فصل بمناسبة عيد ميلادي
الفصل الثالث
" لن أكون مثلك أمي"
رفعت بصرها إليه متعجبة من علامات الذهول على وجهه.. و كيف له ألا يذهل، بل إن ملامح وجهه بدأت توحي أنه على وشك أن يهد الدنيا فوق رأسها بتفكيرها الساذج!
فجأة تحول باسم الهادئ.. لكينونته الأصلية باسم جمال الزلاباني المهاب، المخيف و المرعب.. و الذي لا تعلم عنه شيئا تلك الساذجة الصغيرة ذات الثمانية عشر ربيعا غير مزهر.. و هو يراقبها كما كانت قبل أن تصبح زوجته قانونيا.. بهيئة الخادمة التي تبدو و كأنها راقت لها.. منحنية على سلالم العمارة تمسحها و هي ترفع العباءة لأعلى ليظهر ساقها.. و من الإرهاق تمردت خصلات شعرها القصيرة و ظهرت من أسفل الحجاب الذي انحسر عن رأسها.
ذاك المنظر أثار غضبه و جنونه و غيرته التي لم تخبر كم هي قاسية و مرعبة!
لم تدرك ما يحدث إلا عندما وجدت خصلات شعرها في يده يجذبها بعنف.. ليجبرها على السير نحو شقته.. بشكل جعلها تشهق فزعا و رعبا و كل مخاوفها تتجدد أما ناظرها...
لكن هذه المرة ربما لن تتحمل بالتأكيد.. ستنهار قبل أن تستعيد تلك التجربة المرة و التي أحرقت أزهار عمرها... التي قتلها مجتمع تفنن في جعل الفتاة.. بمكانة مواطن درجة ثالثة.. لا حقوق و لا احترام..
" اكسر للبنت ضلع يطلعلها ب ٢٤"
" أبوكي قال... أخوكي راجل"
" جوزها و بيربيها"
" هنسترها".. " الجواز ستره"
" خليكي في طوع جوزك"
" الرأي رأي أبوك / ك"
مصطلحات سمعناها و كررنها.. و بالتأكيد تعرضنا لها!
لو دققنا بها النظر لوجدناها قمة العنصرية.. يا مجتمع يدعى المساواة.
لوجدناها دعوة مفتوحة للعنف.. يا مجتمع ادعى الرحمة.
لوجدناها أننا وصمنا كل فتاة بأنها عار يجب التخلص منه ..
لما لا نجعل تربية بناتنا هي منارتهم في وقت ظلمات الفتنة..
لما لا نعلمها أنها مواطن له حقوق و واجبات..
لما لا نفهمها أن طاعة الزوج لا تعنى الانسياق..
لم لا نرسخ لديهم أن أمرهم شورى بينهما... و أن من لا يحترم رأيك، لا يستحقك!
أنتِ لستِ طباخة و لا خادمة و لا مربية و لا عاهرة.. أنت شريكة حياة!
خلقنا أنصاف.. لنتكامل!
نظرت حسناء باستجداء لوالدتها.. كطفل مذنب يستنجد بأمه من بطش أبيه، طالبة منها لو ذرة حنان واحدة في حياتها..
لكن حدث العكس تماما.. فإنصاف نظرت لها بشماتة و كأنها تخبرها أنها ستعود تحت قدميها مجددا!
أتلك هي والدتها التي هرعت إليها عندما سمعت أنها تعاني من وعكة صحية.. بل و بسرعة قامت بالعمل بدل عنها..
وجدت نفسها بسرعة تقذف داخل الشقة.. و وجه باسم لا يحتاج لأي كلام!
حتما ستحدث كارثة..
أمسك ذراعها بعنف قبل أن تفكر في الهرب.
حاولت التبرير بتلعثم :..
-و الله... أنا... أنا...
صرخ باسم فيها ، فأخرسها فورا ، و ابتلعت لسانها :...
-أنتي مجنونة صح.. و متخلفة كمان.. أنتي دلوقتي مراتي.. مرات باسم الزلاباني.. و مش مراتي اللي تقف تستعرض جسمها قدام اللي طالع و اللي نازل.. فرحانة يا أختي بالخدمة.. ما أنتي خدامة و هتفضلي طول عمرك خدامة.. مش هتنضفي.. و أنا اللي اتجوزتك عشان أرحمك و أنضفك و أخليلك كرامة.. عجباكي الخدمة و العلاق اللي كنتي بتخديها قدام الناس صح..
صاحت هي فيه بهياج، و حررت يدها منه بصعوبة بالغة :...
-بس بقى..
شخصه القديم لم يقبل أن تصرخ في وجهه، و كأنها شيطان و تلبسه ثانية فصاح :..
-حسنااااااء.
فرت شجاعتها الزائفة مع الرياح، و عاد الخوف يعصف بأركانها، فركضت إلي غرفتها.. تختبأ كالعادة بين الدولاب و ما يجاوره، متكورة على حالها ترتجف و تشهق بعنف.. غافلة عن إغلاق الباب من الخوف..
لحظة دخوله أعادت أمام ناظريه ذكرياتها و كل مخاوفها.. التي تشابه دخوله الهمجي عليها!
و كله تحت مسمى واحد و رغبة واحدة و شعار واحد..
" لن أكون مثلك أمي"
صاحت بعنف و بشكل هستيري في وجهه :..
-بس بقى.. ابعدوا عني.. ابعدوا بقى أنا بكرهكوا كلكوا.. كلكم كدابين و أنا كل مرة بصدق.. صدقتها لما قلتلي تعبانة و روحت اشتغلت بدالها، و طلعت بتكدب و عايزة تذلني و تفهمني اني هفضل تحت رجلها.. صدقت باسم لما قالي انه هيحميني و هو طلع زيهم.. . صدقت عبده لما قال أنه هياخد باله منه و هيسمعني و هيعاملني بما يرضي الله.. بس طلع جبان و ابن أمه.. كان بردو بيعملني كأني أقل من خدامة مش مراته .. صدقت اللي قالي هعملك زي بنتي.. و طلع حيوان و ندل، صدقت كل اللي قابلني في طريقي و لسه بصدقكم.. أنتم كدابين و ربنا هينتقم منك.. حرام عليكوا بقى.. حرام.. 😭😭 ذنبي أني مكنتش عايزة أكون زي أمي.. أخد الابتدائية و اشتغل خدامة لحد ما اتجوز و اشتغله خدامة بردو.. هربت من مصيري.. أنا عارفة إنو غلط إني أهرب من البيت.. بس ربنا عاقبني و الله و قفت في ناس وحشين و كانوا هيبعوني.. لأ هما فعلا باعوني.. بس ربنا سترها معايا و اتبعت كخدامة بس.. قالي هعملك زي بنتي أنا معنديش بنات.. بس هو كان أزبل من الزبالة.. كان عايزني الصبح خدامة لمراته و بليل خدامة لمزاجه.. هربت.. هربت تاني.. لقتني برجع للمصير اللي هربت منه.. أمي قالت تخلص من عاري و باعتني لاقرب مشتري.. عبده جوزي .. خلاني خدامة ليه و لأمه و لاخواته و مش عاجب.. و لما مرة رفضت عشان كنت تعبانة و الله كنت فعلا تعبانة اتهانت و اضربت.. و رجع سبع الرجال يكمل عليا.. ادني علقة موت.. و طلقني طب ذنبي ايه.. بتعاقبوني على ايه حرام عليك.. يا رب أنت ارحم منهم كلهم..
اقترب منها بحذر بعدما هرب شيطانه راكضا.. أدرك أنها غير واعية عليه بالأصل.. خشى أن يقترب فتأذي نفسها.. فتركها تصب كل ما بجعبتها بصبر و حزن من أجلها..
فجاء بدأ صوتها يخبو تلقائيا :...
-أنا.. أنا...
انهرت حسناء فاقدة للوعي.. بعد انهيارها الهستيري غرق جسدها في العرق الغزير البارد.. و انخفض تنفسها بشكل فزعه... فهرع إليها خائفا من تحول أسوء كوابيسه إلي حقيقة.. فحملها بسرعة و دموعه تنهمر بدون سيطرة.....
