السادة المسافرين سنصل قريبا الى وجهتنا...بعد رحلت استمرت لساعات طويلة وصل فهد الى وجهته..حيث المكان الذي ترعر فيه حيث الألم والأمل ترجل من الطائرة واخذ سيارة اجرة..اوصلته لاحدى الازقة التي طالما حملت لنفسه ذكريات حزينة وسعيدة..سافر بعقله لعدة اعوام مضت..
كان هناك طفل صغير يبكي بحرقة..صغير جدا لا يبلغ من العمر سوى ثمانية اعوام ينادي بأسم والديه لكن لا احد يجيبه ولا يوجد شخص يحنو عليه ببعض الطعام كان الجميع ينظرون له كأنه نكرة لا يجب ان يقتربو منه..متناسين انه بشر مثلهم..صغيراً لا يقوى على الحياة..حتى اقترب منه شاب في التاسعة عشر هو الاخر لم يكن افضل منه حالا رغم صغر سنه الا يبدو كعجوز في الخمسين بسبب قسوة قدره..اقترب وسئله
- ماذا تفعل هنا ايها الصغير؟
نظر الطفل بغرابة وقال
- ما شأنك ايها الغريب؟
- هل اخبرك والداك ان لا تتحدث للغرباء؟
- هل ابدو كشخص لديه والديين
- اخبرتك ماذا تفعل هنا في منتصف الليل الا تخاف من اللصوص او الكلاب السائبة
- ليت هؤلاء اللصوص والكلاب يظهرون في حياتي حقا
- اذا انت يتيم؟
- كلا
- تم التخلي عنك , صحيح
اشتد غضب الطفل..
- اجل حدث هذا ما شأنك انت ايها العجوز
حافظ هذا المجهول على نبرته الساكنة- عجوز انت محق ابدو كعجوز ولكن ياولد انا ابلغ من العمر تسعة عشر..أتصدق؟
- مستحيل لا يبدو انك هكذا
- بلى..قريبا ستكون مثلي اذا استمريت بفعل هذا والتسول منتظراً احد يعود ليصطحبك..صدقني البشر وحوش لن يكلفوا أنفسهم بالإتصال بدور الرعاية من اجلك
اجابه مستهزئاً
- والدي ووالدتي لم يفعلو ورموني هنا..كيف تريد من البشر الاخرون ان يشفقو لحالي..من اتو بي لهذا العالم تخلو عني ببساطة..هل تتوقع انني انتظر رحمة احد منهم..
- منذ متى وانت هنا
- شهران
- اذا ابلغتني عن بيتك سأخذك
- هل تمزح معي لقد رموني..لن اعود لهم حتى لو اموت هنا لن افعل..
- حقا قسوة الحياة تنسينا كم نحن صغاراً لنكون في هذا العمر ولدينا كرامة لدرجة اننا نفضل التسول على العودة لمن تركونا..
قال الصغير بنبرة باكية
- اشتاق لهم..اريد ان انام في احضان امي لكنها لم تسمع لي وكم توسلتها..اخبرتها أنني سأفعل ما تريد مني قلت انني سأعمل وادرس معا..قلت لها انتظري لأكبر وسأعوضك لكن هي من اغلقت الباب بوجهي قبل ابي هي من قست اكثر..اذا كانت ستتخلى عني لماذا ولدتني..لماذا ؟
- احيانا تسير الحياة بطريقة لانتوقعها..الحياة قاسية عليهم ايضا..لا بد انهم يعانون لانهم تركوك
- لا اظن بل هم مرتاحون من ولد مثلي لا يفعل شيء سوى التكلم عن طوحه وماذا يريد ان يكون
- ماذا تريد ان تكون؟؟
- طبيب
- حقا شيء جميل..سأساعدك من الان فصاعدا حتى تصبح طبيب..سأكون اخيك الاكبر ونعيش هذه القسوة معا..لدي غرفة صغيرة ستكون كافية لنا وسنعمل معا من اجل دراستك..
