ڤيولّا والربِيعُ الحَزين.

[١]

بينما كنت أمتع عيناي بزرقة المحيط الصافية، هبت نسمة ربيعية منعشة فماءت قطةٌ طلساءٌ¹ مسترخيةً لتتجه حدقتاي نحوها، قهقهت بهدوءٍ متمنيةً ألا تكون سبباً في سوء حظٍ كما يقولون.

نفث التنين لهبه محتجاً، وعوا المستذئب ساخطاً...
في وسط اجتماعٍ للنقاش بين المخلوقات الأقوى على وجه الأرض، تقاذف التنين والمستذئب التهم بين من محى الربيع، فحاولت المخلوقات الأخرى تهدئتهما حتى صرخت العنقاء غاضبةً: «يكفي!» طافت حولهم برجليها الشبيهين برجلي الطائر ثم أردفت: «أياً كان سبب اختفاء الربيع فإننا لن نجده حتى نتفق ونتعاون، أعلم أنه أمر صعب أن تتخلوا عن نرجسيتكم المفرطة لكن بربكم حاولوا هذه المرة فقط!»
نهض قائد الأقزام ديمان وهو يقول ممسكاً بورقة: «سأبدأ أنا في توضيح ما توصلنا إليه، مضى شهران والشتاء قائم والربيع لا أثر له أبداً، من ناحية العلم فإن الكرة الأرضية في موقعها الطبيعي ككل سنة ولا يظهر أنه هناك تأثير علمي على اختفاء الربيع.»
وبعد جلوس القزم نهض مصاص الدماء نركسوس مفصحاً النتائج التي خلفها بقاء الشتاء: «حيوانات ونباتات قريبة من الإنقراض، شعب المخلوقات الأسطورية يعاني أمراضاً قاتلة، وكثيرٌ منهم يموت باستمرار ليس بسبب البرد الصاعق فحسب بل هناك تغيير آخر لا نعلم ماهيته يؤذي أجسادهم.»
فقالت العنقاء بتوجسٍ: «هذا خطير! يبدو أنّها إحدى اللعنات المحكمة التطبيق.»
قال التنين هيدرا ذو الثلاثة رؤوسٍ مزمجراً: «أولئك الساحرات الحمقاوات!»
ثم نهض المستذئب أدريان من مكانه وطرق على الطاولة بقبضته والشرر يتطاير من عينيه: «سنقلب بيوتهن رأساً على عقب إن لم يلغين التعويذة!»

هبطت الساحرة الحاكمة ووزيرتها على البلاط الملكي للطير العنقاء، فانحنت الوزيرة احتراماً وصدحت الساحرة حين رأت عيوناً حانقة تحدق بها: «مرحباً يا معشر الحكام، أخبروني ماذا جرى؟ لم الثلج يهطل، أليس هذا فصل الربيع لديكم؟»
صرخ أدريان: «توقفي عن التحامق وإلا خلعت رأسك.»
ثم نطقت العنقاء كاتمةً بغضها: «إذاً ما الذي تريدينه مقابل إبطال التعويذة؟»
عقدت الساحرة رايني حاجبيها متساءلةً: «أي تعويذة؟»
قال التنين وهو يشزرها بعيونه: «اعترفي الآن، لأننا سننهي دولتك إن لم تفعلي...»
قلبت رايني عينيها ناظرةً نحو الجميع وهي تحاول أن تقنعهم: «أياً كان ما تقصدونه فأنا لم أقم بأي تعويذةٍ مؤخراً!»
سألها القزم ديمان وهو يمسد لحيته: «وما هذا الشتاء؟ أليس تعويذةً قمت بها لتسيطري على دولنا؟»
بررت الساحرة: «لا بالطبع! إن هذا الأمر له أسبابٌ علمية ولا دخل لي بها.»
اقترب نركسوس بتأنٍ منها ثم حدقت عيناه الدمويان بخاصتيها الكهرمانيين: «هل تذكرين أختك هاميس وكيف أنكرت تسميمها؟ ثم اتضح أنك قمت بذلك لتصبحي ملكة.»
توترت رايني بشدة وهي تقول: «وما دخل هاميس بهذا؟ لقد أصبح ذلك من الماضي الآن.»
وبنبرةٍ جامدة نطق نركسوس: «نعم، إنه ماضيك يا جلالة الملكة.»

تشكلت حلقةٌ من أقوى وأشد الساحرات مهارةً، لتطبيق أحد أصعب التعويذات على مر تاريخ السحر، إنهن ينوين التواصل مع 'فصل الربيع'!
وبما أن فصل الربيع يتحدث بلغة الطبيعة فلقد جلسن في وسط غابةٍ موحشة ينتظرن انسياب كلمات الربيع أو فلنقل توهج أوراق الأشجار، أملت الملكة رايني أن تنجح تعويذة التواصل وإلا فضح أمر قتلها لأختها بين شعبها الذي كان ليفضح سابقاً إلا أن بقية الحكام علموا قدر ظلم هاميس لشعب الساحرات فتستروا على الأمر، والآن أمر حكمها مرهون باستجابة فصل الربيع وعودته للعالم...
مضت ثلاث ساعاتٍ وهن يكررن الكلمات ذاتها راجيات الربيع أن يستحيب لنداءهن.
ثم فجأةً...احتدمت² عدة ورقاتٍ مكوناتٍ جملة: «أين هي؟!»

♡…～…～…～…♡

1: طَلسَاء: سَوداء.
2: احتدمت: لمعت.