==============
في الصباح،،،
أفاقت حسناء و هي تشعر بالصداع يكاد يفلق رأسها نصفين.. رأت نفسها على سريرها و مدثرة بالغطاء.. و التي لا تدرك كيف وصلت إليهم..
رأت محلول معلق بجسده.. دارت بعينيها في الغرفة لترى نفسها وحيدة في الغرفة.. ابتسمت بسخرية على نفسها و تخيلاتها..
هل كانت تتوقع مثلا أن يسهر جوارها الليل كله مثلا!
ستراهن الآن أنه ذهب إلي عمله كالعادة، و سيعود إلي قوقعته من جديد.
ربما هي تخطت فوره غضبه البارحة.. لكن هي لن تكون قادرة على تخطي واحدة أخرى في المستقبل..
المشكلة أنه كما هو حليم و صبور و مراعى.. غاضب و عصبي متسرع!
ابتسمت مرة أخرى لنفسها متابعة وصلة تهكمها من حالها.. و هي تتآكد بنفسها من أن الشقة خالية من أحد عداها..
دلفت إلي المرحاض لتستحم، و بدون ارادة ظلت تستعيد تلك الذكريات و دموعها تنهمر على وجهها..
صراخها في أمها و هي ابنة خمسة عشر عام بأنها لن تكون أبدا مثلها خادمة و قاسية و مستبدة فقد سربتها من التعليم بعد الشهادة الابتدائية!
هروبها من المنزل خلسة...
وقوعها في يد تلك عصابة الاتجار بالفتيات.. لم تكن وحدها بل المئات من الفتيات، تعرفت على مجموعة منهم هم من أنقذوها من براثن ذلك المصير المخزي..
حيث أخفت إحداهن بعض أدوات الزينة و لطحت بها وجوههن بشكل مدروس.. لتبدو في نهاية الأمر دميمة، قبيحة.. ليختاروها خادمة.. أهون بكثير من أن تكون عاهرة!
ذلك الرجل الأربعيني و زوجته الذين لم يرزقهم الله بأولاد و الذى ادعى أنها ستكون كابنتها، بينما حقدت زوجتها على جمال طفلة في عمر ابنتها و كانت تعاملها بقسوة..
بينما هو يعاملها بحنان مبالغ فيه.. يستحيل أن يكون حنان أب لابنته.. فهي مازالت تذكر والدها عبد المتجلي – رحمه الله – ذلك الأب الذي كان كتلة متحركة من الحنان و الدفء.. و بمجرد أن توفاه الله تجردت من الحنان و الدفء و الحماية و السند..
أما ذاك الرجل.. شيء في لمساته و كلامه جعلها تنفر منه... تلميحاته بدت مبهمة لطفلة في عمر الزهور.. لكن التجربة القاسية التي مرت به علمتها أن لغة العيون تفضح البشر.. لذلك كان الهروب هو الحل الأمثل مجددا!
لازالت تذكر يوم عودتها.. أن والدتها من كثر ما ضربتها.. فقدت وعيها.. اسبوع مر و كانت تعاملها معاملة الحيوانات.. و لا يفرق شيء.. مقيدة مثلهم، ترمي لها فتات الأشياء حتى لا تموت جوعا، و القليل من المياه حتى تصمد للغد..
كانت راضية بهذا و قد اختفت شعلة تمردها للأبد.. لكن أن تباع ثانية و الله ظلم.
صحيح أن البيع هذه المرة، كان تحت مسمى زواج كان عرفيا لصفر سنها.. لكن يبقى بيعا و قبضت أمها الثمن..
مازالت تذكر خجلها و خوفا في ليلة زفافها المشؤم!
لم تنسَ ملامحه الحيوانية المتعطشة.. غصبه من عذرها الشرعي الذي منعه من الانقضاض على فريسته..
سفره بعد يومين من الزفاف لعمله.. و لما ينتظر و العروس حائض و لا يقدر على الانقضاض عليها.
قرأتها كثير في نظراته و تحدث بها لسانه مرة.
حمدت ربها ليلتها مرارا و تكرارا على تلك النعمة.. لكنها لم تقدر حجم الكارثة التي وقعت بها بمغادرته!
مازالت المعاملة الغير آدمية التي تعرضت لها في منزل والدته على يدها هي و بناتها مرسخة في ذهنها.. و معايرتها بأنها العروس المغضوب عليها التي تركها زوجها بعد يومين زفاف..
ذلك اليوم الذي حكت ملخصه لباسم و الذي كان أبشع تلك الذكريات على الإطلاق..
لقد كانت بين براثن الموت فعليا! فبعد أن اعتدى عليها عبده بالضرب المبرح، حتى فقدت و الوعي و انفجرت الدماء من جسدها..
رموها أمام مشفى و هربوا خوفا من أن تموت و يتعرضوا للمسألة القانونية..
بقت يومان في المشفى فاقدة للوعي، طلبت منهم أن يأتوا بأمها التي فزعت من منظرها..
و كانت المرة الأولى التي شعرت فيها بحنان أمها و شفقتها عليها!
قضت أسبوع في المشفى، خرجت بعدها لمنزل أمها.. التي كانت تعاملها بحنان فقدته طوال عمرها.. لكن سرعان ما انقلب عليها الأمر كله..
حينما استدعت أمها زوجها المصون.. و الذي قلب الحق باطل، و ادعى أنها فتاة بدون شرف.. و استغل ما سمعه عنها... ليوهم أمها أنها فقدت شرفها قبل الزواج و أنه صبر عليها حتى لا يفضحها و أجاد التمثيل بأنه الزوج المخدوع المغلوب ابن الأصول.
و أنه صبر عليها حتى اعتدت على والدته بالضرب و سبتها.. و حاولت الهرب من المنزل.. و بعدها صدر حكم الاعدام و أصبحت هي الجانية بدل المجني عليها و مها تكلمت أو حكت أو شكت و اتهمت لا مجيب.. و اخترقت كلمة طالق أذنها..
و مرت الأيام كلها عليها سوداء حالكة.. أيام اعتادت فيها الضرب و السب و الإهانة!
حتى جاء باسم ..
تنهدت بقوة عندما تذكرته.. بالرغم من الذي فعله معها و خوفها منه.. إلا أنها بالفعل بدأت تميل له.. بدت دقات قلبها تعلو و تحزم أنها أحبته..
ربما ما ألمها أكثر عندما غضب و قسى عليها و اتهمها و قلل من احترامها.. أن كل هؤلاء كانت تكرههم.. لكن من تنبض باسمه دقات قلبها!
ربما كان غاضب من أنها تقلل من قيمتها و احترامها.. و أيضا غيرته التي فاحت بها حروفه من تكشف جسدها أمام الغرباء..
على الأقل عندما انهارت.. كان جوارها و أسعفها و ليس كعبده أبدا..
لكن لم يجب أن نقبل دائما بالقليل!
خرجت من الحمام.. بحثت في ثيابها القليلة، فلم تجد شيء واحد جيد ليُرتدى.. كلها تعتبر هلاهيل.. فتكدرت تلقائيا.. لكن لفت نظرها تلك الورقة الكبيرة على مرآة غرفتها.. حفق قلبها بشدة مضطربة و هي تقرأ كلماته بخوف...
فالله يعلم ماذا قرر وحده بشأن علاقتهما و لم يجرأ على البوح به وجها لوجه...
أنت تقرأ
نوفيلا مَاضِ لا يُنسى
Romanceمكتملة .. حقوق النشر محفوظة للكاتبة .. اقتباس كاد باسم لينطق لولا سماع تلك الشهقة العالية يتبعها سباب منحدر من إنصاف لإبنتها.. و دفعها القوي لها لداخل منزلهما..المكون من ثلاث غرف.. -عملتيها تاني يا و**** يا ****.. روحتيله شقته برجلك.. ما قدرتيش تب...