"أسْوَد"

83 22 1
                                    

"أريد أن أرتدي فستانًا" أنا تقريبًا صرخت في وجه أمي- التي تشوشت رؤيتي لملامح وجهها الحزينة على حالي- بسبب دموعي.

ألقيت حقيبتي من على كتفي وهرعت نحو المرآة أحدق في انعكاسي.

جفتت دموعي لتتضح لي رؤية مظهري البائس مع كل هذا السواد الغارقة أنا فيه؛إذ كنت أرتدي بنطالاً من القماش الأسود،يعلوه كنرة صوفية سوداء أيضًا.

حجابي وحذائي أيضًا لم يسلما من هذا السواد.

شددت على قبضة يدي غير راضية تمامًا عن مظهر الفتاة التي أراها في المرآة أمامي،هه فتاة!

"وما حاجتكِ إلى فستان؟" أمي اقتربت مني تضع كفيها على كتفي بينما تقف خلفي،تحدق في عيني من خلال المرآة.

"معكِ حق أنا لا أحتاج فستانًا،أحتاج العشرات من الفساتين وبأزهى الألوان" أنا أبعدت كفيها عن جسدي ورحت أخلع حجابي عن رأسي بهستيرية وأقوم بإسدال شعري،حتى أنني أخرجت فستانًا زهريًا قديمًا جدًا يعود لأمي منذ أيامها في الجامعة وارتديته فوق ملابسي..السوداء.

"كما أنني أحتاج المزيد من مستحضرات التجميل؛فما أملكه ليس كافيًا أبدًا" أضفت بينما أضع الكثير من المُورد على وجنتيّ بأكثر طريقة عشوائية.

أمي تنهدت باستسلام ثم عقبت

"ما الذي تفعلينه بوجهكِ؟"

"أنا أشاهدهن يفعلن ذلك على الإنترنت،يكثرن من وضع كل شئ وأي شئ على وجوههن..يبدين جميلات..عكسي!" حركة يدي الممسكة بأحمر الشفاة قلت تدريجيًا حتى توقفت تمامًا عما أفعله،ومجددًا كنت أحدق في انعكاسي.

لمَ كل ما يليق بالفتيات لا يليق بي؟

الدموع تجمعت في عيني مما تسبب في سيلان الكحل الذي سبق ووضعته هذا الصباح على وجنتيّ.

كتفاي انخفضا بخيبة أمل،وعقدة بين حاجبي تشكلت لبشاعة ما أراه أمامي.

"أنا ارتديت ألوان زاهية مثلهن،أكثرت من المساحيق مثلهن،حتي..حتي أنني أسدلت شعري مثلما يفعلن،إذن لمَ لا أبدو جميلة مثلهن؟" التفت بجسدي أحدث أمي بأعين تفيض دمعاً.

هي ابتسمت واقتربت مني تضمني أقرب لصدرها.

"ما الذي يدعوك للابتسام؟" أنا تذمرت وصرت أبكي بصوت عالٍ كالأطفال.

"لأنه ورغم مظهركِ ذاك لازلتِ تبدين جميلة"

أمي أجابتني بأكثر نبرة رقيقة تملكها،وأنا شعرت بقلبي يطفو داخلي من فرط ما شعرت به.

رغم أنني حتى لم أفهم ما شعرت به،لكنه على الأغلب كان شعورًا بالطمأنينة أنني أبدو جميلة في نظر أحدهم..في نظر أمي.

أمي أبعدتني عدة إنشات عن حضنها،عوضًا عن ذلك هي أحاطت وجهي بكفيها الدافئتين تمسح بإبهاميها دموعي الملطخة بسواد الكحل.

"رغم كآبة ذلك الأسود الذي لا تنفكين ترتدينه إلا أنني لم أمنعكِ يومًا عن اختياره،لأنني أؤمن أن أي لون حتى الأسود نفسه سيبدو فاتنًا عليكِ"

"ارتداؤكِ لفتسان أو حتى لقميص رجالي ليس ما يجعلك جميلة"

أمي تحدثت بنبرة هادئة وابتسامة لطالما ارتسمت على شفتيها

"عزيزتي،الجمال كله هنا" أمي وضعت كفًا فوق قلبي،قلبي الذي نمت فيه الأزهار إثر كلماتها وتلك النظرة في عينيها.

أنا حدقت في عيني أمي لدقيقة،حينها فقط أدركت أن عيني أمي هما المرآة الوحيدة التي أرى نفسي فيها جميلة.

وأن إنعكاسي فيهما دائمًا ما سيبدو جميلًا.

وأن الأسود يليق بي ما دمتُ أمتلك الكثير من الألوان داخلي.

Random Thoughts 2حيث تعيش القصص. اكتشف الآن