رصاصة

8 1 0
                                    

يقف امامي مادا ذراعيه يحاول حمايتي

بالكاد استطيع فتح عيني لأشاهد ما يحصل...

وقد احتجت وقتا طويلا لأستوعب اني ممددة على الارض، رأسي يؤلمني، ولا اقدر على الحركة الا قليلا، كما لو كانت اطرافي مخدرة كليا..

اسمع صوته ينادي شخصا ما وينعته بالجبان...

لم ادرك من هو ولم اكن ارى بوضوح لأتبين ملامحه...

عصفت الرياح بقوة مثيرة كل الغبار في المكان، فأغلقت عيني واعتمدت على سمعي لأحاول فهم ما يجري في هذه اللحظات...

لا ادري كيف وصلنا هنا، ولا لم كل هذا الالم...

لا يداعب ذاكرتي الا صوته...

ثم سمعت صوت قهقهة عالية عن بعد بضع عشرات من الامتار...

ثم تنخفض هي ليحل محلها صوت محركات السيارات... ثم صوت فرامل...

كل هذه الاصوات كانت تصيبني بالاضطراب ولكن ما هز كياني، هو صوته من جديد يطلب المواجهة العادلة...

"العدالة؟! هه.. فليحققها لك ربك..."

وتعالت تلك الضحكة المستفزة من جديد...

كانت تلك اشارتي...

كان علي ان افتح عيني وان اقف...

لم يكن الامر سهلا...

ولكني احسست ان الزمن تجمد مانحا اياي هذه الفرصة لاستجمع قوتي...

وقفت رغم الالم الذي سكن مؤخرة رأسي... اظن اني تلقيت ضربة في تلك المنطقة، ولكن ممن؟ كيف؟ ولماذا؟...

حسنا لا يهم ذلك الان..

المهم اني وقفت، تسارع تنفسي ودقات قلبي كما لو كنت عائدة من سباق..

اقتربت بضع خطوات فصرت خلفه تماما ووضعت يدي على كتفه، استدار نحوي، عيناه كانتا مملوءتين دموعا...

كان خائفا علي ولكني الان بخير تقريبا..

همست في اذنه... "معك حتى النهاية"

اجابني "معكِ حتى النهاية"

.....

لم تمهلنا الحياة كثيرا...

رصاصة اخترقت صدره كانت كافية لتجعلني اؤمن انها كانت اخر كلمات تقال بيننا...

لكن قلوبنا كان لديها الكثير لتقوله...

وقع على كتفي.. ولم اتحمل فجثوت على ركبتي وحملت رأسه بحجري...

كان ينزف بشدة...
وحرارته تنخفض بسرعة...

وضعت يدي على جبينه ومسحت على رأسه، لست ادري لماذا.. ولم اكن املك اي فكرة عما يجب ان افعله...

لم يكن هناك غير دموعي الحارقة التي تنساب دون شعور مني...

تمنيت لو انني كنت رابونزل ذات الدموع الشافية وانا اراقب كيف كان لون قميصه يتغير شيئا فشيئا مع تدفق الدم من صدره...

ظننت انني كنت اتخيل حين رأيته يقاوم المه ويبتسم...

ولكنه استجمع قوته اكثر، ورفع يده بصعوبة ليمسح الدمع من عيني... ثم ثبتها على وجهي مداعبا، مثبتا النظر بعيني...

كانت يده باردة كالجليد، تعدل من حرارتي التي ارتفعت بشدة...

لم يكن للعالم الخارجي وجود حينها، كان هو عالمي، بل كوني كله...

امسكت بيده كي اخفف عنه التعب، عله يضل معي لفترة اطول...

قال لي "لم اخبرك هذا من قبل كي لا تبكي، لكنك تبدين جميلة جدا والدموع تلمع في عينيك... لم اكن لاسمح لأحد ان يؤذيك فلا تبكي بسببي، ولا لأجلي... لا تدعي احدا يرى كم انت جميلة حد الجنون وانت تبكين... واعلمي انني دائما وأبدا احبك.. اجعلي دعاءك يجمعنا في اخرتنا..."

لم اتحمل اكثر واغمضت عيني وحركت شفتي "يا رب، لا تباعد بيننا ابدا"

لم تكن لدي قوة تكفيني لاصدار اي صوت، اختنقت...

وضعت يدي على قلبه وقلت "هنا سكني وموطني ف يا رب الى اين ساغترب ان رحل"

ثم ضممت يده الى قلبي وقلت "هذا سكنه وموطنه فمن يعمره اذا رحل"

انفجرت باكية ولم اترك للقوة مكانا

لم يكن قادرا على التحمل اكثر
تمتم ببضع كلمات اظنها الشهادتين ثم تحررت روحه التي اخالها انسابت داخلي، ففي تلك اللحظة لم اكن ارى غيره، ولا يرن في سمعي الا صوته...

لم اكن اهتم لتلك الضحكة التي لم تتوقف منذ وقوعه، ولا لكل الاتباع الذين احاطوا بنا والذين لم انتبه لوجودهم الا بعد حين... كان عددهم يزيد عن ثلاثين، محيطين بنا كما لو كنا انتحاريين...

اما صاحب الرصاصة فقد اقترب منا كثيرا... ربما اكثر من اللازم... انحنى وقرب يده مستشعرا نفس فقيدي فصرخت فيه ليبعد يديه عنه، ولا يقترب منه ابدا...

وقف متأملا اياي، وعيناي تلتهبان غضبا وحقدا، ودموعي تنساب دون ان اتحكم بها...

مشى في دوائر حولنا، اصابني بتوتر...

وضعت ذلك الجسد صاحب الروح الطيبة ارضا بكل حذر وقبلت جبينه بكل حب... كانت تلك اخر قبلة ارسلتها اليه، واخر علامة رقة كانت لتبدو علي...

وقفت... بل انتفضت بكل قوة... بينما القاتل يحوم حولنا...
اقترب مني مبديا اعجابه بقوتي...

كانت كل كلمة منه تحرقني اكثر، تستفزني اكثر
كنت على شفا الانهيار ولكن لم يكن الوقت مناسبا...

كان قلبي يدق، ورئتاي تتنفسان، وعضلاتي تتحرك، لا زلت حية، مغتربة، وحيدة، فاقدة لكل ما ملكت يوما، ولم يتبق لدي شيء لأخسره... انتفضت روحه داخلي فجأة، واستدرت لأجد ذلك الرجل خلفي مباشرة...

في تلك اللحظة احسست ان الوقت بيدي، او ربما كان يعطيني فرصة اخرى، اجل لقد توقف الزمن لوهلة، كانت كافية لأسرق مسدسه واصوبه نحو رأسه...

لم اهتم للأسلحة التي وجهت الي حينها وثبتت عيني بعينيه، لم اكن خائفة ابدا، بل هو من كان خائفا، مدرك انه لم يترك لي اي شيء لأخسره، ولم ادع له مجالا للشك حين قلت له

"لا تخف الا ممن لا يخاف الخسارة..."

واطلقت رصاصة لم تخطئ هدفها، كانت الرصاصة الوحيدة التي اطلقتها طيلة حياتي...

حياتي؟

لم تمتد بعد ذلك طويلا...

كانت فقط كافية لتثبت لي خطأ من قال ان الرصاصة التي تقتلك لن تسمع صوتها...

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: May 11, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

حين تريد الكتابةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن