه السعادة.. ربنا يهنيك يا بنتي.. و يسعدك..
تابعت اعداد الطعام الذي تحبه حسناء، بل كانت تعشقه من يدي والدتها، بينما تكفف دموعها بطرف كم عباءتها..
قاطعها صوت طرقات على الباب، فأسرعت لتفتح و تجدها أمامها ببشرتها البيضاء الوضاءة و كأنها القمر ليلة تمامه.
-أنا متأكدة إن الريحة دي من هنا صح.. أنتي عاملة ملوخية صح.
ابتسمت إنصاف على لهفتها، و على قدرتها على اكتشاف الرائحة، أفسحت لها المجال لتعبر متمتمة :...
-اه.. خشي عملاها عشانك..
-بجد! الله.
ثم قبلت وجنتها بعفوية شديدة و هرولت للمطبخ لتتذوقها..
تبعتها إنصاف لتجدها تتذوقها بالملعقة و هي تتأوه باستمتاع، و كأن بينهما قصة حب متكاملة الأطراف.
-لسه على عادتك يا حسناء من و أنتي صغيرة.. مش هتتغيري..
فجأة امتعضت ملامحها، و تقلصت تهتف بجزع :..
-ايه الريحة دي..
تعجبت إنصاف و تسائلت :..
-أنهي ريحة.. دا بط و ملوخية.. عا..
قاطع حديثها رؤيتها لابنتها تسقط بترنح، فأسرعت لتلتقطها، و صرخت بفزع.... بقلم أسماء علام موكا
..
..
..
انتظروووا الخاتمة 🤔😉توقعاتكم

نوفيلا مَاضِ لا يُنسى حيث تعيش القصص. اكتشف الآن