الفصل الخامس

16.9K 959 108
                                    

لم تعى سوى وهى بين ذراعيه .. نعم انه هو .. بقميصه الازرق وبنطاله الكلاسيكى .. بل يكفى رائحه عطره والتى تُخبرها بانه هو حتى وهى مغمضه العينين ..
يرتدى قناع اسود .. يُبرز عينيه بوضوح .. انه يملك فيروزتى اخاه .. ابتسمت بفرحه وهى تتأمل شعره اللامع عن كثب .. وتتأمل ماتبقى من وجهه بشغف ثم تعود مره اخرى الى عينيه الناظرتان اليها باعجاب ..
تلعثمت قليلاً قبل ان تقول بلهجه حاولت اخراجها جديه بعد ان استوعبت ماحدث فهاهى الآن ترقص بين ذراعيه على انغام الموسيقى الهادئه ليُمسك احدى كفيها بيده ويدُه الاخرى تُمسِك خِصرها باحكام : انت ازاى تشدنى كده مش تستأذن افرض مش عاوزه ارقص ..
لم يُجيبها بل ابتسم لها ابتسامته الآسره تلك والتى منعتها من اكمال امتعاضها فاكملت بلطف وهى لازالت بين ذراعيه يُوجهها يميناً ويساراً دون ان تشعر : عموماً انا هعديها بس عشان احنا جيران ..
ارتفع احدى حاجبيه فاكملت هى : اه انا عارفه انك مشوفتنيش ومتعرفنيش بس انا فجر اللى جيت سكنت معاكوا فى الفيلا انا وبابا .. استاذ مصطفى تعرفه طبعاً ماانت قابلته ..
اومأ لها براسه وعيناه مُثبتتان عليها فاكملت هى بخجل : وكمان دكتور حازم اخوك هو الدكتور بتاعى فى الكليه .. انا طالبه عنده ..
ارتفعت عيناه بدهشه مما تقوله ولم يُجيبها فاكملت : هو محكالكش عنى
هز رأسه نافياً فنظرت اليه باستغراب قائله : معقول .. طيب عموماً انا اسمى فجر وانت !
ازدادت نغمات الموسيقى جنوناً فاجابها هو بصوت حاولت سماعه من خلال رقصه : جوهر ..
فجر بتساؤل : ايه مش سامعه .. جوهر ؟
اومأ لها برأسه وابتسامته تزداد جاذبيه اثناء التفافه بها لتتسائل من جديد بنبره اعلى : اه جوهر ده لقب عيلتكوا انت بقى اسمك ايه ..
نظر اليها بشغف يتأمل ملامحها البريئه تلك قبل ان يُقربها منه ليهمس فى اذنها بطريقه تقشعر لها الابدان : جوهر وبس ..
لم تفيق من همساته سوى وذراعها ممتده فى الهواء بعد ان ابعدها عنه بخطوات راقصه واسعه وفجأه اختفى عن ناظريها وكأنه لم يكُن ..
تلفتت حولها بحثاً عنه لكنها لم تجده فتوجهت الى حيثُ كانت تقف .. فهو كما ظهر من العدم ايضاً اختفى فى العدم .. فهل كان يُهىء لها !
لكن .. قربت يداها من انفها لتشتم رائحه عطره والتى التصقت بها بقوه .. اذا هذا لم يكن خيال هو بالفعل كان يُراقصها منذ لحظات .. هذه حقيقه ليست درب من الخيال ..
بعد عده لحظات انتبهت على صوت صديقتها يأتى من الخلف : ايوه ياعم ماشيه معاكى
نظرت اليها فجر باستغراب : رحاب !! كنتى فين كل ده
رحاب غامزه : انا بردو اللى كنت فين .. ماانتى اللى كنتى بترقصى ومش فاضيه
فجر بعدم تصديق : ايوه انتى شوفتينى صح يعنى مكنش بيتهيألى
رحاب بجديه : تعرفى فى الاول كنت بحسبه حازم وقولت هو ازاى جه هنا وبيرقص كمان بس افتكرت اخوه اللى حكتيلى عنه .. قوليلى هم ازاى شبه بعض اوى كده اكيد توأم .
فجر بحيره : مش عارفه هو منطقش كلمه
رحاب : يعنى ايه متكلمتوش خالص
فجر بشرود : لا انا بس اللى كنت بتكلم وهو كان بيهز راسه
رحاب بصدمه : اخرس .. ياعينى صحيح محدش بياخد كل حاجه .. معلش يافجر ..
لكزتها فرح بذراعها قائله : بس متقوليش كده بعد الشر عليه
رحاب بمزاح : ايوه بقى محدش يقدر يكلمك دلوقتى وانتى معاكى المز ده ..
فجر باحباط : معايا ايه بقى .. ده اتبخر منى واحنا بنرقص معرفش راح فين ..تفتكرى معجبتهوش
رحاب : ايه اللى بتقوليه ده انتى زى القمر وبعدين هو لسه مشافش وشك اصلا وانتى لابسه الماسك كده ..
فجر وقد لمعت فى ذهنها فكره : يعنى تفتكرى لو شافنى من غير الماسك مش هيعرفنى ! يبقى كده ..
لكن اكملت باحباط : بس هو خلاص عرف انى ساكنه معاهم فى البيت .. كان لازم يعنى اقع زى الجردل كده واقول كل حاجه ..هيقول عليا ايه دلوقتى .. شكلى بقى وحش اوى ..
رحاب : ولا وحش ولا حاجه انا هعرفلك كل حاجه عنه من ايمان .. اكيد تعرفه ..
فجر رافضه : لااوعى تسأليها على حاجه .. انا مش عاوزه حد يعرف انى ساكنه معاه فى نفس الفيلا .. ولا انى معجبه بيه ..
رحاب مؤكده : متخافيش يابنتى انا بس هعرفلك منها ايه نظامه .. مرتبط ولا لا .. واذا كان يعرف حد .. كده يعنى..
فجر باحباط : اكيد واحد زى ده مش هيبقى سنجل لحد دلوقتى يعنى اكيد مرتبط ..
شردت رحاب بنظرها الى احدى الاركان متمتمه بخفوت : لا هو من ناحيه مرتبط فشكله مرتبط جدااا .. مرتبط بالدسته مش بالواحده ..
لم تفهم فجر ماترمى اليه صديقتها فنظرت الى موضع نظر رحاب .. لتجده جالساً وسط مجموعه من الفتيات شبه عاريات .. كلاً منهن تُحاول لفت انتباه اليها بالتغنج والتمايل او لمسه اذا امكن الامر ..
بينما هو يجلس فى المنتصف مُمسكاً كأساً لاتعلم هى محتواه ونظراته مُثبته عليها مع تلك الابتسامه على شفتيه .. بالاضافه الى غمزه سريعه رمقها بها اثناء تحديقها به ..
لاتدرى لما احست وكأن احداً ما سكب فوق رأسها كوباً من الماء المُثلج ..وفى نفس الوقت اشعل من تحتها ناراً مُوقده يصل لهيبها الى قلبها فيحرقه ويحوله الى رماد اسود ..
ذلك الشعور بالتوتر والاضطراب وايضاً تلك الانقباضه فى قلبها والتى تشعر انها تزداد وتزداد حتى كادت ان تبتلعها ..
تركت كأس العصير من يدها باصابع مرتعشه وتناولت حقيبتها لتغادر دون ان تتفوه بكلمه واحده ..
لما تلك الرغبه بالبكاء ! لما تتجمع الدمعات فى مقلتيها !! لما تلك الرعشه بقلبها المنقبض !! لما لا تستطيع السيطره على اطرافها بل تود الجلوس ارضاً والبكاء !!
انطلقت سيارتها بغضب دون ان تُدرك بأنها خلّفت ورائها صديقتها رحاب والتى كانت تنظر فى اثرها باستغراب بعدما حاولت اللحاق بها لكنها فشلت ..
هى بكت .. نعم بكت وبكت وبكت .. تركت العنان لدمعاتها عاطيه اياها امراً بالانطلاق ..
الهذا الحد تغار عليه !! هى لم تعرف شعور الغيره على رجل من قبل ! اهى مؤلمه الى هذا الحد !!
لا هى لاتبكى من غيرتها هى فقط تشعر انها اعطت جزء من مشاعرها لرجل وقح لعوب .. عاشق متجول .. لا يستحق مجرد التفكير به .. اراد فقط الرقص معها .. النساء بالنسبه له جوارى وهو هارون الرشيد ..
لا فرق بينه وبين اخيه ..مغرور متعالِ .. فليذهب كلاهما للجحيم .. بل ليذهب آل جوهر جميعاً الى الجحيم ..
انهت بكاؤها واخذت نفساً عميقاً قبل ان تُعدل من وضع مرآتها لتمسح آثار البكاء تلك خاصه وانها شارفت على الوصول للمنزل ..
لكن فجأه توقفت سيارتها دون اى مقدمات .. فترجلت منها محاوله معرفه مابها لكن بلا اى فائده ..
نظرت حولها يمينا ويسارا حيثُ الظلام يُخيم على الطريق الخالى الا من بعض اعمده الاناره .. خاصه مع بدأ نزول نقاط من المطر المُنذره بكميات كبيره تتبعها ..
اللعنه ..فلا احد يسير على قدميه فى هذا المُجمع السكنى .. الا افراد الامن لكنها لا ترى احداً منهم الآن ..
ازداد هطول المطر ففضلت هى الجلوس بداخل سيارتها حتى تستطيع مهاتفه اباها لكن ايضاً انقطعت شبكات الهاتف بسبب المطر ..
تأففت بضيق الى ان رأت اضواء سياره تقترب من بعيد ..
اغلقت ابواب سيارتها باحكام فهى لاتعلم من يكون القادم بداخل تلك السياره فى ذلك الوقت ..
ساورها الخوف عندما توقفت السياره بجانبها وطرق احدهم على زجاج سيارتها بلطف .. انها لاتستطيع رؤيه وجه ذلك الشخص بوضوح بعد ان امتلأ الزجاج بقطرات المطر المتساقطه .. ففتحت جزء من الزجاج الخاص بنافذتها بحرص وهى تقول .. العربيه عطلت فلو ممكن تشوفهالى من الكبوت لو ت..ق.....د......ر ..
توقفت كلماتها بعدما تسلل الى انفها عطره..فعلمت على الفور انه هو قبل ان تراه.. لكن عندما اصطدمت عيناها بفيروزيتيه تأكدت شكوكها وتلعثمت قليلاً قبل ان تُضيف بكبرياء بعد ان اشاحت بوجهها الى الامام : اتفضل حضرتك شكرا مش عاوزه حاجه ..
استطاعت بصعوبه رؤيته فى الظلام وهو يرفع كتفيه بلا مبالاه ويتوجه الى سيارته .. لينطلق بها ..
ماان انطلق حتى تفوهت بغضب : يعنى كمان قليل الذوق وسابنى كده عادى .. طبعا وهو انا اهمه فى ايه يعنى .. انانى ..
لكن ماان انهت جملتها حتى رأته يرجع الى الوراء بسيارته ويقف بجانب سيارتها مره اخرى ...
ترجل ليفتح باب سيارته الجانبى مُشيراً لها بالقدوم ثم ذهب للجلوس فى مقعده مره اخرى مُنتظراً مجيئها ..
رغم عنادها .. رغم اصرارها ..رغم كبريائها .. الا انها لم تجد مفراً من الذهاب معه .. لذا وبعد كثير من الوقت ترجلت من سيارتها واغلقتها باحكام قبل ان تحتل ذلك المقعد بجواره وينطلق بها الى حيث منزلهما ..

باد بوىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن