المناوبة

46 4 0
                                    

    أتيت مع طبيبتي للمشفى... لا نقضي مناوباتنا الا معا... ركنت السيارة داخل المشفى.. لم تنبس بكلمة طوال طريقنا من البيت الى هنا، لكني لحظت تعابيرها، كانت غاضبة مني، تحاول كبح دموعها...

    أحبها كثيرا ولا اطيق رؤيتها هكذا...

    لكنني كنت السبب، ولم ادر كيف اجعلها تبتسم لم ادر ما افعله كي ارى ضحكتها التي احب مجددا...

    فقط أبقيت السيارة مغلقة، أمسكت يدها.. كنت اعرف ما يحزنها وكانت تنتظر مني أن اقول شيئا، لكن لا ادري ما كان يجب علي قوله.. رفعت يدها إلي وقبلتها.. قلت:

  - تعلمين أن الأذى لم يكن مقصودا.. فقط كانت لحظة....

    سحبت يدها التي تعودت أن تمسح بها على وجهي وتداعب بها لحيتي التي حرمت علي ان احلقها.. لم استطع اتمام جملتي...

    لم تقل شيئا بعد... لم اسمع صوتها منذ ساعات.. ما عدا ربما بعض الشهقات التي بكتها وهي تعد لي القهوة.. لم تبتعد عني فعلا ولكنها اصبح باردة جدا ومتعبة جدا.. لا اظن حتى ان كانت تستطيع اكمال هذه المناوبة.. نظرت اليها بمئزرها الابيض.. لم اكن اتخيل انها يمكن ان تكون بهذه القسوة...

    فتحت باب السيارة ونزلت قبلها، وقفت مقابلا اياها، نظرت اليها بينما كانت تشيح بعينيها الخضراوين عني.. وضعت يدي على كتفها مشجعا، حاولت رسم ابتسامة.. كنت حزينا لأنها لم ترد النظر الي.. كيف تحرمني من جنتي التي في ناظريها.. كنت حزينا لأني عرفت ان قلبها مكسور بشدة.. كانت ترتمي في حضني كالصغار كلما حصل لها شيء يؤذيها.. خمس سنوات.. تزوجتها منذ خمس سنوات ولم تكن يوما بهذه القسوة..

  - ستكون ليلة طويلة، سنفترق الان، اتصلي بي ان حصل اي شيء..

    لم تقل شيئا مجددا... لم تفعل اي شيء، بينما اعتادت ان تعانقني مطولا قبل ان نفترق... قلبي كان يتحطم الى اشلاء في كل مرة، مع كل حركة... ليس لأجلي ولكني اكتشف كم ان قلبها محطم لتبتعد عني...

    عانقتها انا، بينما كانت هي اشبه بجثة ميتة باردة لم تفعل شيئا.. ضممتها بقوة الى قلبي كما لو كنت ان انقل لها شيئا من الحياة... لم تفعل شيئا سوى انها بكت مجددا، ابقيتها داخلي وهي تبكي.. لا تزال صغيرتي التي احببت منذ البداية، على الاقل لم اخسرها...

    افلتُّها حين هدأت وأمسكت بذراعيها، اخفضت رأسها مجددا، رفعته بيدي، لم تبعد نظرها عني هذه المرة.. فكررت:

  - ان كان هناك اي شيء، اتصلي بي، اتفقنا؟

    لازلت لم احظى بسماع صوتها بعد.. لم تفعل شيئا سوى ان هزت رأسها موافقة.. فتركتها تذهب، لم تستدر او تبتسم لي كما اعتادت ان تفعل.. انطلقت نحو مصلحة طب النساء والتوليد، راقبتها وهي تمشي حتى دخلت المكان.. تلك المشية الخفيفة نفسها، بلباس غرفة العمليات الاخضر كلون عينيها الجميلتين، ومئزرها الابيض، يناسبها كما لو كانت فكرة المآزر من اجلها، وحذاؤها الرياضي الابيض، تدرك حين تراه انها ستكون ليلة طويلة ومليئة بالحركة...

حين تريد الكتابةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن