[القصة]

53 9 7
                                    

《أنقذني أرجوك أنا أسقط!》 صدحت شهلاء متوسلةً لذاك الولد الذي تذكر أنها رأته سابقاً، استجاب ذو القبعة الدموية والشعر المدلهم الذي انسدل على وجهه حاجباً ملامحه لنداء الفتاة المسكينة، أمسك بيدها وجرها بعد أن كانت تتعلق بيدٍ واحدة على حافة جبل شاهق، تساقطت دموعها وخفق قلبها رعباً وهي تشكر الفتى المجهول، سألته عن أسمه فقال لها بنبرةٍ حنونة:《ألا تذكرين أنني قد أخبرتك به مسبقاً؟ إنه ذو الندوب يا عزيزتي، أرجو أن لا تتضايقي من شعري الغريب فأنا أحبك ولا أريد أن تذعري من شكلي القبيح، فقمت بتغطية وجهي من أجلك.》قالت له شهلاء بفضولٍ مطمئنةً:《لا، أقسم لك أنني لن أرتعب! فقط أزح خصلاتك ودعني أرى وجهك.》 وافق ذاك المراهق ذو البذلة القانية، فارتفعت أنامله المغطاة بالقفازات الأنيقة الفاحمة تزيح الخصلات الناعمة ليظهر محجريه الخاليان من العينان ووجهه الذي تكدس بندبٍ كانت قد حفرت بوحشية، صرخت الفتاة ذعراً وهي تغمض عينيها وتهز رأسها يميناً وشمالاً بسرعةٍ تحولت لسرعة المروحة في الدوران، سألها خلال ذلك بصوتٍ متردد:《قبل أن تذهبي أخبريني هل يمكننا تشارك جسدك لبعض الوقت؟》

انتفضت ذات السبعة عشر شتاءً من سريرها وهي تمسح العرق الذي غطا وجهها الأسمر، ذو الندوب ذاك ظهر في حلمها سابقاً وشعرت حينها بأنها قد رأته سابقاً وتكلمت معه، إلا أنها لم تتذكره أبداً، تساءلت في نفسها متوجسةً: ماذا كان يقصد بتشارك الجسد؟ هل ذلك لم يكن إلا خيال ابتدعه عقلها ليبرر تشخيصها بـ(اضطراب الهوية التفارقي¹)؟
كان ذلك قبل خمس أيامٍ حين زارت مع والدتها الطبيب النفسي الذي يعالج رهاب المرتفعات المصابة به، وعندما لاحظ تصرفاتٍ غريبة تقوم بها فحصها أكثر من مرةٍ ليأكد وجود الإصابة بذلك الاضطراب، وقد أجريت عليها تجارب لأن أسباب الإصابة لم تكن كالأسباب المعتادة، بل يبدو أنهم قد اكتشفوا أسباباً جديدةً له، أما هي فلم تكن أبداً بحالٍ جيدة لتتعرض لكل تلك التجارب، فعملية والدها الجراحية في الدماغ قد وضعتها في دوامة صدمةٍ وشوقٍ للقائه.

فتحت حاسوبها وهي تنبش عن معلوماتٍ تتحدث عن ذو الندوب، وتساءلت إن كان أسطورةً أم خيالٌ قد نبت في عقلها؟
كبست على المفاتيح اللازمة فظهرت لها صورٌ هي ذاتها التي رأتها في حلميها، تمتمت:《إذاً يمكن تشخيصي بمرضٍ ثالث الآن.》 فتحت موقعاً إلكترونياً يتحدث عن تفاصيل الأسطورة فكتب فيه: أطلق عليه ذو الندوب لأن كل من رأى وجهه الحقيقي كان قد زعم وجود عشرات الندوب التي تغطي ملامحه، لقد كان هذا المراهق في طفولته يعاني من والدةٍ مصابة بأمراضٍ حادة تمنعها من السيطرة على أفعالها فتقوم بضرب ولدها وسلخ وجهه بلا رحمة، وجد الطفل ميتاً في منزله والدم يقطر من محجريه بعد أن تم اقتلاع كرتي عينيه ذات اللون القرمزي وقامت والدته باقتلاع عينيها ذات اللون نفسه ثم بالانتحار بقربه وهي تحمل الكرات الأربعة، فدفنا في مقبرة المدينة لكن روح المراهق لا تزال طليقة تبحث عن الإنتقام بواسطة طرق مجهولة للجميع حتى الآن.

محجَرينِ غائِرين.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن