_ أرجوك .... لا تقتله
قال بصوتٍ اكتسحه البرود :
_ ارحلي...لا تلتفتي خلفك ... اذهبي ....
حاولت أن تحرك ساقيها... رفضتا الإنصياع ...كم تود الخروج من هذا المكان الذي كان في يومٍ حلماً جميلاً ... لكنه الآن أصبح شاهداً على اغتيال طهرها و نقائها ... قرأ قصى في عينيها ألمها و عذابها .... اقترب منها ... أمسك كفها يسحبها للخارج ... لم تقاومه.. سارت وراءه كما لو انها مقيدة به ... أراد أن يحتضنها بين ضلوعه .... لكن قلبه كان يصرخ و يستنجد ... لم يملك شيئاً ليقدمه ... سوى فعل ما اعتاده ... القتل .... فتح باب الشقة ..أخرجها ... نظر الى عينيها الدامعتين ... اين ذهب ذلك البريق ؟؟ ... لقد ضاعت منه ... ماتت .. ام هو من مات ؟؟ .... أغلق باب الشقه و .... و اغلق معه آخر أبواب الأمل ... جاهد على أن ألا يكون صوته العاشق لها من يتحدث اليها :
_ الى الشرطة ... الآن
عاد الى جسد حاتم القابع على أرض الغرفة التي شهدت اغتيال أمنياته و أحلامه .... جلس القرفصاء يتطلع الى ذلك العدو الذي لم يحسب له حساب ... منذ أن قتل والده بالتبني سيطر على كل مسارب حياته ... لم يسمح لأحد بالوقوف بطريقه أو إيذاءه ... حتى مشاعره تحكم بها ... اللجمها بالقسوة.... لم يتمكن الحب من اختراق صلابته ... و إن اقتربت إحداهن من منطقة الخطر كان يقصيها من حياته... تنقل بين النساء ليستجدي نوبات الحب الزائلة ... لكن سلام ... سلام كانت مختلفة ... سمح لها بأن تفعل ما تشاء بقلبه .... جعلته يخفق من جديد ... شعر بطعم الحياة .... و النتيجة كانت الألم .... و القهر ... هزمته بضعفها .... قتلته بجراحها
نهض ليتناول كوب الماء الموضوع على المنضدة و هو يخلع القناع و الشعر المستعار ..... دسهما بجيبه ... سكب محتوى الكوب على وجه حاتم و هو يقول:
_ أفق ...أفق لترى وجه قاتلك قبل موتك أيها الوضيع
انتفض جسد حاتم ... ليقف سريعاً واضعاً يده على حلقه المتورم بسبب الضربة التي تلقاها قائلاً بصوتٍ مختنق :
_ انت ... ما الذي فعلته و اين سلام ؟؟
_ لا تنطق اسمها على لسانك القذر
_ من أنت ..ما الذي تريده ؟؟
قال بصوتٍ اكتسحته برودة الصقيع
_ طلقها ...
_ لا بد أنك قد جننت ... أنت قصي ؟؟
أطلق رصاصته الأولى على قدمه ليصرخ حاتم متألماً و هو يسقط على الفراش
اقترب قصي و هو يقول بصوتٍ فقد الحياة
_ طلقها
_ انت مخبول ... ما الذي فعلته ؟؟؟
أطلق رصاصته الثانية على كتفه ليعاود صراخه و هو يضرب الفراش بقبضة ذراعه السليمة من اشتداد الألم
_ طلقها
نظر حاتم لذلك المجنون بذعر... لكنه هز رأسه رافضاً هذه الفكرة ...ليس بعد أن أعادها لعصمته و خدعها بقصة بيت الطاعة ... كان على الشرطي فقط ان يسجل رفضها العودة لبيت الزوجية حتى تسقط نفقتها ... ولكنه اقتنص فرصته و قد ربح
اقترب قصي منه كما لو كان يسمع أفكاره القذرة ... غرز مقدمة المسدس بجرح كتفه و هو يديره
انطلقت منه صرخت ألم مدوية ... ألم لم يعرفه بحياته كلها
قال و هو يشدد على كل حرف
_ طلقها
تعرق جسد حاتم و ارتجف .. أصبحت شفتاه بيضاء كما الأموات ... أنفاسه مضطربة و قلبه يخفق بجنون ... أصبح يتأرجح بين الإغماء و اليقظة ..
_ إنها طالق .. طالق
ارتجف جسد قصي على وقع كلمته ... أخرج نفساً مشتعلاً من صدره ... و هو يسحب المسدس من جرح حاتم ... الذي شهق بقوة
وضع فوهة المسدس الدامية على صدغه .... حدق بعيني حاتم المذعور و هو يقول :
_ لقد قضيت على أخر أمل لي في الحياة ... قتلت الرمق الأخير من روحي .... للحظة ظننت أني سأعيش كإنسان طبيعي ... أكون عائلة ... و أنجب أطفالاً.... كنت على استعداد بأن أنسى الماضي ... لكنك قتلتها ... ذبحت روحها .... كسرتها و لا أعلم إن كانت سوف تشفى في يوم ...
أطلق رصاصة .. و ثانية ..ثالثة .....أستمر بالضغط على الزناد حتى بعد نفاذ الذخيرة ... اراد ان يقتله الف مرة ... لكنه لا يملك الا روحاً واحدة ... وضع المسدس بجيبه .... أخرج بطاقة الشبح... القاها على جسده و هو يقول:
_ لولا خشيتي من تورط سلام في مقتلك .... لما ألقيت هذه البطاقة ...قصي اليوم قد قتل .... ليس الشبح من فعل
خرج بخطى متعثرة لما يعهدها ... بقلبٍ مكسور ... و روحٍ ضائعة ... لأول مرة يشعر بمعنى الانسانية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــ
أسرعت بخطاها لا تعلم اي سبيل تسلك ... تتمنى العوده لذلك البحر لتلقي بنفسها و ترتاح ... طرقت هذه الفكره عقلها بعنف ... تعثرت .... سقطت حاولت النهوض ...لم تمتلك الطاقة ....شعرت بنفسها تغرق في السواد... صوت من بعيد نادها.... ... حاولت الرد .....أن ترفع رأسها ..... لكن الهموم اثقلتها و كسرتها ...شعرت بيدين تطبقان على كتفيها .... لم تمتلك القدرة على المقاومة ...
_ سلام ..... سلام ... انا معتصم .... ما الذي يحدث معك... سلام
قالت بصوتٍ خافت:
_ سيقتله .... قتلني .... سيقتله
_ سلام ...!!!
_ قتلني ...قتلني ...
شعرت بالمياه تغسل وجهها ... تسارعت انفاسها .... زاد نبضها اضطراباً مع عودة إدراكها .. نظرت الى معتصم الذي كبر فوق عمره سنوات كثيرة
_ معتصم ..معتصم ... هناك رجل سيقتل حاتم ..... سيقتله في الشقة
_ هل انتِ متأكدة ؟؟
هزت رأسها بقوة مأكدة كلامها من وسط دموعها التي لا تتوقف عن الانسكاب مع انفاسها المضطربة و المرهقة...
_ لنذهب الى الشرطة ..... هل تستطيعين ذلك ؟؟ يجب أن نبلغ عن الأمر ..أخشى أن تتورطي بالأمر ما لم تفعلي..السيارة قريبة
_ حسناً
ساعدها على النهوض بسيرها المتعثر انتبه للعلامات التي غطت رقبتها ... توسعت عيناه و هو ينظر لأخته بحسرة
_ سلام ..... مالذي فعله بك هذه الوغد ؟؟
أطبقت بأصابعها على ذراعه التي تستند عليها و هي تنظر أرضاً ... رفع معتصم رأسه الى السماء و هو يبتلع ريقه .... دمعتين حرقتا وجهه .... نظرت اليه سلام ليزداد احساسها بالألم و القهر و الإنكسار ....
_ أخي
_هيا يا سلام .... هيا لنذهب الى مركز الشرطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
نام على الأريكة المتواجدة في مكتبه .....لم يطق العودة الى منزله الخالي من نور حياته .... كم يبدو موحشاً من دونها ...لم يكن تائهاً وضائعاً في حياته كما هو الأن ... ما الذي يحدث معك ؟؟ لما تتشابك خيوط حياتك أكثر و أكثر ... كيف يمكن ان تستعيد دلال القديمة .. المرحة ..الطفولية العابثة .... كم هي بعيدة رغم قربها ..... كم اشتاق اليك دلال ... كيف تتقبلين بعدكِ عني ... منذ متى أصبح فراقنا سهلاً عليكِ ... كم تمنيت أن تتراجعي عن موافقتك على زواجي ..أردت منك أن تقاتلي و تتمردي ... لكنك تصرين على إغراقي معك في مصيرٍ مجهول ...تريدين ان أكون سبب جرحك و وجعك !!!.... جزء مني يتمنى أن ترفض ياسمين هذا الزواج ... صدقيني عندها سوف أحملك الى منزلنا و أحبسك حتى لا تفكري بالمغادرة مرة ثانية ... أيتها الحمقاء ....
دخل أحد ضباط الشعبة سريعاً دون استأذان و هو يقول سريعاً:
_ لقد ظهر الشبح
نهض زياد سريعاً ... دخل حيدر خلفه يراقب ما يحدث
_ كيف ..؟؟
_ لقد قتل شخصاً في شقته .. زوجته قدمت بلاغاً يفيد بأن رجلاً يرتدي قناعاً فضياً اقتحم الشقة و اخرجها منها .... و عندما أسرعت الشرطة المحلية الى الشقة ... وجدته مقتولاً و على جثته بطاقة الشبح المعروفة .... لهذا اتصلوا لإبلاغنا
_ لنذهب الى هناك سريعاً
قال حيدر:
_ تريد مني الحضور
_ لا ابقى هنا اهتم بأمور الشعبة حتى عودتي ...
ما إن خرج زياد حتى أسرع حيدر بإخراج هاتفه الثاني ليتصل غاضباً بقصي ....كان الهاتف يرن و يرن دون إجابة ...ضرب رقماً ثانياً
_ هل انت متواجد في الموقع .....أريد أن تقوم بتنظيف سريع للغاية ... فجر الشقة .... انسفها لا تترك فيها أثراً .... نفذ ...
سمع صوت زياد خلفه و هو يقول على الهاتف مستندا على اطار الباب :
_ أخرج كل الجميع من الشقه حالاً ... و أحط المجمع السكني بالحراسة .... أمن الاسطح المجاورة ... هناك تهديد بتفجير مسرح الجريمة ... لا تسمح لأحد بالاقتراب حتى زوال التهديد
دس زياد هاتفه بجيبه و هو يصوب نظرات باردة الى حيدر الذي وقف أمامه بلا تعبير .... أغلق باب مكتبه بقدمه و تقدم بخطوات بطيئة الى حيث يقف حيدر
_ كان علي أن أعلم...
ابتسم حيدر بخبث و هو يقول:
_ رغم قوتك و ذكائك و تيقظك ... لديك نقطة ضعف ستقضي عليك ... أنت تثق بمن حولك أكثر مما ينبغي
هز زياد رأسه بسخرية و هو يقول:
_ الغي أمر التفجير
_ ما دام الأمر قد صدر فلا رادع له .. حتى لو طلبت ذلك ... انتهى .. تعلم كيف تسير هذه الأمور
سحب الهاتف من يد حيدر ... نادى بصوت هز اركان الشعبة ... ليدخل احد الضباط ....
_ خذ هذا الهاتف حاول تعقب مصدر المكالمة الأخيرة
خرج مسرعاً و هو يقفل الباب ...قال زياد و هو يحاول تمالك اعصابه
_ منذ متى يا حيدر ؟؟
_ ثلاث سنوات
_ و السبب ؟؟
_ المال .... لم نولد جميعاً بملعقة من ذهب في أفواهنا كما حدث معك سيدي العقيد
_ المال ليس بعذر لتخون وطنك
_ و ماذا إذا خاننا الوطن ... ماذا لو كان الفاسدون فيه يتمتعون بالنعيم والرخاء ...تاركين باقي الشعب يجرون وراء لقمة العيش القاسية ..... ماذا لو لم يتمكن شخص من توفير ثمن العلاج باهض التكالفة لابنه الوحيد.. لم يتمكن من فعل شيءٍ سوى عد أنفاسه الأخيرة و هو يحتضر ... من هو الخائن في هذه الحال سيدي العقيد؟؟
_ أعلم أن موت ابنك كان صعباً عليك و لكن مهما كان عذرك ... يبقى إخلاصك واجباً ما دمت اخترت العمل في خط الدفاع عن وطنك ... إن من يطلبون حمايتك هم عامة الشعب .... اناسٌ مثلك و مثلي ... هم من سوف يصيبهم الضرر قبل غيرهم ..أشخاص مثل ريتاج و فراس و دلال يا حيدر ...
_ هذا ما يهمك ... دلال
_ أحذرك ..
_ أتظن أنني خائف سيدي العقيد .. أعلم كيف ستكون نهايتي ...
_ من هو ؟؟
_ هو أقرب اليك مما تظن سيدي العقيد
_ حيدر .... تحدث الي عندها قد ...
_ يتم تخفيف الحكم علي من الاعدام الى السجن المؤبد
_ اسمعني جيداً لا أريد أن أتصرف معك بطريقة تليق بالمجرمين
_ و لهذا انت أحمق
هز زياد رأسه بأسى و هو يقترب منه
_ حيدر ... من هو ؟؟
ابتسم حيدر بخفوت و هو يترنح بوقفته و هو يقول :
_ اسأل والدك العميد طارق .... كان عملي معك شرفاً حقيقياً سيدي
انهارت قدما حيدر أرضاً ..امتلئ فمه برغوة بيضاء و هو يرتجف أرضاً حتى استكان جسده ..... أسرع زياد يجس نبضه.... فارق الحياة ... فتح فمه ليجد فجوة في أحد أضراسه ... فهم الأمر بعد فوات الأوان ... لقد وضع السم في ضرسه وأطلقه بعد انكشاف أمره ... قتل نفسه ....
وقف زياد و نادى الضابط الذي صعق من منظر جثة حيدر و هو يقول:
_ اتصل بالطبيب الشرعي والشرطة المحلية
اسرع بالخروج ليدخل اخر وهو يقول باضطراب
_ لقد تم نسف الشقة سيدي العقيد
_ ماذا ؟؟ كيف لقد حذرتهم
_ لقد استخدموا (البازوكا ) سيدي.. وجدوها ملقاة على السطح المقابل للمبنى
_ ألم يأمنوا الأسطح المجاورة
_ لم يملكوا الوقت الكافي
_ هل قتل أحد ؟؟
_ لحسن الحظ لا ... خرج جميع من في المبنى و لكن الجثة و الأدلة كلها تبخرت مع التفجير
أنت تقرأ
الشبح
Mystery / Thriller__ - لقد مضى على الأمر ساعات ولم تصلنا أى أخبار جديدة ؟ - لا بد أن المفاوضات مستمرة ؟ - أى مفاوضات .. لقد قامو بقتل رجل ورميه بدم بارد . - ماجدة يجب أن تهدئى .. هذا من أهم شروط الصحفى الناجح . - أنا أسفة ولكن المعلومات التى وصلتنى عن الرجل القتيل أث...