- كيف..هذا الامر يحتاج الكثير من الرسميات
- لا تخاف سنجد طريقة لصنع هوية لك..لا شيء مستحيل هذا مااكتشفته موخرا وكنت نادما على تضييع وقتي يائسا لكن مصيرك لن يكون مثلي اعدك يا اخي
- ماهو اسمك
- الرجل المجهول
- ماذا
- نادني بأخي فقطالحاضر:
وهكذا مرت الايام والشهور والسنوات ليكبر هذا الصغير ويصبح طبيب من قلب اليأس والأمل..ليقرر العودة لوالديه..يرى احوالهم اذا كانو يتنفسون الان ويعيشون براحة لطالما فكر انهم يحيون حياة هانئة بعد التخلي عنه لكن الحقيقة لم تكن هكذا..من تجبرهم الحياة على التخلي عن اغلى مايملكون لا يمكنهم العيش بهناء..ليصدم بوالدته الضريرة ووالدة الهرم الذي اثقلته الحياة بهموم كبرى منذ ان تخلى عن طفله..ليقف مندهشا من القدر وكيف يكتب..في تلك اللحظة تسائل لماذا هناك فوارق ماالهدف منها فالبشر وحوش لن يرحموا ابدا..لن يساعدو بعضهم ولن يهتموا ما اذا كان هناك طفل جائع او امراة عمياء او حتى رجل كهل..افاقه من ذاك العالم والده وهو يسأله..
- من تكون انت
تجمعت دموع عينيه وسقط ارضا
- سامحني ابي..ارجوك سامحني لم اتخيل انكم تعيشون هكذا..انا اسف..اسف جدا
نزل والده لعنده..واخذ يرفع راس ابنه بيدين مرتجفتان..
- هل هذا انت..فهد ولدي انه انت
- اجل انه انا..ابي
- من هناك؟ ماهذا الصوت؟؟
وقف امام والدته التي اتت للباب بعد ان سمعت اصوات بكاء زوجها ورجل اخر..
- ماذا يحدث هنا ؟
- امي
كأن العالم بأكمله اهتز لحظة سماع هذه الكلمة..
- امي!!
- اجل امي انه انا ابنك
- فهد هذا انت..اين انت..تعال الي يا ولديفي تلك اللحظة الجنونية نسي الجميع العتاب والاسف..كانهما قرر البدء من الصفر دون ذكرالماضي وقراراته المؤلمة فكلاهما عانا المر والألم ..ساعد فهد والديه كما وعدهما عندما كان طفلا صغيرا ومحى من ملامحهما قساوة السنين..لكن سعادته ناقصة من دون الاخ الذي رحل فجأة دون ان يخبره شيء..بحث في كل الاماكن..المستشفيات..دور الرعاية..السجون لكن دون اثر ومرت السنوات مجددا ليصحو ذات يوم على اتصال هاتفي يخبره بأن من يبحث عنه مات منذ عامان..صعق بهذا الخبر..كيف يكون اخيه ميت وهو من انتظر عودته بشغف ليخبره عن نجاحه وانه اصبح بروفيسور الان ليفتخر به..كيف يموت حتى دون ان يسمح له بتوديعه..لطالما كان القدر هكذا..مؤلم جداً..لا يرحم يستمر في اختبارنا بشتى الطرق ليعلم مدى صبرنا وايماننا بالقضاء والقدر..فمات ذلك الرجل كما عاش شخص مجهول..لا احد يعرف عنه شيء..كتب على شاهد قبره
العجوز ذا التسعة عشر عامًا...
أنت تقرأ
انا وفوضاي
Randomهنا سأكتب عن حروفي التي لم اعد اطيق ابتلاعها وجعلها تنهش عقلي..تحرقني..تقتلني..الحروف التي اود قتلها لحظة ولادتها...حروفي البائسة...قد تكون محظ تخيلات