وقف العالم ذاهلاً أمام الأنباء التي تبث من قلب نيويورك ...
" اغتيال مبعوث دول الإتحاد الأوروبي للسلام في الشرق الأوسط لوكاس آل هسن و تفجير مبنى الأمم المتحدة في نيويورك مخلفاً مئات القتلى و الجرحى و قد تبنت حركة قدس الأقداس الجهادية هذه العملية الأرهابية "
تسمر حمزة امام التلفاز يكاد يخترق شاشتهُ ليصل لمكان الحدث حيث رفاقه ... شعر بأنفاسه تذوي داخل صدره مختنقاً ... مذعوراً ...وجلاً ... إنهم هناك من أجل التصدي للمنظمة أكس و معرفة سبب ملاحقتهم للوكاس ... لن يحتمل أن يقع مكروه لواحد منهم ... لقد اجتمعوا في الشهور الماضية على هدف نبيل ... أصبح فكرهم واحد ... حتى نبض قلوبهم دقتها توحدت .... أنفاسهم أصبحت أنفاس رجل واحد ....
اقتربت منه اماني وقد تنبهت لشحوبهِ المفاجيء و هي تقول قلقة :
_ حمزة هل أنت بخير ؟ .... هل تشعر بألم ما ؟؟
قال بصوت ذاهل و هو يستمر بالتحديق بألسنة اللهب السوداء التي تتراقص من مبنى الأمم المتحدة :
_ كارثة ..مصيبة .. حفظهم الله من كل سوء .... يا رب سلم ..يا رب سلم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملأ صوت ضحكتهِ الخشنة أرجاء غرفته داخل قصره في أستراليا و هو يراقب شاشة التلفاز ممدداً على سريرهِ و الأجهزة الطبية تحيط بهِ من كل جانب:
_ لقد فعلها قصي ... عاد الشبح ليضرب بقوتهِ المعهودة ....هل رأيت يا جودي .. لقد نفذ المهمة بنجاح باهر ... لقد ضمنت رسالتي له تنفيذ المهمة بنجاح مبهر
عقدت جودي ساعديها و هي تقول :
_ إيزابيلا أبي .... إسمي هو إيزابيلا ..جودي انتهت ..ماتت بتقديم استقالتها في شركة حازم و سفرها المزعوم
عاد لضحكتهِ الخبيثة و هو يقول :
_ لا تحزني ايزي ... لا بدّ أن نجاح قصي يغيظك... لكن صدقيني .. لو كنتِ تصلحين لإدارة المنظمة لسلمتك الأمر بسرور..
من بين أسنانها قالت و هي تغادر الغرفة :
_ ستندم أبي على اختيارك ..صدقني قصي تغير كثيراً .... سلام غيرته ... الشبح يحتضر مع كل ثانية
قال بهدوء و هو يسترخي بفراشه مغلقاً عينيه بإنهاك :
_ سلام أصبحت ورقتي الرابحة الأن ..... قصي لا يمكن أن يتغير ... هو و الشبح شخصية واحدة ... لن يفترقا ... سيبقى قصي بحاجة للشبح لتأكيد سيطرته و سطوته ... و القتل هو الطريق الذي اختاره منذ طفولته لتحقيق هذا ....حتى لو ابتعد لبعض الوقت مع أول عقبة في حياته سيحتاج لإثبات قدرتهِ و قوته ... مهما احتدم الصراع داخله ..... الشبح سينتصر و يحكم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقف أمجد في وجهها و هو يقول بحزم :
_ لن تخرجي من هنا ياسمين .. هذه الأوامر ....لقد كان زياد واضحاً بتعليماته
حدقت به بعينين محمرتين و وجه شاحب و هي ترتجف قائلة :
_ زياد .. زياد قد يكون تأذى من ذلك الإنفجار ..أرجوك أمجد ...
تقدم حازم منها و هو يقول لها متوتراً :
_ ياسمين سيكون بخير ...لا بدّ أنه بطريقهِ إلا هنا
قالت بهستيريا و هي تحاول تجاوز أمجد :
_ لقد كان في وسط مرآب المبنى وقت التفجير ... لقد كان هناك ... أتركني أذهب إليه ..ابتعد عن طريقي
صرخ أمجد و هو يمسك بكتفيها يهزها بقوة :
_ ياسمين .... تمالكي أعصابك ..... بخروجك ستزين الأمور سوءاً .... إن تم إلقاء القبض عليكِ سوف تضعين بلادنا بموقف محرج ..لا تنسي أنك دخلت الولايات المتحدة بشخصية زائفة ... هذه أوامر زياد
انهارت ياسمين أرضاً هي تشهق باكية :
_ لقد قُتل ... رحل و تركني للأبد ... رحل زياد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
_ مغلق ... مغلق
صرخت بهذه الكلمة وهي تلقي بهاتفها وقت دخول زوجها بسام مسرعاً للغرفة و هو يقول :
_ صراخ جهاد يملأ المنزل .. ما الأمر سلمى ؟؟
قالت ذاهلة و هي تنظر لبسام الذي حمل جهاد و هو يهدئه بلطف :
_ ريتاج
_ ما بالها ؟؟
_ قبل ساعة تحدثت معي لتطمئن على حال جهاد ..... لقد كانت متواجدة في مبنى الأمم المتحدة ..
حدق بها بسام بقلق و هو يقول :
_ في المبنى الذي تم تفجيره ؟؟
امتلأت عيناها بالدموع و هي تقول متألمة :
_ أخشى أن يكون قد أصابها مكروه .. أشعر بالخوف عليها ..؟؟ أصرت على الذهاب مع النشطاء الفلسطينين ليقفوا بوجه القرار المرتقب ...
جلس بسام إلى جانبها و هو يقول لها :
_ ستكون بخير .. بإذن الله
قالت بلوعة و هي تقف بعصبية :
_ هاتفها مغلق ...؟؟
_ من الطبيعي و بعد حدوث إنفجار بهذا الحجم أن تتعطل الإتصالات
زادت حدة بكائها و هي تشهق بحزن :
_ لقد كتبت وصيتها قبل سفرها ..
_ وصية ؟؟
_ نعم ... لقد تركت جهاد تحت وصايتنا في حال حدث لها مكروه .. يبدو انها كانت تشعر بأن خطباً ما سيقع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ عليك أن تخبرنا بكل ما تعرفه عن زياد و فريقه ؟؟
إلتزم الصمت و هو يحدق بركن بعيد يقلب الأمر بكل جوانبه ...عاد صوت الرجل العسكري يهدر قائلاً :
_ تكلم ... يجب أن عرف بكل تفصيل مهما كان صغيراً ..ما حدث بنيويورك أمر خطير .. نريد أن نعلم ما هي علاقة العقيد زياد بكل هذا
قال بحزم و هو ينظر للرجل العسكري بتحدي :
_أنا لا أعلم شيئاً
زفر العسكري بحنق وهو يضرب الطاولة بعنف :
_ زياد و فريقه بخطر حقيقي .. ستحاكمون جميعاً بمحكمة أمن الدولة كإرهابين ... هل تفهم ذلك ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قبل أسبوعين من الأحداث
نظر زياد للكدمة الكبيرة التي تغطي ظهره و جزء من خاصرته من جراء اصطدامهِ بالحائط وقت حدوث الإنفجار .... حاول تجاهل الألم و لكنه يزداد بشكل غريب .... دخلت ياسمين الغرفة و قد عاد قلقها يشتعل من مظهر إصابته :
_ زياد يجب أن تراجع طبيباً .... يبدو الأمر خطيراً
ابتسم لها يطمئنها قائلاً :
_ لا تقلقي إنها مجرد رضة ستزول قريباً
تأملت صدره و قد تفرقت عليه أثار إصابات مختلفة .. اقتربت منه و هي تقول بألم:
_ كنت اعلم أن عملك خطير و لكن لم ادرك حجم هذه الخطورة إلا بعد رؤيتي لجسدك ... كم معركة خضت بحياتك لتتلقى كل هذهِ الضربات ؟
تناول قميصه و هو يقول مشاكساً يحاول التخفيف عنها :
_ ألا يعجبك مظهر جسدي يا أميرة ؟!
شهقت و هي تبتعد عنه قائلة :
_ لا فائدة تُرجى منك .... وقح!
أمسك معصمها قبل ابتعادها ... حاصرها بين ذراعيه و هو يهمس لها بصوته الأجش :
_ أجيبيني .... ألا يعجبك مظهر جسدي المثكل بالجراح ؟؟
تضرج و جهها بحمرة أصبح يعشقها و يتعمد إحداثها .. قالت بنعومة و هي تمرر أصابعها على موضع ندبة قديمة :
_ يعجبني و يأسرني هو و الروح التي تسكنه .. يذكرني بأني أحببت رجلاً جعل حياته رخيصة في سبيل الوطن .... و هذا يخيفني زياد ..... أخشى عليك من هذه الحياة المرعبة رغم شرفها و ..
اختنقت الكلمات في صدرها و هي تلقي بنفسها على صدره ليضمها بحنان و رقة .... يمرر أصابعه بشعرها ....
_ لا تخافي ياسمين ... عُمر الإنسان مكتوب و مقدر ... لا يمكن تقديمه أو تأخيره و أسمى أمنياتي أن أموت في سبيل الله و الوطن .. واقفاً أحارب أعداءه ... أطمح لشهادة تقربني من جنة الخلود والفردوس الأعلى
نظرت إليهِ بعيون امتلأت بالدموع .... للمرة الأولى تستشعر قوة إيمانه و يقينه .... شعرت بحبه يكبر داخل قلبها أكثر و أكثر في وقت ظنت انها بلغت معه أسمى درجات العشق ... هو رجلٌ يخفي بداخلهِ الكثير .... رغم برودهِ الظاهر وقسوته.. فهو يمتلك رقة و عذوبة تذيب أقسى القلوب
اقتربت من شفتيهِ تذيقهُ قبلة بطعم جديد .... طعم الحب و الوعد والعهد ...بأن تبقى إلى جانبه تسانده بحياتهِ حتى أخر العمر
ابتعدت عنهُ قليلاً و هي تهمس له بعذوبة :
_ أحبك ...
أبعد بعض الخصل المتمردة على وجهها و هو يبتسم لها بعذوبة ... جعلت قلبها يهدر بقوة ... نظرت لصدره و هي تلمس موضع إصابة قديمة قرب قلبه قائلة :
_ ما سبب هذه الندبة ؟؟
قال زياد و هو يعود بذاكرته لأيام صعبة و لكن كم كان راضياً عن عمله و نفسه :
_ هذهِ رصاصة اخترقت صدري و لمست جدار القلب ... أطلقها علي ضابط في الموساد الإسرائيلي
نظرت إليه بذعر و هي ترتجف كما لو أن الحادث وقع للتو ...ضمها لصدرهِ و هو يقول لها مطمئناً :
_ لا تخافي لقد حدث ذلك منذ عشر سنوات .... دخلت مع المخابرات في حرب كان من المبكر علي خوضها ... لكن أنا لست نادماً بعد النتيجة التي حققناها وقتها.
مرت عليهما بضع دقائق على هذه الحال ... قطعها زياد و هو يقول لها بحنان:
_ كنت أفكر بأن أصطحبك و يزن لمدينة الألعاب ما رأيك ؟؟
ابتسمت تهز رأسها موافقة رغم أن قلبها يحذر من خطر يقترب ..... و بسرعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
شعر بالهواء ينسحب من غرفة مكتبهِ وقت ظهور اسم ليليان على شاشة هاتفه .... ألقى القلم من يده بضجر و هو يقف يردّ على إتصالها :
_ ما الذي تريدينه الان ليليان ..؟؟لقد سئمت من إتصالاتك و رسائلك المقرفة
قالت و هي تتنهد بغنج :
_ أريد التحدث معك دون غضب و عصبية
قال بفظاظة و حدة :
_ إن كنتِ تريدين إعادة الأسطوانة القديمة فقد مللت منها و لم ....
قاطعته و هي ترجوه قائلة :
_ أرجوك .. أريد أن أفهم فقط .. لما لا أعجبك ... لما ترفضني بهذه الطريقة القاسية ... ؟؟
قال بنفاذ صبر و هو يدلك رأسه :
_ اسمعيني ليليان سأحضر اليوم لمنزل حمزة .. يجب أن ننهي هذا الموضوع للأبد ... لم اعد أحتمل هذه الترهات
قالت بدلال و رقة :
_ أعدك بأنك لن تندم على حضورك بانتظارك حبيبي
أغلق الخط بوجهها.. النار تحرق صدره ... شعر بالمطارق تدق رأسه بقسوة و عنف .. لم يعد لديه صبر أو قوة لمواجهة كل هذا يريد أن ينهار بضعف و لو لمرة بعد كل هذه السنين من الحروب و المسؤوليات
توجه لمكتب سعاد .. دخل دون أن يطرق الباب حدقت سعاد بهِ مستغرابة
... و قد ارتبكت لدخوله المفاجيء مع و جود أحد الموظفات... وقف أمام الباب و هو يقول :
_ أنا آسف لم أعلم أنك مشغولة سأعود بعد قليل
رأت ذلك الغضب مع الحزن و الهموم الثقيلة التي تنهكه تتمازج في عينيه ... قالت و هي تنظر للموظفة :
_لا لقد انتهينا .. يمكنكِ الإنصراف ...شكراً لكِ
تجاوزت الموظفة سامر و هي تغلق الباب بهدوء .... أسرعت سعاد لسامر و هي تقول بقلق :
_ ما الأمر سامر .. هل حدث شيء ؟؟
نظر إليها بضياع و تشتت و هو يهز رأسه بأسى غير قادر على الكلام ... نظر إلى الأرض و هو يخرج نفساً مشتعلاً ... رفعت سعاد رأسه بيدها و هي تقول له بحنان :
_حبيبي لا ينظر إلى الأرض أبداً ... مهما كانت همومه و مشاكله ... يبقى رأسه مرفوعاً شامخاً
ابتسم متألماً و هو يمرر أصابعها على وجهه :
_ حبيبي !! اشتقت لهذه الكلمة منكِ بدلاً من المقاطعة الظالمة التي أوقعتها علي
تراجعت خطوة للخلف و هي تضم نفسها قائلة :
_ أنا ...لما اقصد مقاطعتك و لكن ...ما سمعته من ليليان أثار الرعب بنفسي
طوق و جهها بيديه و هو يقول بحزن :
_ إن كنتِ تشكين للحظة واحدة بأنني سأوافق على طلب تلك المجنونة فأنتِ أكثر جنوناً منها
ابتسمت و دموعها تسيل على كفي سامر :
_ ليس هذا ما يخيفني ..أخشى أن أقنعك بالموافقة على طلبها
ضمها لصدره بقوة يكاد يسحقها داخل اضلعه :
_ لا ... لا ..هذهِ المرة سنتصرف بأنانية ... لقد عشنا من أجل الآخرين سنين طويلة .... حرمنا من بعضنا وتألمنا ..و كل هذا يهون ما دمت ملكي و أنا ملكك ... لن نسمح لأي كائن كان بالدخول بيننا ... هل تفهمين سعاد ... سنسعد بحياتنا .. نحن نستحق هذا ....
قالت و هي تطوق رقبته باكية :
_ هذا صحيح .... سنعيش هذهِ المرة لأنفسنا فقط .... سامر .... أنت لي أنا فقط .... لي انا ...
ابتعد عنها قليلاً و هو يمسح دموعها و شبح ابتسامة يرتسم على وجهه المنهك ... قالت سعاد و هي تريح رأسها على صدره :
_ و ما الذي ستفعله بموضوع ليليان ؟؟
أطلق نفساً مضطرباً و هو يقول بيأس :
_ كنت أريد إبقاء حمزة خارج الموضوع لا يزال محتاجاً للراحة و الهدوء ... و لكن يجب أن يعلم و يتصرف مع أخته ... هذا الأمر أصبح خارج قدرتي ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
رأت ياسمين جانباً جديداً من زياد و هو يتنقل مع يزن بين الألعاب ضاحكاً مستمتعاً ... يتعامل معه بروعة و حنان ... يركض جانبهُ في المساحات المفتوحة من الحديقة .... يحمله على كتفهِ و هو يسألهُ عما يريد أن يفعله... تصرف كأب حقيقي محب وعطوف
في نهاية اليوم جلس يزن على أرض الحديقة الخضراء و قد نال منه التعب يصارع رغبته بالنوم حتى يستمر باللعب ... جلست ياسمين إلى جانبه و هي تطعمه و إلى جانبها زياد يتأمل يزن بهدوء و سكينة
وقف يزن و قد دبت فيه الطاقة فجأة و هو يصرخ :
_ ألعاب ... ألعاب
وقف زياد و هو يضحك قائلاً :
_ حسناً أيها البطل لنستكمل جولتنا و نرى من سيسقط الأخر من التعب
ارتفع صوت هاتف زياد برنين أعاده لأرض الواقع ليتبدل لون عينيه بطريقة تحفظها ياسمين جيداً .... ابتعد قليلاً عنها و هو يرد على الهاتف بعد أن ملأ صدره بالهواء .... حملت ياسمين يزن و هي تنادي المربية التي كانت تتمشى قريباً منهم ... طلبت منها أن تأخذه لتشتري له الماء و العصير ... عادت تنظر لزياد الذي ارتفع صوته قليلاً و هو يحرك يده بعصبية واضحة ..لينهي المكالمة و يجلس متثاقلاً على أحد المقاعد الخشبية
تقدمت منه بقلق و جلست إلى جانبهِ وهي تقول :
_ هل انت بخير ؟؟
حاول جاهداً أن يرسم على شفتيهِ إبتسامة زائفة و هو يقول :
_ بخير لا تقلقي .. أين يزن ؟؟
قالت و هي تمسك كفه برفق :
_ أرسلته مع المربية لشراء الماء و العصير
أراد الوقوف و هو يقول :
_لنلحق بهما
شدت على كفهِ ليعود إلى الجلوس و هي تقول :
_ هل حدث شيء مع دلال ؟؟
نظر إليها و هو يرفع حاجبه مستغرباً :
_ كيف عرفتي أن للأمر علاقة بدلال ؟؟
ابتسمت بحزن و هي تقول :
_ عندما تتحدث عن دلال أو تفكر فيها تصبح عيناك زرقاوين كصفيحة البحر
_ ماذا ؟؟!!
_ ألم تكن تعلم ذلك ؟؟
هز رأسه نافياً الأمر .... حدقت ياسمين بعينيه أكثر و هي تقول :
_ عندما تغضب يتحول لون عينينك للأسود و عندما تكون سعيداً هاديء البال يتمازج اللون الأزرق و الأخضر بلمعان نقي و صافي ... و عندما تكون في وسط العمل تصبح عيناك جامدة قاسية لا حياة فيها
شدّ على كفها و هو يبتسم لها بحنان :
_ و عندما أكون معك أنتِ ؟؟
نظرت إليهِ بألم و هي تبتسم بشفتين مرتجفتين :
_ تصبح خضراء مع بعض النقاط الزرقاء المتمردة
كم شعر بالألم من كلماتها ... لازالت ياسمين تشعر بالخوف من علاقتهما ... لم تصل لمرحلة الأمن و الإيمان بحبه و صدق مشاعره ... هي أكثر من يعلم مكان دلال بقلبه و فكره ... و لا يمكن أن ينكر الأمر ...
قالت ياسمين تنتشله من أفكاره و هي تبتسم له و الدموع على صفيحة عينيها تأبى الإنكسار :
_ زياد سأصل للوني الخاص ... سأحارب الدنيا من أجله
لمس خدها و هو يقول بثقة :
_ أنا أحبك ياسمين ... صدقي الأمر أرجوكِ
_ أنا أصدقك زياد ... أصدقك و لكن لازال حبي في قلبك برعم صغير ... يحتاج للكثير من العناية و الإهتمام حتى ينمو و تتفتح أزهاره
_ ياسمين!!!
قالت باهتمام و هي تسأله :
_ و الآن أخبرني ما الأمر ؟؟
أشاح بوجهه بعيداً عنها حتى لا ترى مقدار الصراع الذي يخوضه داخل قلبه و هو يقول شابكاً كفيه :
_ الإتصال كان من مجد ... أخ دلال الأكبر في أمريكا ... أبلغني بأن دلال ستقوم بإجراء عملية ...عملية خطيرة قد تم طرحها بالسابق لمعالجة مشكلة بصرها ... و قد رفضتها وقتها لأنها تشكل خطراً على حياتها و على قدراتها الحركية و الحسية الأخرى ....
مررت ياسمين يدها على ظهره تبثه بعض الهدوء و قد اختنق صوته قليلاً و هو يكمل :
_ طلب مني إقناعها بالعدول عن الأمر و قد تم تحديد موعد العملية بعد خمسة أيام
قالت ياسمين بهدوء و ثقة :
_ تحدث إليها و إن لزم الأمر اذهب لأمريكا .. أنت بالأساس ستغادر بعد أسبوع لنيويورك .... قدم الأمر قليلاً
هز رأسه رافضاً و هو يقول :
_ لا أدري إن كنت أصلح شخص لهكذا أمر ... هي الآن تكرهني و تعتبرني سبب كل ما حدث معها ..لا يمكن لومها على هذا الأمر.. أنا السبب ... أنا
عقدت ياسمين حاجبيها و هي تفكر بالأمر و قد تسارعت أنفاسها و دق قلبها ... قالت و هي تحاول تمالك أعصابها و دموعها :
_ زياد هناك أمر يجب أن اخبرك بهِ ...
نظر إليها بإهتمام و هو يشجعها على الكلام
_ في اليوم الذي سافرت دلال بهِ و قبل وصولك إليها ...قامت بمهاتفتي و هي تنتظر في المطار ...
قال زياد بتوجس :
_ هذا صحيح لقد أخبرتني انها اتصلت بكِ توصيك بالإهتمام بي
هزت ياسمين رأسها موافقة و قد فقدت السيطرة على دموعها و هي تقول :
_ يومها حاولت إقناعها بالبقاء و عدم تركك ... لقد كنتَ تمرُ بمرحلة صعبة و رحيل دلال كان سيزيد من تعقيد الأمور ... أخبرتها بأنك تحبها هي فقط و لا ترى غيرها من النساء ... قلت لها بأنك لا تحس بوجودي و و ...
عندها أنهارت بالبكاء متناسية بأنها تجلس في مكان عام .... كان زياد يستمع إليها و قد شعر بأن الدنيا تدور من حوله..عادت ياسمين و هي تقول زارعة وجهها بين كفيها :
_ لقد أخبرتها بأنك لم تقربني .. لم تلمسني كزوجة لك ... و أنك مخلص لها ..هي فقط تتملك قلبك .. أقسم لك بأني أخبرتها بذلك حتى أدفعها للبقاء .. لم أتصور أن يكون ردّ فعلها معاكساً و تطلب الطلاق منك حتى تتحرر منها ...أنا آسفة ... آسفة
أزاح زياد كفيها عن وجهها و هو يقول متألماً :
_ لا .. لا تعتذري ياسمين .. لا تفعلي ... لما قمت بجرح أنوثتك و كبرياءك بهذا الشكل ...لقد أسأت لنفسك كثيراً
قالت و هي تمسح دموعها تتهرب من عينيه :
_ من أجلك فعلت ذلك ... فقط من أجلك
اقترب منها يقبل جبينها برفق و هو يدفعها للوقوف قائلاً :
_ لنذهب الآن ... يزن ينتظرنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
_ عليكِ أن تقومي بتنفيذ كل شيء كما قلت لكِ تماماً .. لن أقبل أي خطأ .. هل هذا واضح ؟؟
قالت و هي تجمع الأوراق أمامها و تغلق الحاسب المحمول بهدوء :
_ لا تقلق ... عندما تصل نيويورك سيكون كل شيء جاهزاً ... الشقة و المتفجرات و السيارت ... كل شيء سيكون منظماً ..
أجاب و هو ينهض من مكانه :
_ أتمنى ذلك ... لننتهي من هذه المهمة ...
وقفت أمامه و هي تقترب منه :
_ أثق بأنك ستنجح و ستضع بصمتك الخاصة كالشبح و تصبح أحد المدراء الخمسة
تجاهلها و هو يبتعد عنها قائلاً :
_ سنرى ما سيحدث بعد هذه العملية
قالت بحماسة و هي تعود لتقف أمامه :
_ صدقني يا قصي سوف تتغير حياتك كثيراً بعد هذه المهمة
قال متوجساً و هو يحاول الدخول في أعماق أفكارها :
_ ما الذي تقصدينه كريستينا ؟؟
اضطربت قليلاً و هي تتهرب من عينيه مبتعدة قائلة :
_ أنا لا أقصد شيئاً معيناً
أمسك معصمها و هو يشدها قريباً منه قائلاً بصوت بث الخوف في نفسها :
_ كريستينا ... يراودني شعور ما بأنك لست مجرد عضوة عادية بالمنظمة ... هل تخفين عني شيئاً ما ؟ ... تكلمي عزيزتي
ارتجفت حدقتا عينيها و هي تقول متلعثمة تحاول فك معصمها من حصار كفه :
_ أنا لا أخفي شيئاً اتركني ..أنت تألمني
ضغط على يدها أكثر و هو يقربها أكثر حتى شعرت بأنفاسه على وجهها
_ لقد خدعتني مرة كريستينا و لن أقبل منك أي غدر أو خديعة هل تفهمين ؟؟
هزت رأسها موافقة بذعر و هو يحررها مبتعداً ..قالت و هي تحاول تدارك ضعف ثقته بها :
_ هناك أمر ما ..لقد طلبوا مني إبلاغك به بعد إنتهاءك من مهمة نيويورك
نظر إليها متسائلاً و هو يدس يده بجيبه .... قالت و هي تعود تحمل حقيبتها و أوراقها :
_ سيتم تكليفك بتصفية شخص ما قبل تسليمك منصبك الجديد بالمنظمة
_ من ؟؟
_ العقيد زياد طارق ... لقد كان السبب بانهيار فرع المنظمة في إيطاليا و مقتل ناجي القاسم ... اثنان من المدراء الخمسة
تصلب قصي في مكانهِ دون أن يتحرك أو يظهر أي تعبير ..فقط عيناه اسودتا بشكل مرعب و مخيف ... أكملت كريستينا و هي تتجه للباب حتى تغادر :
_ سيكون الأمر سهلاً ...لا تقلق ... أراك في نيويورك .. وداعاً
أغلقت الباب خلفها و بخروجها انهار قصي أرضاً و هو يستجدي نسمة هواء تسعف صدره ... سكن الرعب كل خلايا جسده .... ضرب مؤخرة رأسه بالحائط مرة تلو المرة و قد أتسعت عيناه على أخرهما هو يهمس مرتجفاً :
_ وقت الحساب قد حان يا قصي ... وقت الحساب قد حان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
فتحت ليليان الباب لسامر بلهفة .... تلبس ثوباً رقيقاً يظهر عنقها و نحرها ... بالكاد يغطي فخذيها ... لتبدو جذابة وأنثوية بشكل فذّ .. و رائحة عطرها تخطف الأنفاس مما أثار بنفس سامر الإشمئزاز و الغضب
دخل تاركاً الباب مفتوحاً قليلاً يتجاهلها :
_ أين حمزة ؟.. يفترض أن يكون قد عاد من مراجعته في المشفى
وقفت بمواجهته مباشرة تتمايل بإغواء ...تحاول يائسة الإيقاع به ... نظر لعينيها مباشرة و هو يقول لها بصوت مختنق :
_ تحبين لعب الكِبار يا صغيرة
عضت شفتها بإغواء و هي تقول :
_ دعني أثبت لك بأني لست صغيرة لهذه الدرجة
ضحك بحنق و هو يقترب منها بشكل خطير .... شعرت ليليان بانها تسجل انتصارها أخيراً.... لكن و عندما رات تلك النيران تشتعل في عينيهِ العسلية ... تراجعت خطوة للوراء .... و قد بدأت خلايا جسدها بالإرتعاش ... أرادت الإبتعاد أكثر و لكنها شهقت عندما أطبق سامر على كتفيها بقوة و هو يلفحها بأنفاسه الساخنة .. دفعها نحو الحائط بقسوة دون أن يتركها و هو يغرز أصابعه في شعرها بقسوة ألمتها ... همس بالقرب من شفتيها المرتعشتان :
_ و الآن أيتها الكبيرة الفاتنة ... أريني ما أنت قادرة عليه ....
ارتفع صدرها و هبط بوتيرة سريعة و الدموع تحتشد بعينيها ذعراً و رعباً .... قلبها يكاد يحطم ضلوعها و هو يخفق سريعاً .. حاولت دفعه بكفيها بعيداً عنها و لكن عبثاً ... قالت بصوت مرتجف و تتوسل :
_ أرجوك ابتعد يا سامر .... أنت ترعبني
قال و هو يهمس بجانب أذنها بقسوة :
_ أخرجي تلك الأفكار السوداء من رأسك ... أنتِ لن تقدري علي ...
تركها بقسوة و هو يقف أمام الشرفة محاولاً السيطرة على الغضب الذي يعصف بصدره و بقيت هي مكانها تتكيء على الحائط تنظر إليه بحزن باكية .... و بعد دقيقة .... تقدمت ناحيته و هي تقول :
_ أعلم بأن ما فعلته الآن يخالف طبيعتك سامر ... أنا لم أعد أحتمل قربك البعيد ... طائرتي ستقلع بعد يومين لا تقف بطريقي أرجوك
نظر إليها سامر بيأس وهو يقول :
_ ليليان أرجوك .. ارحميني و ارحمي نفسك من هذا الجنون
اقتربت و هي تضع كفيها على صدره تتشبث به
_ أحبك سامر ... أحبك بجنون
قال سامر و هو يبعدها عنه :
_ و انا أحب سعاد ...
_ ما حاجتك لتلك العجوز
جاء صوت حمزة هادراً جعل قلبها يفوت دقة من دقاته ..
_ ليليان ... هل فقدت عقلك ؟؟ كيف تجروئين على هكذا أمر
تقدم بعد أن سمع الجزء الأخير من حديثهما و قد شعر بأن الدنيا تدور به
نظرت إليه بتعالي و هي تقول بواقحة جالسة على الأريكة :
_ هل تحقق معي ؟؟ لا دخل لك بحياتي
اقترب منها سريعاً و هو يشدها من من ذراعها يجبرها على الوقوف و هو يقول شاداً على أسنانه :
_ ما دمتِ قد عدت إلى هنا و أخترتِ العيش في كنف العائلة فأنا أملك كل الحق بالتدخل و إيقاف جنونك
سحبت ذراعها بقوة و هي تصرخ غاضية :
_ لقد تداركت الأمر و لن أبقى في هذه البلاد الرجعية المتخلفة للحظة واحدة ... كانت أمي محقة بكل كلمة قالتها عن هذه البلاد
صرخ حمزة و هو يشد على كفهِ بقوة تكاد تحطم عِظامه :
_ ليليان ... الزمي حدودك ..
_ أنت الزم حدودك معي ... إبتعد عن طريقي الآن
كان سامر يراقب الوضع و انفعالات حمزة محاولاً قدر الإمكان عدم التدخل و لكن طريقة سير الأمور تسوء مع كل لحظة ..
وقف حمزة بوجه ليليان محذراً :
_ اسمعيني و سأقولها مرة واحدة .. فكرة السفر انسيها و توقفي عن ملاحقة سامر .... لن أسمح لكِ بالتسبب في أذية الشخص الوحيد الذي وقف إلى جانبي في هذه الحياة
حدقت ليليان بسامر و هي تقول بمرارة و حقد :
_ هو مجرد شخص غبي يتمسك بتلك القبيحة..
قطع كلماتها صفعة حمزة الغاضبة تكاد تسقطها أرضاً و هو يقول لاهثاً :
_ اصمتي و لا تتكلمي عنه بهذه الطريقة
أسرع سامر يبعد حمزة عن ليليان و هو يقول غاضباً متألماً :
_ لما ضربتها يا حمزة ... لما ضربتها .. هل فقدت عقلك ؟؟
قال حمزة لاهثاً و هو يدلك رأسه بقوة :
_ لن أسمح لها أو لغيرها بالإساءة إليك ... هذه الفتاة تحتاج لتعلم التهذيب و الحدود ...
صرخت ليليان و هي تندفع لغرفتها مغلقة الباب ورائها بعنف :
_ أكرهكم جميعاً .. أكرهكم
أراد حمزة اللحاق بها و الشرر يقدح من عينيه ... لكن سامر قام بدفعه يصدّ تقدمهِ قائلاً:
_ لقد أفسدت الأمر كله حمزة .. لو علمت أنك ستتصرف بهذه الطريقة لما قلت لك شيئاً و تركتها تعود لأمريكا
إنهار حمزة على المقعد القابع خلفه و هو يقول مختنقاً :
_ أنا أعتذر منك لم أقصد أن أتصرف بهذا الشكل و لكن لا أفهم تلك الفتاة .... كيف لها أن تطاردك بهذه الطريقة و تهدد بعودتها لتلك البلاد الملعونة .... فاقدة للأخلاق ..
قاطعه سامر وهو يقول بحزم :
_ أنت تتكلم عن أختك ... الله فقط يعلم ما شكل الحياة التي عاشتها في الغربة وحيدة دون عائلة أو سند .. عليك أن تحتويها و تقنعها باللين و لا تنسى أن مقتل حذيفة قد أثر عليها
مرر حمزة أصابعهُ بين خصل شعره بتوتر و هو يقول :
_ أعلم كل هذا و لكن عدما اتصلت بي و أخبرتني بتصرفاتها لم أتصور أن الأمر بهذه الخطورة
إنفتح باب غرفة ليليان ... خرجت تجر حقيبتها باكية .... أسرع حمزة إليها و هو يقول :
_ ما الذي تفعلينه الآن ؟؟
قالت باكية مرتجفة :
_ ابتعد عن طريقي حمزة ... سأخرج من حياتكم كما دخلتها
حاول حمزة تمالك أعصابهِ و هو يقول :
_ ليليان أرجوك أن تهدأي .. أعتذر منكِ ...ما كان علي صفعك ..سامحيني
_ أريد الرحيل من هنا
_ لا ...
_ حمزة دعني و شأني ..لا سلطة لك علي ... سأتصل بالسفارة الأمريكية لا تنسى أنا مواطنة أمريكية و سأخبرهم أنك تحتجزني هنا رغماً عني
أمسك حمزة حقيبة ليليان و هو يدفعها بعيداً :
_ هيا يا ليليان اتصلي بالسفارة .. هيا ...
اقترب سامر منه و هو يقول :
_ حمزة إهدأ أتوسل إليك
توجه إلى ليليان وهو يقول لها بروية :
_ و أنتِ أرجوكِ أن تفكري قليلاً بقرار سفرك... من أجلك و من أجل حمزة ...
حدقت بعينيه و هي تمسح دموعها التائهة قائلة :
_ من أجلك أنت فقط ياسامر سأفعل
دخلت لغرفتها وسط صمت فرض وجوده على الرجلين .. يقفان عاجزين عن حلّ هذهِ المعضلة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على شاطيء البحر يقف يلقي بهمومه الثقيلة و الشمس تغيب راسمة بقايا شعاعها في الأفق و صوت الأمواج الهادئة تعزف سمفونية الرحيل...
جاءه صوت غريمه يشق الصمت مطلقاً إشارة البداية لمواجهة جديدة :
_ لما طلبت مقابلتي في هذا المكان ..؟؟
إلتفت إليهِ وهو يبتسم ساخراً يدس يده بجيبه
_ ألن تلقي التحية على أخيك الأكبر ؟؟
قال زياد ببرود و هو يقوم بدس يديه بجيبه بتلقائية :
_ لا وقت لدي لهذا الهذر و الهذيان
ابتسم قصي و هو يقول بهدوء ينظر إلى البحر :
_كما تشاء لندخل إلى صلب الموضوع ... المنظمة أكس اكتشفت أمرك و أصدرت قراراً بتصفيتك
رفع زياد حاجباً و هو يحدق بقصي و قد تجمدت تعابير وجهه .... تابع قصي قائلاً:
_ إنهم يعلمون أنك وراء ما حدث مع رجلهم في روما و أنك وراء ما حدث مع ناجي القاسم ....يبدوا أن قرار وقفك عن العمل كان غطاءً فاشلاً للتتحرك بحرية أثناء حربك مع المنظمة
تقدم زياد ليقف إلى جانب قصي محدقاً بالبحر و هو يقول بصوت خالٍ من المشاعر:
_ و هل اختارت المنظمة الشبح بنفسه ليقوم بهذه المهمة ؟
عض قصي شفته بقسوة محاولاً السيطرة على اضطرابه و صراعه العنيف مع نفسه:
_ أرجوك أن تبتعد عن طريقهم سأحاول ثنيهم عن قرارهم
_ و لما تهتم .... نفذ أوامرهم و انتهي من أمري ... أقتلني يا أخي
صرخ قصي بقوة جعلت زياد يستحضر مشاعر مزقته طويلاً
_ زيااااااااااد ... لا تستفزني هذا الأمر خطير و لا يحتمل لامبالاتك و سخريتك
أمسك زياد يتلابيب قميص قصي و هو يصرخ بألم :
_ اسمعني جيداً ... دور الأخ الأكبر القلق الذي تحاول لعبهُ لا يصلح لك .. أنت مجرد شخص حاقد ... قاتل ... لا تمتلك قلباً أو أي مشاعر ...قمت بإفساد حياتي .... حولتها لجحيم لا يطاق ... لو تسلل الهدوء لأحد أيامي تجد طريقاً لتقلب الأمور على رأسي ...
نظر قصي لعيني زياد السوداء وقد اشتعلت بحقد و غلّ جعل قلبه يرتجف ... يشعر بالخوف ... لا خوفاً على نفسه و حياته و حريته ..بل خوفاً من انعدام الأمل بأن يعيش إلى جانبه كأخٍ حقيقي ...تابع زياد و قد فقد بروده و هدوءه :
_ أنت ... أنت السب بما حدث مع دلال ..... قتلت طفلي جنيناً لم يبصر النور .... سرقت ضوء عيون حبيبتي و أي أمل بأن تكون أماً لأطفالي ... لقد هجرتني بسببك .... و كدت أن تقتل ياسمين ... لازالت أثار شق معصميها بارزة تذكرها بتلك الأيام المرعبة التي قضتها في خيالاتها و كوابيسها المروعة
التزم قصي الصمت و وجوهُ كتمثالٍ من الشمع و قد تراخت ذراعاه إلى جانبه مستسلماً لثورة زياد و غضبه ... هذا الصمت الذي جعل غضب زياد يزداد أكثر و أكثر :
_ تكلم أيها الوغد .. دافع عن نفسك ...قل شيئاً ... قدم لي تبريراً و لو كان سخيفاً يثنيني عن قتلك و خنقك بيدي
قال قصي بصوتٍ مختنق :
_ لا أملك أي تبرير يا زياد ... أنت محق لو كان قتلي يريحك فافعل
دفع زياد قصي إلى الأمام و هو يكيل له لكمة على فكهِ ... تمالك قصي نفسه من السقوط ليقف أمام زياد الذي عاود هجومه يلقيهِ وسط مياه البحر و هو فوقه يلكمه بشكل متتابع و هو يقول :
_ ياليتك انتقمت مني وحدي بعيداً عن دلال و ياسمين ... لكنت وجدت لك العذر بدلاً من رغبتي بتحطيم وجهك و كل عظامك
أمسك قصي بقبضة زياد بقوة و هو يدفعه بقدمه ليسقط على ظهره وسط المياه ... أسرع يثبته و يمنعه من الحركة :
_ هذا ليس وقت الشجار زياد حياتك بخطر حقيقي
قام زياد بدفعه بقوة و هو يقلبه على ظهره قائلاً :
_ اصمت بالله عليك و توقف عن ترديد هذا الكلام الفارغ كأنك تهتم
استجمع قصي قوته و هو يركله في صدره بأقصى طاقته ليسقط بعيداً عنه و سط المياة الباردة
وقف الإثنان بنفس الوقت يحدقان ببعضهما و قد ثقلت ثيابهما بالمياه و تسارعت أنفاسهما و خفقات قلبيهما ..قال زياد بهمس بث الرعب بنفس قصي :
_ سلام يا قصي
قال من بين أسنانهِ محذراً :
_ ما بال سلام الآن ؟؟
_ لما أدخلتها إلى حياتك القذرة .. ستعرضها للسوء و الأذى
_ سأقتل أي شخص يحاول الإقتراب منها
ضحكة ساخرة أطلقها زياد و هو يخرج من وسط المياه إلى الشاطيء قائلاً :
_ القتل هو جوابك على كل شيء ... رائع
لحق به قصي و هو يمسح وجهه من المياه المالحة قائلاً :
_ زياد توقف أعدك بأن نستكمل هذا الشجار حتى يقضى أحدنا على الأخر و لكن الآن عليكَ أن نجد حلاً لمشكلتك
_ أنت مشكلتي الوحيدة في الحياة
هزّ قصي رأسه بنفاذ صبر و هو يقول ساخراً :
_ يبدو بأنك تحتاج لضربة على رأسك تجعلك تفهم خطورة الوضع
عندها اندفع قصي كالثور الهائج يطيح بزياد أرضاً لينخرط الإثنان بقتال لا يمكن حسمه لمصلحة أحدهما خوفاً غير معلن على الأخر... لينهارا في النهاية على رمال الشاطيء يجاهدان لالتقاط أنفاسهما يتعرقان بغزارة و زياد يعاني من آلام مضاعفة في خاصرته
ارتفع صوت هاتف قصي برنة خاصة يعرف صاحبتها ... قال و هو يخرج الهاتف من جيبه :
_ يبدو أن هذا الهاتف يستحق ثمنه .. لقد نجى من مياه البحر
تجاهله زياد وهو يجلس ينفض الرمال عن شعره
_ أهلا سلام ...لما تصرخين... من هم ...
وقف قصي سريعاً و هو يتجه لسيارته و زياد يتبعه
_ اسمعني حبيبتي ... احبسي نفسك بغرفتك ...سأصل ... ألو .. سلااااااااااااااااام
نظر إلى الهاتف بذعر و قد وصل سيارته .. أخرج مفتاحه يحاول عبثاً إدخاله في مكانه ... سأله زياد بحزم :
_ ما الذي يحدث معها ؟؟
أجابه ذاهلاً مرتعداً :
_ لقد اقتحم منزلي رجال مسلحون
قال زياد و هو يسحب مفاتيح السيارة من يدّ قصي :
_ لنذهب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل مهاب مكتب القائد الأعلى للأركان مؤدياً التحية العسكرية باحترام شديد و هو يقول بعسكرية:
_ المقدم مهاب بخدمتك سيدي الفريق أول ركن
_ إسترح مقدم مهاب ..تفضل بالجلوس
جلس مهاب و هو يفكر بسر طلب هذا اللقاء المفاجيء ... ينتظر من قائد الأركان البدأ بالكلام و هذا ما حدث
_ مقدم مهاب ..لا بد أنك تتسائل عن سر هذا الإجتماع
_ فعلاً سيدي الفريق أول
_ اسمعني جيداً أنت تقوم بعمل رائع بمركزك الحالي و أرى أنه يجب أن تتحمل مسؤوليات أكبر و أكثر صلاحية و فاعلية طبعاً بعد ترقيتك
ابتسم مهاب برسمية و هو يقول :
_ أشكر ثقتك سيدي الفريق أول
_ و لكن هناك مهمة خاصة يجب ان تقوم بها ..
_ بأمرك سيدي الفريق أول
_ أريدك أن تكون ضمن طاقم الحرسة الخاص الذي سيرافق رئيس الوزراء إلى نيويورك الأسبوع القادم
قال مهاب كاتماً أي تعبير على هذا الطلب الغريب في هذا الوقت :
_ في خدمتكم سيدي الفريق أول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
دخل زياد بالسيارة القصر متجاوزاً البوابة المفتوحة و قد استقر جسد رجال الحراسة على الأرض بين قتلى و فاقدين الوعي ... أسرع يقطع المسافة المتبقية و هو يسترق النظر للجالس إلى جانبهِ جامد الملاح ..مسود العيون .... متصلب الجسد ... يسمع نبض قلبهِ هادراً ... هو في مكانه الآن ... يعيش الحالة التي تسبب بها وقت إيقاعهِ الأذى بدلال و ياسمين ... يشعر زياد بالضيق بسبب مشاعرهِ في هذهِ اللحظة ... هل هو غبي ليهتم بقصي و يفكر بمدى الألم و الخوف الذي يشعر به ؟؟ .... ما هو إلا مجرم سيسقطه و يقدمه للعدالة مهما كان الثمن ...
وصل إلى الباب الرئيسي ليجد حراسه أرضاً.... كان الباب مفتوحاً على مصراعيه ... دخل قصي يصرخ منادياً سلام بذعر و هو يرى رجاله متساقطين في أماكن مختلفة و آثار صراع عنيف و تدمير شمل المكان
أخرج زياد مسدسه المخفي تحت قميصه و هو يلحق بأخيه إلى الطابق الأعلى منادياً سلام بلوعه و ألم... وجدّ باب غرفة النوم مغلقاً ... ضربه بقوة يصرخ :
_ سلاااااااااااااام ..... أنا قصي ...... افتحي الباب .... سلااااام .. أرجوكِ أن تردي علي
لم يتلق رداً و الذعر قد تملكه و هو يدفع الباب بكتفه بكل قوة ....
_ توقف قصي
نظر إلى زياد بألم و رجاء و توسل
_ قصي تراجع إلى الخلف
نفذّ طلبه و زياد يطلق النار على قفل الباب ... دفع قصي الباب سريعاً ليدخل إلى الغرفة و قد قلبت رأساً على عقب و نوافذ الشرفة قد حُطمت تماماً و الزجاج ملأ المكان و ..سلام ...كانت على الفراش ساكنة بشكل مخيف و قد نامت على بطنها و شعرها قد غطى وجهها و لون أحمر قد تخالط مع لونه الذهبي
بجزع تقدم قصي ناحيتها جلس على الفراش و بيد مرتجفة أمسكها يديرها ناحيته ليصطدم بالجرح في رأسها ... اضطربت أنفاسه و اختنق الكلام في صدرهِ, أخذ يزيح خصل شعرها الملتصقة بوجهها يناجيها :
_ سلام .... أرجوك .... لا تتركيني حبيبتي ... سلااااااااااااام .... سلاااااااام
وقف زياد قريباً منه واضعاً يده على صدغهِ غير قادر على فعل شيء ... للحظات فقد تركيزه و قدرته السليمة على التصرف ... لكنه سرعان ما عاد للواقع و قد لاحظ حركة صدر سلام كانت تتنفس بصورة طبيعية لكن منظر جرح رأسها شتت انتباهه و أخيه .. اقترب من سلام يمسك معصمها وقلبه يتفطر على قصي المنهار الباكي ... نبضها طبيعي تماماً .... نظر لذراعيها لم يجد أثراً لحقنة ما .... أزاح شعرها عن رقبتها ليجد أثراً واضحاً لأصابع محترفة ضغطت بقوة على وريد معين مما تسبب في فقدانها الوعي ... تأمل جرح رأسها كان سطحياً و لا يمكن أن يشكل خطراً حقيقياً ... تنفس الصعداء و هو يهز قصي من كتفه قائلاً :
_ إنها بخير قصي .... أنظر إلي ...... قصي
لم يستجب له كما لو كان فاقداً للوعي رغم يقظته يهلوس بكلمات غير مفهومة :
_ سلام ... لا ترحلي ... أمي .... سلام ...لا
شعر زياد بنصل سكين محترقة تخترق قلبهُ بقسوة ... عاد يصرخ بقصي :
_ قصي .... أفق ... سلام بخير ... إنها بخير ... أخي
حدق به وجلاً ... متوجساً .. متوسلاً ... قال زياد سريعاً :
_ أنظر لجرحها إنه سطحي .... و إلى رقبتها قام أحدهم بإفقادها الوعي ... و صدرها حركة تنفسها طبيعية ...
أسرع لطاولة الزينة يتناول زجاجة عطر ... لكنه تجمد أمام الصورة التي تم تعليقها على المرآة ... سحبها بغضب و هو يعود لسلام .... يرش العطر بالقرب من أنفها لتستيقظ مذعورة
_ ابتعدو ... ما الذي تريدونه ... قصي ... قصي
ضمها قصي لصدره و هو يقول :
_ حبيبتي ...أنا هنا ... أنتِ بخير .... بخير
قال زياد و هو يخرج من الغرفة مغلقاً الباب ورائه :
_ سأتصل بالشرطة و الإسعاف
بعد بضع دقائق كان القصر ممتليء برجال الشرطة و الأطباء ... قتل ثلاث من رجال الأمن و منهم من هو مصاب بجروح خطيرة و متوسطة ... تحول القصر إلى ساحة لمعركة كبرى لم يبقى فيهِ شيء على حاله
خرج قصي من غرفة سلام بعد معالجة جرح رأسها و حقنها بمهدأ لترتاح ... وجدّ زياد ينتظر خارجاً أمام الغرفة ... يحدق ببطاقة بريدية في يده ... اقترب منه و هو يقول له :
_ ستكون بخير لازالت تعاني من أثار الصدمة
مدّ زياد البطاقة لقصي و هو يقول له بجمود :
_ لقد ترك لك رفاقك رسالة
أمسك قصي البطاقة البريدية .. كانت تحمل منظراً لمدينة نيويورك و قد رسم في وسط الصورة شعار أكس ... بغضب مزق الصورة لأشلاء وهو يسب بصوت خافت واضعاً يده على جبينه و زياد يقف بجانبه عاقداً ساعديه ...قال بتصلب و حزم :
_ لن يكون حضورك للإجتماع القادم في مبنى الأمم المتحدة عادياً .. أليس كذلك ؟؟
_ لا أعلم عما تتحدث
_ أتحدث عن لوكاس ألن هنسن
ابتسم قصى بصفراوية و قد أدرك علم زياد بما هو قادم :
_ لا أعلم عما تتحدث .... و نصيحة لك ابتعد عن طريق المنظمة ...
قال زياد و هو يتركه خلفه يخوض صراعاً قاسياً:
_ لن أرحمك قصي كل ما أحتاجه دليل واحد يدينك و عندها سوف أسلمك بيدي لحبل المقصلة لتلقى جزاءك العادل
قال قصى و هو يستند على الحائط :
_ راجع الطبيب زياد أنت تتألم من أصابة ما
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
فتحت عينيها بثاقل تتلمس الضمادة التي تغطى جرح رأسها لتجد نفسها نائمة كطفلة صغيرة في أحضانه و هو ينظر إليها بقلق .... قالت و هي تمرر يدها على خدهِ الخشن :
_ لما لم تنم حتى الآن حبيبي ؟؟
بصوت منهك مجروح قال و هو يمرر أصابعه بين خصل شعرها الذهبي :
_ لا تشغلي بالكِ حوريتي نامي وارتاحي
أرادت أن تنزل من حضنه لكنه تمسك بها يضمها لصدره بقوة و هو يهمس لها :
_ إلى أين لن أتركك سلام
ضحكت بنعومة و هي تشير للساعة :
_ لقد تأخر الوقت يجب أن ترتاح قصي .. أنا بخير لا تقلق علي .. ما دمت هنا إلى جانبي فأنا بخير
انحنى يقبلها على رأسها فوق الضمادة ينظر إليها بخوف و قلق لم يتمكن من لجمه داخله .... قالت سلام و هي تريح رأسها على صدره :
_ أرجوك حبيبي لا تخف .. هؤلاء اللصوص لن يعودوا مرة ثانية إلى المنزل .... اطمئن ... أنت لم تنم منذ يومين ..
شعر قصي بقلبه يتفجر لأشلاء داخل صدره ... ياليت الأمر يقف عند لصوص يبحثون عن مكسب أو مغنم ... كانت الرسالة واضحة للغاية.. المنظمة تسيطر عليه و على حياته و قد وصلوا لنقطة ضعفه ..بل نقطتي ضعف .. زوجته و أخوه ...
قاطعه صوت سلام الباكي و هي تقول متألمة :
_ أرجوك قصي .. الرجال الذين قتلوا.. يجب أن ترعى عوائلهم ... لقد قتلوا و هم يدافعون عن القصر ...
ابتسم لها و هو يمرر أصابعه على وجهها يمسح دموعها :
_ لا تقلقي سأتكفل بهم.... أعدك ملاكي
زادت حدة بكائها أكثر و قصي يبعثر قبلاتها المطمئنة على وجهها و رأسها و شفتيها قالت و هي تشهق بنعومة :
_ وقت مهاجمة اللصوص للمنزل لم أفكر بشيء سواك أنت ..أصبحتُ أخشى الموت لأنه سيبعدني عنك
لم يتمكن من الكلام و الرد و هو من يتنشق رائحة الموت في كل خطوة من خطوات حياته و هو الآن يحوم حوله يزعق بوعيد يشلّ قلبه رعباً
نظر لسلام وقد استرخت على صدره نائمة و دموعها لازالت تتسلل من عينيها ... و مرت الليلة ثقيلة على قصي و هو يراقب أنفاسها بجزع يكاد يقضي عليه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
جلس الفريق حول الطاولة داخل المنزل الأمن .... يستمعون بتركيز عالي لكل كلمة ينطق بها زياد بحزم و و وضوح... وقف حمزة و هو يقوم متذمراً غاضباً :
_ أريد الذهاب معك في هذهِ المهمة .... لما تقصيني بهذا الشكل ؟؟
قال زياد بشدة و هو يقلب الأوراق بين يديه :
_ يجب أن ترتاح يا حمزة .. ياسمين ستكون متواجدة معي و إن احتجنا لمساعدتك سنتصل بك ...
_ يجب أن أذهب أنا و تبقى ياسمين هنا بأمان
قال سامر و هو يدفع حمزة للجلوس :
_الطبيب منعك من السفر بشكل واضح ... عليك أن تهدأ و ترتاح
قال زياد قاطعاً هذا الحديث :
_ كما قلت مهاب سيدخل الولايات المتحدة بشخصيته الحقيقية لقد رتبت هذا الأمر سابقاً مع رئيس هيئة الأركان ....
قال مهاب و هو ينظر لزياد بعتاب :
_ كان يمكنك تحذيري أولاً قبل هذا اللقاء المفاجيء
_ أردت أن يكون الأمر طبيعياً مقدم مهاب ... أحتاجك بالداخل لتراقب لوكاس و تخبرني بتحركاته من موقعك .... لا تتجاوز حدود مهمة الحراسة الشخصية ... مهما حدث لا تدخل بأي شكل في أعمال الفريق
_ حاضر سيدي العقيد .. و هذه قائمة أسماء الوفد الذي سيرافق رئيس الوزراء .... بينهم اسم يهمك
نظر زياد إلى القائمة و التقط اسم قصي بينهم ... تمنى في داخله أن لا يصطدم معه بعراك يضطر لحسمه برصاصة
أكمل زياد مبتلعاً مشاعره و هو ينظر لأمجد و حازم و ياسمين :
_أنا سأسافر الليلة و أنتم الثلاثة ستدخلون الولايات المتحدة وفق الخطة التي ناقشناها سابقاً حسب الايام المحددة لكل منكم .... كل منكم تسلم الأوراق و الجوازات التي أعدها سامر ...التزموا بكل حرف بحذر شديد و احفظوا العناوين التي سنلتقي بها بالإضافة لطرق التنكر و مواعيد السفر ..... هل من سؤال أو استفسار ؟؟
ساد الصمت لثواني ليقطعه زياد قائلاً :
_ اسمعوني جيداً .. مهما حصل و تحت أي ظرف ..... لا يمكن ان تنكشف شخصية أي منكم ... و في حال تعقدت الأمور و تم إلقاء القبض على أحدنا ...لا تذكروا اسم دولتنا في الأمر ... أنتم تتصرفون بشكل منفرد ... و يمنع عليكم التدخل للإنقاذ ... لا تظهروا أنفسكم حتى لو كان أحدنا يصارع الموت ... لا تقتربوا نهائياً مهما كان الثمن هل هذا واضح للجميع ؟؟ ......ياسمين و حازم .. أنتما الأثنين .. في حال نشب صراع أو عراك .... لا تفكرا سوا بالإنسحاب و الإبتعاد ... لا تنخرطا في أي قتال بأي شكل
تطلع زياد إلى الوجوده المتعلقة به و هو يقول :
_ أريد من الجميع أن يتذكروا بأن ما نقوم به هو عمل نقصد به رضى الله و تحقيق مصلحة الوطن و البشرية ... نحن لا نقوم بذلك لمصلحة شخصية أو لتحقيق انتقام ... إن كانت نواياكم تتجه لأمور أخرى أو إن كنتم تشعرون بالتردد أو التشكيك بهذا العمل.. انسحبوا الآن في هذه اللحظة
صمت لدقيقة و هو يقرأ الوجوه التي تعلقت به تظهر عزماً و عهداً بالسير على الطريق متحدين و مخلصين النوايا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخل المنزل و هو يدلك رقبتهُ بإرهاق متجاهلاً ألم خاصرته ..... لقد أنجز الكثير من العمل في فترة قصيرة و الآن عليهِ أن يدخل في رحلة طويلة ملتوية غير مباشرة إلى الولايات المتحدة متخذاً أكثر من صفة و إسم ... نظر لساعته التي أشارت لمنتصف الليل .. بقي ثلاث ساعات لانطلاق رحلته إلى المغرب بحجة بحثهِ عن صديق قديم إنقطعت أخباره ...
كانت ياسمين نائمة على الأريكة جالسة تسند رأسها على ركبتيها تضم ساقيها بقوة .. كم تبدو هشة و رقيقة ... سهلة الكسر ... عصف بصدره خوفٌ لايعرف له تفسير أو تبرير ...لم يخشى فراقها ؟؟ سيلتقها بعد أيام قليلة في أمريكا .... صوتٌ يدوي داخل صدره يحذره من تركها ورائه ....
حقيبته قد حزمت بانتظار رحيله .... نظرَ مرة أخرى لساعته ..نصف ساعة و سيصل مهاب ليقله إلى المطار
إقترب منها بهدوء يجلس إلى جانبها يخشى خدش سكينتها ... مرت دقائق و هو يجول في تفاصيل وجهها يريد أن يحفظه .. يحفره بذاكرته ... يوشمه في قلبه ... و ذلك الصوت لازال يأبى تركه .. لا تتركها ... ابقى معها
فتحت عينيها ببطء لتبتسم بهدوء .. تمد يدها تلمس وجهه بأطراف أصابعها :
_ لقد تأخرت
أمسك كفها يلثمها وهو يبتسم لها بهدوء ينافي عواصف الخوف في نفسه ...
_ أعتذر منك لكن التحضيرات أخذت مني وقتاً طويلاً
_ متى ستغادر ؟؟
_ في أي لحظة سيصل مهاب
ارتجفت شفتها كما قلبها و روحها ... لتنتقل رعشتها لكل جسدها و الخوف الذي حاولت طوال الأيام الماضية حبسه في قلبها تمرد و فضح نفسه ....
_ ياسمين أنتِ ترتجفين بشدة هل أنت محمومة ؟؟
وضع كفه على جبينها و جده بارداً كلوح ثلج ... ضمها لصدره ليبث الدفء لجسدها و لكن ارتجافها كان يزداد مع كل ثانية تمر تعلن قرب الوداع
_ حبيبتي .. ما الأمر أخبريني .. ما الذي يزعجك بهذه الطريقة ؟؟
نظرت إليهِ و هي ترسم على شفتيها بسمة مرتجفة و الدموع تهدد بالإنكسار على وجهها الشاحب
_ لا تقلق زياد ..لكن انا ..أنا بخير .. بخير
_ ياسمين إن كانت مسألة ذهابي إلى دلال ...
قاطعته سريعاً و هي تقول متلعثمة:
_ لا .. لا ... ليست دلال ... أثق بأنك لن تظلمني بهذا الأمر و لن تظلمها ...
_ إذاً ما بالك ترتعدين خوفاً بين يدي ؟؟
بللت شفتيها الجافتين و هي تقول :
_ انا آسفة ...لم أقصد أن أتسبب بتوترك قبل سفرك
أحاط وجهها بين كفيه و هو يقول :
_ لا تعتذري ياسمين .. أريد فقط الإطمئنان عليك
_ لا أعلم زياد ...صوت في داخلي يصرخ بكل قوته ...بأن ... انني ...
انفجرت باكية بقوة و هي تتمسك بقميصه ... أراد أن يطمئنها و يطيب بالها و لكن ذات الصوت يخبره بأنه يودعها للمرة الأخيرة
ارتفع صوت هاتفه ليظهر اسم مهاب معلناً وقت الرحيل .... نهض زياد سريعاً ينتشل نفسه من مشاعره الغير مبررة ...
_ سأدخل إلى يزن
تقدم ببطء في غرفته المظلمة .. انحنى يقبل جبينه و هو يمرر أصابعه في شعره الناعم قائلاً:
_ أراك قريباً أيها الرجل الصغير
خرج ليجد ياسمين واقفة بجانب الباب الرئيسي تضم نفسها و دموعها تجود بإنسكابها المؤلم .... تقدم ناحيتها و هو يغمرها بنظرة مطمئنة و حنونة ... حمل حقيبته .... قبل جبينها و فتح الباب يريد الخروج و لكن قدماه تسمرت مكانها .. لم يستطع أن يخطو إلى الخارج ..عاد ينظر إلى ياسمين المبتسمة من وسط دموعها ... ترك الحقيبة تسقط أرضاً مسرعاً إليها يضمها لصدره بقوة ... متناولاً شفتيها بقبلة عاصفة و قوية .. يحاول الإرتواء منها ممراً أصابعه بشعرها الفجري و هي تتمسك به بقوة تريد أن تبقى و يبقى في هذه اللحظة للأبد ... لكنه ابتعد ... أخذ حقيبته .... و رحل
انهارت بالبكاء أرضاً ترتجف كورقة خريف تستقبل عواصف الشتاء الباردة ... و كلمات تردد صداها في قلبها ... هذا هو الوداع الأخير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
جالسة بين أوراق عملها تسترق النظر لطفلها النائم بسكينة تحاول الإنتهاء قبل استيقاظه ... رنين هاتفها جعلها تسرع بالإجابة خوفاً من استيقاظه ...
_ مرحباً .... أهلاً أستاذ وليد ... الأخبار !! .. سأفتح التلفاز الآن
تعلقت عيناها بصورته و مقدمة الأخبار تعلن خبر استشهاده
" و قد قامت قوات الإحتلال الغاشم باغتيال المقاوم الفلسطيني علي ... بغارة استهدفت منزله .. الشهيد تمكن منذ شهور من كسر سجنه الإداري و الهرب ليظهر بشكل مفاجيء في قطاع غزة لينضم للفصائل الفلسطينية المسلحة "
دموعها غسلت وجهها دون أن تدرك ذلك و هي تحدق بالشاشة تتأمل صورة وجهه ..رفاقه يحملونه على أكتافهم و قد لف علم فلسطين جسده .. وجهه مضيءٌ كالقمر و ابتسامة زينت شفتيه تبشر بنصر قريب... يرددون من حوله الهتفات و التهاليل
" ياشهيد ارتاح ارتاح ..نحن راح انكمل الكفاح.... قسما قسما يا شهيد .... عن اهدافك ما بنحيد... الله أكبر .... الله أكبر "
عادت تتحدث مع الاستاذ و ليد و هي تقول بعزم :
_ سأكون معكم في نيويورك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دخلت لمكتبها تحزم أغراضها و تسلم العمل الذي التزمت به وقت عملها بشركة حازم ... لم تنتبه لتلك التي دخلت بسبب شرودها عن العالم تفكر بالذي سافر و تركها في حالة من الخوف و الرعب و الاشتياق
تقدمت سيرين منها تتمايل لتثبت أنوثتها و جمال جسدها الذي أحيط بثياب رقيقة تظهر أكثر مما تخفي ...
_ ستتركين العمل في الشركة ؟
ابتلعت ياسمين رجفتها و صدمتها بدخولها المفاجئ و هي تقول ساخرة :
_ سأترك لك المكان حتى ترتاحي عزيزتي
قالت سيرين بصوت مرتجف يهدد بالبكاء:
_ و هل ستتركين قلب حازم هنا أم أنك ستحتفظين به ؟
تجمدت أصابع ياسمين و توقفت عن تنظيم الأوراق و هي تحدق بسيرين التي امتلأت عيناها بالدموع متسائلة :
_ أنت تحبينه حقاً .. أليس كذلك ؟
عقدت ساعديها بحركة دفاعية و هي تحاول جاهدة كبت بكائها :
_ أحبه !!! أنا أعشقه .. أتنفسه في كل لحظة ... توقفت حياتي عند أمل بأن يلتفت إلي ... لكنه لا يراني ... حاولت جاهدة الإهتمام بمظهري .... غيرت طريقة لباسي من أجله و طريقة كلامي .. لكن بقيت لا مرئية بالنسبة له .. هو لا يرى غيرك أنتِ
تنهدت ياسمين بحرقة و هي تقول بعطف :
_ صدقيني أتمنى أن يجد حازم حباً جديداً يملأ أيامه دون ألم أو إهانة .... هو يستحق ذلك ....يمتلك عواطف و مشاعر دافئة تبحث عن حضن دافيء يتلقاها ... لكن صدقيني الأسلوب الذي تتبعينه لن يصلح معه ...
ضمت سيرين نفسها و قد شعرت بأنها عارية أمام كلماتها و هي تقول مرتجفة :
_ أخبريني أرجوك ما الذي يريده و سأقدمه له
تقدمت ياسمين ناحيتها ... و هي تقول بحنان :
_ فقط كوني انتِ .. دعيه يرى حقيقتك دون زيف أو تمثيل ... لا أقول أنه سوف يقع يحبك و لكنك على الأقل لن تخسري ذاتك كما فعلت لفترة طويلة من حياتي
رددت سيرين بضياع و هي تحدق بعيني ياسمين :
_ أكون أنا ... فقط أنا بهذه البساطة
ابتسمت لها ياسمين مشجعة.. بادلتها سيرين الإبتسامة و هي تخرج من المكتب تمسح دموعها:
_ شكراً لكِ ....
عادت ياسمين لعملها و قد انتهت تقريباً .... جمعت ما تريد أخذه معها و أبقت ما يخص الشركة مع ملاحظات توضح كل شيء ..... أخذت نفساً عميقاً و هي تمر بعينيها على كل ركن تودعه ... توجهت ناحية الباب ... و في اللحظة التي مدت يدها لتفتحه دفعه حازم لتتراجع هي بضع خطوات إلى الخلف لتصدم بنظرة من حازم .... نظرة حفرت بذاكرتها ... نظرة أشعلت بقلبها فتيل الخطر .... تمالكت نفسها و هي تقول له بهدوء :
_ كنت سأمر عليك قبل انصرافي
استمر بالتحديق بها و هو يخوض بقلبه صراعاً صعباً و مؤلماً حدّ الموت.. نظرت ياسمين إلى الباب المفتوح و هي تقول :
_ لقد أنهيت العمل الذي وقعت عقده و صنفت ...
قاطعها و هو يقول بصوت منهك ... مجروح :
_ لا ترحلي
تمسك بأوراقها و حقيبتها بقوة و هي تقول بصوت خفيض :
_ كنت تعلم ان الأمر مؤقت ... من أجل المهمة فقط
اقترب خطوة واحدة و هو يقول متوسلاً :
_ أرجوكِ لا ترحلي .... هل تعرضت لك طوال فترت وجودك في الشركة ؟
تسارعت أنفاسها و هي تحدق بالباب :
_ لا ....لم تفعل ولكن
قاطعها و هو يقول بلوعة :
_ إذاً لا ترحلي .... أبقي معي .... لا تحرميني من تلك اللحظات القصيرة التي أسرقها من الزمن حتى أكون بقربك ... لا تقتلي بقايا روحي برحيلك و بعدك
تجنبت النظر لعينيه و هي تتجه ناحية الباب تقول متلعثمة :
_ لن يكون الأمر منصفاً لك .....وجودي بقربك لن يساعدك لتتجاوز مشاعرك إتجاهي يجب أن أغادر الآن
تراجع حازم يسبقها مغلقاً الباب بعنف و هو يقول مرتجفاً محمر العينين :
_ من قال أني أريد تجاوزك ... انا لن أحب من النساء غيرك ...... ياسمين لم أعد أحتمل ... قناع البرود الذي أرتديه أصبح ثقيلاً .. أكاد أجن و أنتِ على ذمة رجل آخر .. أنتِ كنت و ستبقين لي .... ملكي وحدي ... هل تفهمين ؟؟
انكمشت على نفسها مرتجفة و ذكرى ماضيهما معاً تعود لتتذكر كل إهانة ..كل ضربة .... كل ركلة ... يقف الآن أمامها بنفس همجيته و قسوته و تملكه و غيرته
نظرت إليه بقسوة و هي تقول له بحزم لم يعتده منها :
_ حازم .. أنا إمرأة متزوجة الآن ... كل ما تقوله لا فائدة ترجى منه ... لقد انتهينا ..إفهم الأمر .. من المستحيل أن نجتمع مجدداً
أرادت أن تتجاوزه و تخرج لكنه أسرع يطبق على كتفيها كمصيدة محكمة يتفرس ملامحها المرتعشة .... توقف عند شفتيها و عطشه لها يزداد ...كم يرغب بالإرتواء منها حتى يثمل و يغيب عن قسوة الواقع
أدركت ياسمين معنى نظراته ..قالت متوسلة و هي تحاول جاهدة التحرر من قبضته :
_ أرجوك حازم لا تفعل .... لا تقضي على علاقتنا الهادئة و المسالمة من أجل يزن ... أتوسل إليك
_ هادئة!!! عن أي هدوء تتحدثين و عواصف حبك تجتاحني ليل نهار ... لقد تعبت ... تعبت ياسمين .. أنا أحبك بصدق و أنت تمضين بحياتك كما لو لم أكن فيها يوماً
دموعها خذلتها و هي تحاول التسلح بالقوة و مازالت تحاول تحرير نفسها
_ حازم اتركني الآن .... أتركني
_ أبداً
أطبق على شفتيها اللتان ضمتهما بإحكام .. لم تجد سوا أظافرها سلاحاً تغزه في رقبته و كتفه دون رحمة ... و هي تحاول جاهدة دفعه
شعور الألم جعله يعود لوعيه ليبتعد عنها و هو يلهث شاتماً .. يلمس رقبته .. و يرى نقاط الدم على أصابعه :
_ ما الذي فعلته ايتها الغبية
من دون وعي رفع يده يريد أن يصفعها لكنه توقف بمنتصف الطريق و قد عاد لوعيه قليلاً يشعر بالصدمة و التقزز من نفسه يهمس بأسفه ... سقطت ياسمين أرضاً تفرغ كل ما في معدتها ..و من ثم أخذت تمسح شفتيها بعنف حتى سال الدم منهما و هي تقول بغضب :
_ همجي ... حقير ... وغد
اقترب منها و هو يقول بضياع :
_ انا آسف ياسمين ... لم أقصد
وقفت على قدميها رغم ارتجافها و هي تقول بحقد و غلّ :
_ دائماً ما كنت آسفاً .. دائماً كان عذرك بأنك لم تقصد ... أنت شخص مريض تحتاج لعلاج ... ابتعد عن حياتي حازم .... أكرهك .. أكرهك
أسرعت بالخروج من المكتب دون أن يتعرض لها و هويسقط بظلام لا قرار له
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
ما أن وصل الولايات المتحدة تخلص من تنكره المتقن و اكتفى بقبعة رياضية و شارب مزيف مرتدياً بنطال جينز و قميص قطني أزرق... توجه لشقة مجد عن طريق المواصلات العامة .... قلبه يخفق بقوة تكاد تحطم قفصه الصدري مستشعراً وجود خطئاً ما ...
لم يتلقى رداً على طرقاته على باب شقته ... اتصل بمجد و كانت كل ثانية يقضيها بالإنتظار تمزق روحه بعنف
أخيراً أجاب مجد و قد بدى صوته منهكاً و متعباً للغاية
_ أهلاً زياد
_ مجد أنا أمام شقتك الآن
أجابه متعثراً بكلماته :
_ الحمد لله على سلامتك ... لكن انا في المشفى لقد قامت دلال بإجراء العملية أمس
شعر زياد بصاعقة تضربه ليرتجف قلبه
_ لماذا ؟ موعد عمليتها في الغد
_ لقد علمت بأمر اتصالي بك و قامت بتقديم الموعد حتى تسبق حضورك
_ الغبية !!! حمقاء
_ زياد ..دلال ...
قال بحسم و غضب و ذعر :
_ ما الذي حدث معها ..؟؟ هل تأذت تكلم مجد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أنت تقرأ
الشبح
Misteri / Thriller__ - لقد مضى على الأمر ساعات ولم تصلنا أى أخبار جديدة ؟ - لا بد أن المفاوضات مستمرة ؟ - أى مفاوضات .. لقد قامو بقتل رجل ورميه بدم بارد . - ماجدة يجب أن تهدئى .. هذا من أهم شروط الصحفى الناجح . - أنا أسفة ولكن المعلومات التى وصلتنى عن الرجل القتيل أث...