- يناير ~ 2001
تكدَّست السُحب محدثةً وشاحًا ضبابي اللون ، لتمنع ضوء الشمس من النفاذ منذ أول مطلع للصباح ،و تلحّفت أغصان الأشجار بالثلوج التي غطت أرجاء المكان ، بينما يسير المارة في خطوات متثاقلة إثر ذلك الجو القارص ، هكذا تقضي 'سول' شتائها في أيام يناير الباردة.
إحدى أيامه المفضلة ، تمهل في خطاه شاخصًا ببصره عاليًا ، حيث يندثر لون السماء و نور شمسها ، أين يوجد اللون الابيض فحسب ، تساقطت بللورة ثلجية صغيرة لتستقر علي أرنبة أنفه، فيختبر شعوها الذي لطالما إستمتع به، تنهد محدثًا كتلة بخارية فالجو، سرعان ما تلاشت حين انزل رأسه للطريق أمامه ، تقوصت شفتاه راسمةً ابتسامةً طفيفة ،ليعاود مسيره من جديد ...
"ارجو ان ترحبوا بزميلكم الجديد لهذا العام " أردفت بوجه بشوش مرحبة بتلميذها الجديد ، و الذي لم يُعرها الاهتمام بدوره ، شاردًا بالنافذة يحدق بالخارج ، إلى أن تحمحمت جاذبة انتباهه، شعر بأنظار الجميع مصوبة نحوه ، ليستقيم متخذًا الاستاذة وجهته ، استشف ملامح الاستغراب في وجوههم ، فشعر بارتجاف أنامله كونه محط انتباه الكثير ،ليزدرد ريقه مُطأطِئ الرأس يحاول تفاديهم واحداً تلو الآخر.
"اُدعي يونغي ، مين يونغي " من بين جميع العبارات التي يُمكن قولها مُعرفاً عن نفسه ، هو اكتفي بذكر اسمه فحسب، ليتوجه عائداً إلى مقعده ،تحت همسات الاطفال حوله ،كالخوف والشفقة، وربما بعضًا من السخرية.
"يبدو غريبًا! "
"لم هو شديد البياض؟ "
"هل سقط في الثلج أثناء قدومه ؟"
"ربما سقطت غيمة كبيرة على رأسه !"أدرك انه سيستمر في سماع تلك التلميحات لمدة طويلة منذ الان ،لكنه قرر تنفيذ وعده بألا يعيرها اهتمامًا ، رغم ذلك الألم الذي وغز فؤاده الصغير.
...
"إذاً ،كيف كانت المدرسة الجديدة؟" بصوت لطيف حاولت ملأه بالحماس ،بعدما لاحظت شحوب وجه طفلها على عكس هيئته صباحاً.
تقدمت منه واضعةً صحون الطعام على الطاولة،ثم اتخذت كرسياً بجانبه لتُحاوط كتفيه بحنان ،أخذ نفساً عميقاً ليزفر طويلاً ،كأنما يريد إزاحة ذلك الحزن بعيدا كحِفنة من الثرى.
" إستمَروا بمناداتي 'ألبينو' ،أيصعب عليهم تذكر اسمي؟"
لم يرفع نظره لها ، بل استمر منزلاً رأسه محارباً تلك الغصة في حلقه ، شدَّ على قبضته حين شعر بارتجافه مجدداً ، مترجياً تلك الدمعة ألا تنساب الآن ، لكنها أبت الإنصياع.
"أدعى يونغي ، فقط"
نطق بين شهقاته ليركض متجهاً إلى الأعلى حيث توجد غرفته ، صوت غلق الباب أعلن عودته لمملكته الصغيرة أين يستطيع البكاء بأريحية، فلن يدع لأحد المجال لرؤية دموعه ،و لو كانت والدته .
"يون!" استحوذها الضعف لوهلة ،هي مدركة تماماً انها وصلت لنقطة لا تستطيع التدخل فيها ،فطفلها الصغير يأبى مساعدة اي أحد حين يتعلق الأمر بمشاعره ، لاحقته لتقف أمام غرفته ،و قلبها يخبرها أنه يستند بظهره باكياً مِن الناحية الأخرى للباب.
جَثت على ركبيتها بينما وضعت إحدى يديها على الباب ،كأنها وضعتها للتو على كتف إبنها لتحاول مواساته ، أغرورقت عينيها شاعرة أن العالم يُغلِق أبوابه لصغيرها الذي لم يتعدي الثامنة من عمره ،لكنها لم و لن تسمح لتلك الغلطة ان تتكرر من جديد.
مسحت ما تبقى من دموعها و نهضت بسرعة متوجهة لغرفتها ، لتعود إلي غرفته مجدداً بعد حين غُرة ، ممسكة دفتراً صغيراً أزرق اللون ، لتمرره عبر الفتحة الصغيرة أسفل الباب.
"تعلم ، حين كنت أنزعج من أمر ما لم أجد سوى صديق واحد لإخباره "
توقف عن البكاء لوهلة ،ماسحاً وجهه بكم سترته ، وجه زمرديتاه نحو ذلك الدفتر الصغير حيث فهم مقصدها ،ليمسك به بعدما انتظمت أنفاسه ليهدأ من جديد ، تنفس الصعداء محاولاً طرد مواقف اليوم من رأسه، هو لا يريد أن يتذكرها ،لا اليوم ،ولا أبداً.
"أقمري ليس ضعيفاً ،لكن الأقوياء فقط من يستطيعون التخلص مما يزعجهم"
أردفت بنبرة دافئة لتبتسم برضا ،بعدما شعرت بإنتظام أنفاسه و توقفه عن البكاء ، وجدت مقبض الباب يتحرك لتمرر أناملها على وجهها متأكدة ألا مزيد من الدموع ، ليظهر من ورائه ممسكاً دفتره الصغير ، نظر لها مطولاً لتمسك أنامله الباردة تُنعمه بدفء خاصتها ،و ما هي دقائق ليرتمي بحضنها و تبادله هي الأخرى عناقاً دافئاً.
"شكراً ،أمي" نطق بنشوة رغم حشرجة صوته إثر البكاء ، لكنه شعر بذلك الحزن يُسلب منه كما الكهرباء التي تنتقل بين موصلين ،لربما هو أقمرها ،لكن ما لا تعلمه هي انها نجمته ، والوحيدة التي تزين محيط سمائه السوداء....
" عثر الأقمر على نجمته "
_______
أحب أوجه شكري لـ غاردينيا خاصتي ،لأنها ساعدتني ووقفت جمبي لحد م قدرت أرجع أكتب تاني ،سواء بإيجابيتها أو بإقتباستها ال خلتني أكتب معاها او بعرضها لي إني اشارك بالمسابقة و أقدر ارجع تاني لعالم الكتابة.
و شكراً لأصدقائي من أباطرة الأبجدية ،لأنهم مسابونيش و فضلوا ورايا لحد ما قدرت اكتب.
و شكراً لحلقة أحمد سمير - إيجيكولوجي- عن سكان القمر وال بدورها ألهمتي لفكرة القصة دي.
و آخر شكري أوجهه لأغنية moon و لـ جين ال اجتهد عشان يوصل مشاعره فالأغنية دي!
المكتوب تحته خط بيكون ال بيكتبه يونغي بالدفتر +لل مش فاهم يونغي يعاني من مرض إسمه المهق أو البهاق -أسيبكم مع جوجل لو عايزين تعرفوه اكتر- أقمر يعني شديد البياض ،و دي حالة يونغي.
-القصة مشاركة بمسابقة 'حكاية مارس'
ArabicSpring- دمتم بأمان الله... 💜
أنت تقرأ
أقمر
Short Storyغَدَوتُ أبحثُ عَمَّا يُشبهني ،حتى وجدتكِ فاستهواكِ فؤادي... - بدأت 25 /3/ 2020 -انتهت 2020/4/10 -فائزة بمسابقة الربيع العربي -حكاية مارس