لا تعد أسطورة إيكاروس من أشهر الأساطير الرومانية فقط، بل تعتبر أشهر الموجودات في التراث الإنساني، وذلك حيث تجسد الأسطورة حب المعرفة، وخطورة الجهل، وكيف يمكن للخط البسيط الفاصل بينهم أن يؤدي إلى ضياع الإنسان إلى غير رجعة.
تقوم الميثولوجيا بسبب بعض الأمور، أحيانا يرى الناس أنها المفسر الوحيد لما يجهلونه في الطبيعة، والحياة، والحياة الأخرى، وأحيانا بسبب تعلم حكمة معينة، أو حتى التحذير من بعض الأمور، وهكذا الحال في أسطورة إيكاروس الشهيرة، تم صياغتها لإظهار حكمة معينة، والتحذير من أمور أخرى، وسنعرف هذه النقاط خلال تفاصيل الأسطورة التي سأسردها، لكن أولا يجب أن نعرف أنه وبالرغم من شهرة الأسطورة باسم أسطورة إيكاروس فقط، إلا أن للأسطورة بطلان، وهما إيكاروس، وأبيه ديدالوس، ولعل شهرة الأسطورة بهذا الاسم هو لمحاولة توصيل الحكمة المراد توصيلها منها.
- ديدالوس الحرفي المشهور
قبل ولادة إيكاروس بسنوات، كان ديدالوس المخترع العبقري والأشهر في بلده أثينا، فكان يعمل نحاتا وحرفيا، بل تقول الأسطورة أنه هو من اخترع حرفة النجارة، وكل الأدوات التي تستعمل في حرفة النجارة الآن، كما كان له الفضل في إنشاء بعض الأشياء التي لم يكن لها وجود من قبل مثل: الحمامات العامة، وحلبات الرقص؛ وبلغت مهارة ديدالوس في النحت أنه نحت تمثالا مشابها للبشر لدرجة كبيرة، حتى أن هرقل وقف يتكلم معه وكان ينتظر ردا. بحجم شهرة ديدالوس ومهارته كان حسده وغيرته، وكانت هذه الصفات تظهر بشكل واضح إذا تحدث أحد عن أبن أخيه الحرفي الماهر، وفي النهاية خاف ديدالوس أن تفوق شهرة أبن أخيه شهرته، فتسلل وقتله، وبسرعة تم اكتشاف هذه الجريمة.
- معاقبة ديدالوس وفرصة أخرى
وكان عقابه أنه نفيَّ إلى جزيرة كريت، وتم حرمانه من دخول أثينا مرة أخرى، لكن مع عبقري كهذا لم يكن العقاب عقاب، وذلك حيث كانت شهرته تسبقه إلى كريت، وعند وصوله وجد الملك مينوس ملك جزيرة كريت يستقبله بنفسه، رحب به ترحيبا حارا وأنزله بقصره، وعمل معه كمستشار للفنون في القصر الملكي؛ وبالطبع لم يحترم ديدالوس الحدود كالعادة، وكان يفعل ما يثير مشاعره، قام بصناعة لعب متحركة للأطفال، واخترع سفينة للبشر يمكنها التحكم في الرياح وأعطاهم إياها سرا، ومع كل اختراع جديد كان يتخطى الحدود التي تفصل بين الآلهة والبشر، ولم يستمر الأمر كثير حتى كسر هذه الحدود بشكل نهائي.
- خطأ ديدالوس وعقابه للمرة الثانية في أسطورة إيكاروس
كسر ديدالوس كل الحدود عندما لعن الإله بوسيدن إله النهر، زوجة الملك مينوس الملكة باسيفاي، وكانت لعنته هي أن تقع في حب ثور أهداه مينوس لبوسيدن كهدية ليسخر منه، وتحت تأثير اللعنة ترجت باسيفاي ديدالوس كي يساعدها، وبالفعل قام بعمل بقرة خشبية مجوفه واعطها إياها، ونجحت الخطة، وتفاجئ القصر الملكي بأكمله عندما أنجبت باسيفاي مسخا، نصفه ثور، ونصفه إنسان، وهنا عرف الملك ما حدث وغضب على ديدالوس، لأنه يحرف في قوانين الطبيعة ولا يلتزم بأي حدود؛ طلب الملك من ديدالوس أن يقوم ببناء متاهة لا مفر منها ووضع بها المسخ المولود، وكانت المتاهة أسفل القصر الملكي، وبعد انتهاء ديدالوس من عمله تم الحكم عليه بالسجن، وسجنه هو جلوسه في قمة أعلى برج في جزيرة كريت، وسيبقى هكذا طوال حياته، ولم يمر الكثير من الوقت حتى أرسل له ابنه إيكاروس ليسجن معه.
- محاولة للهروب
ظل ديدالوس يفكر في حل يخلصه من هذه المشكلة، وعندما نظر إلى السماء كان الحل واضحا أمامه إنه الطيران، فقط مثلما تفعل الآلهة والطيور، انتظر الإثنين وقوف أسراب الطيور على البرج، ثم استخدموا ريشهم وبعض الشمع من الشموع، وصنعوا أجنحة ضخمة لهم. في البداية قام ديدالوس بوضع زوج من الأجنحة على ابنه ثم حذره من الطيران بجوار المحيط لأن هذا سيصيب الأجنحة بالرطوبة ويثقل الأجنحة ويجعله يسقط، والتحذير الثاني هو ألا يطير لأعلى باتجاه الشمس، لأن هذا سيذيب الشمع في الأجنحة ويجعله يسقط، لهذه الأسباب تكمن النجاة في الطيران في المنتصف فقط بين المحيط والشمس.
- أسطورة إيكاروس وديدالوس
هنا فقط تبدأ أسطورة إيكاروس بشكلها الحقيقي، أكد الأب الإرشادات مرة ثانية، ثم قفز الإثنين من البرج، وكانوا أول من يقوم بالطيران من البشر، ومع مرور الوقت بدأت النشوة تصيب إيكاروس، كان ينظر لنظرات الناس إليه من الأسفل ويشعر أنه إله، ظل يرتفع ويرتفع، لم يسمع صراخ أبيه ولا تحذيراته، فقط كان يود أن يشعر أنه فوق كل شيء ويرى كل شيء، ومع الارتفاع بدأت الشمس تتسلل بين جناحيه، وتذيب الشمع فيهم، وفجأة بدأ الريش يرتك الريش، والجناح يترك إيكاروس حتى بدأ في السقوط، ومات في النهاية داخل المحيط. ولم يستفد ديدالوس شيء من خرقه القوانين إلا أنه خسر أبنه، وسيعيش مدى الدهر نادما. وهكذا نكون قد أنهينا شرح أسطورة إيكاروس بكل ما تحمله من تفاصيل، وعلى الرغم من بساطة الأسطورة والأفكار التي تحملها، إلا أن هناك الكثيرين ممن يستخرجوا من هذه الأسطورة الحكمة ليل نهار، وتعتبر الحكمة الأشهر التي ترمي إليها الأسطورة هي حب الإنسان للمعرفة، ويرمز للمعرفة بالشمس، وإيكاروس بجناحيه هو الإنسان الذي يحاول الوصول للمعرفة، والتي كانت من الممكن أن تنقذه إذا اعتدل في النهل منها، لكن عند مبالغته في طلبها، ومحاولته في أن يعرف ما لا يجب أن يعرفه، مات في النهاية، ويشار للماء والرطوبة بالجهل الذي يثقل الإنسان ويقتله أيضا، والحل الوحيد لكي يستطيع الإنسان أن يظفر بنفسه وحياته هو أن يعيش حياة متوسطة، لا يبالغ ولا يغالي في شيء، وهنا فقط سيتخلص من السجن ويعيش حياة كريمة .
أنت تقرأ
حوادث وظواهر غامضة ومرعبة
Misteri / Thrillerنتحدث هنا عن الحوادث والظواهر الغريبة التي لم يجد لها تفسير ونحدث عن أساطير الحضارات القديمة .