الفصل الثاني والعشرون

49.8K 2.3K 497
                                    


الفصل الثاني والعشرون

توسطت في المقعد الخلفى بالسيارة لتجلس بين توأمتها وزوجته، استقامت في جلستها غير المريحة ليبدو انعكاس وجهها واضحًا في مرآة "تميم" الأمامية، عمدت "فيروزة" إلى النظر إليه بكل ما تعكسه عينيها من كراهية وبغضاء لتستفزه أكثر، كانت تبحث عن السبل المشروعة وغير المشروعة لاستثارة أعصابه وإخراجه من طور الجمود المتحجر الذي يحبس نفسه بداخله، وكأنها بذلك تتحين الفرص لإفساد الخطبة، إما عن طريقه أو عن طريق قريبه المشابه له، أبعدت نظراتها حين سألتها "خلود":

-تحبوا تروحوا مكان معين ولا تسيبوني أختار على ذوقي أنا؟

أجابتها ببرودٍ وهي تهز كتفيها:

-مش فارقة.

ابتسمت مضيفة في مرح:

-طب نسأل العروسة، إيه رأيك؟

أنابت عنها "فيروزة" في الإجابة:

-إن كان على "همسة" فهي مش عاوزة تروح في حتة.

تدخل "هيثم" في الحوار معلقًا بامتعاضٍ بائن على وجهه:

-والله محدش طلب رأيك، هي عندها لسان، خليها تتكلم

وقبل أن تبادر بالهجوم عليه، وضعت "همسة" يدها المرتعشة على قبضة أختها تستحثها في رجاءٍ صامت ألا تختلق أي مشكلة، وحركت شفتيها ليخرج صوتها مهتزًا وهي ترد بحيادية:

-أي.. حاجة، كله مناسب عندي.

تبادلت "فيروزة" معها نظرات لائمة، لم تحبذ الظهور بمظهر الضعف والتخاذل مع هؤلاء حتى لا يقتنصوا الفرصة ويتكالبوا عليها، لتدع الأمر لها لتضعهم في مقامهم الذي يليق بهم .. رنة خافتة صدرت من هاتف "فيروزة" جعلتها تنتبه له، وتعبث به للحظات، وكأنها وسيلتها المؤقتة للانشغال عن السخافة المحيطة بها، بينما هتفت "خلود" من جديد كمحاولة أخرى ناجحة منها لتقليل الأجواء المشحونة:

-في مطعم على البحر هنا الكل بيشكر فيه، إيه رأيكم نجربه؟

قال "تميم" غير ممانع ونظراته موجهة نحوها من خلال انعكاس المرآة:

-طالما عاجبك يا حبيبتي نروحه.

امتدت يدها لتلمس كتفه، وقالت في امتنانٍ رقيق:

-حبيبي ربنا يخليك ليا.

لم تستسغ "فيروزة" ما يدور بينهما من مشاعر متكلفة، شعرت وكأن كلاهما يستعرض محبة زائفة فقط لإغاظتها، أبعدت نظراتها في ضيق عن التحديق بالمرآة لتنظر إلى جانبها، كانت أختها تحملق بشرودٍ وتوتر في الطريق، تكاد تشعر بتأثير البرودة على بشرتها بالرغم من اعتدال الطقس، مسحت برفق على كفها فاستدارت "همسة" نحوها، رأتها تبتسم لها في لطفٍ ونظراتها تطمئنها، أحست بالارتياح لكونها إلى جوارها، وتمنت في قرارة نفسها أن تمضي الليلة على خير، وإن كانت غير متفائلة بالقادم.

الطاووس الأبيض ©️ (الجزء الأول) ✅ - كاملحيث تعيش القصص. اكتشف الآن