2|حِلف الشُّوكولاتَة

3.6K 571 325
                                    

اعتادَت غاهيون على قضَاء أغلبِ وقتِها في المكتبة، مُذ أنَّها مُحبَّة للهُدوء، وهُو النِّعمة الَّتي افتَقرت إليها طوالَ فترةِ الحَجر، الَّتي سُرعان ما تطوَّرت في بوسان واحتَذت بسول، حيثُ صارَ حظرُ التَّجوال كُليًّا وغير مُقتصرٍ على الفترة المسائِيَّة.

اشتاقَت كثيرًا إلى المَكتبة الَّتي لطالَما احتَوت مُقلتيها، لشغفِها العَظيمِ بالقِراءة، وإلى الحديقَة العامَّة الَّتي لطالَما التجأت إليها خِلالَ المساء، بالتَّحديد موعِد عودةِ والدِها مِن العَمل، هربًا مِن الضجَّة النَّاجِمة عن اصطِدامِه بوالدتِها، تمنَّت في كثيرٍ مِن الأحيان أن يفكَّا قيدَ الزَّواجِ مِن سبَّابتيهما لعلَّها تعيشُ في سلامٍ مع أحدِهما!

حتَّى أنَّها اشتَاقَت إلى الجامِعة، للمَخلوقاتِ المقيتَة الَّتي تصولُ وتجول فيها، وإلى معشَر الأساتِذة الصَّالحين والطَّالحين!

السَّاعةُ تُشيرُ إلى العاشِرة، كانت الأُسرةُ كلُّها مُجتمِعةٌ على مائِدة العَشاء، يتَقاذفونَ بنظراتِ البُرودِ كأنَّهم أعداءٌ زجُّوا في زِنزانةٍ واحِدة، قبل أن يندلِع نِزاعٌ عنيفٌ بينَ الزَّوجين، بسببِ تعليقٍ طفيفٍ باحَ بِه السيِّد لي بدافِع المُزاح!

لم تلبِث غاهيون كثيرًا حتَّى نهضَت عن مقعدِها وصَرخت.

" لِم لا تتطلَّقان فحسب! "

ولأنَّ الغضَب أعماها عجزَت عن التحكُّم في قدميها حينَما اقتادَتاها خارِجَ المنزِل، تِلك الجُدران الَّتي باتَت تخنقها بشدَّة، وتمشَّت بينَ الأزقَّة المَهجورَة بِلا وجهة، عسى أن تُنعِش رِئتيها، فهذا الحجرُ سيقضي عليها قبل أن يُدرِكها كورونا!

تباطَأت خُطواتُها رويدًا رويدا، وأدركَت أنَّ ما اقتَرفته خطأ، ليسَ كلامُها بالطَّبع بل مُغادرتها للمَنزل، رغمَ خطرِ رصدِها وتغريمِها.

ما كادت تنعطِف حتَّى ركَنت سيَّارةُ الشُّرطة إلى الرَّصيف الَّذي كانت تمشي عليه، والأضواء الحمراءُ والزَّرقاء تتلألأ على قِمَّتها. نزَل مِنها شابٌّ في بِداية الثَّلاثينات، حامِلًا بيدِه لوح شوكولاتَة مفرومَ المُقدِّمة، نِصفه عارٍ -هو وجبتُه اللَّيليَّة لسترِ جوعِه- واستَهدف مكانَ وقوفِها بحزم.

" أنتِ مُجدَّدًا؟ "

" أنتَ مُجدَّدًا؟ "

لفظَا بالآن ذاتِه.

وبعَد لحظاتٍ اتَّكأ على بابِ السيَّارة مُتهكِّمًا:

" أهِيَ مُشكلةٌ نِسائيّة أُخرى؟ "

احمَّرت خجلًا بينَما تتدفَّق الذِّكرياتُ في رأسِها، ظنّت أنَّها لن تلتقِيَه مُجدَّدًا لذلِك قالت ما قالته آنذاك...

I owe it to you | B.BHحيث تعيش القصص. اكتشف الآن