العصر العثماني المتأخر

122 15 12
                                    

تتذكرون الدولة العثمانية ومجدها؟ محمد الفاتح وفتح القسطنطينية، وفتوحات الشرق والغرب التي كادت توحّد العالم كله تحت لواء الإسلام، لكن هل تم ذكر شيء آخر بعد الفاتح؟
لا لم يحدث، لأن الدولة بعدها بدأت طريقها نحو الهاوية، سلاطين ضعاف، فساد إداري، الرشوة وفساد الحكومة، الانقلابات والثورات، وأخيراً حزب الاتحاد والترقّي. بدون الخوض في التفاصيل السياسية لتلك الفترة، فقد كانت هذه فترة انهيار الدولة العثمانية وأواخر حكمها، عصورها الأخيرة.

وهذا ما نحن بصدد التحدث عنه، العصر العثماني المتأخر، لكن تركيزنا لن يكون على الجانب السياسي منه، لذا انتبهوا ونشّطوا حواسكم، فما سنحكيه مثير للاهتمام.

في البداية نقول أن الدولة العثمانية عبرالتاريخ قد تركت بصمتها بشكل واضح وكبير، فما تركوه من تراث وعادات ما زال البعض يستخدمها حتى الآن لهو شيء مذهل. ومن هذه العادات الغريبة التي تدل على ذكائهم وحرصهم على الآداب وإكرام الضيوف كوب الماء مع القهوة؛ حيث كانوا يقدمون الماء مع القهوة عند استقبال ضيوفهم، ففي حال كان الضيف قد شبع يمد يديه إلى القهوة، أما في حال تفضيل الضيف الماء، فيفهم صاحب البيت أنه جائع، فيكشف عن ساعديه لإعداد المائدة، بهذه العادة صاحب البيت يطعم ضيفه دون أي حرج.

كذلك المطرقتان على الباب؛ حيث كانت توضع في العهد العثماني على أبواب المنازل مـطرقتان، واحدة صغيرة، واﻷخــرى كبيرة، فعندما يطرق الباب بالصغيرة، يُفهم أن الذي يطرق الباب امـرأة، فكانت تـذهب سيدة البيت وتفتح الباب، وعندما يطرق بالكبيرة يُفهم أن على الباب رجــل، فيذهب رجل البيت ويفتح الباب لاستقبال ضيفه. وهناك عادات تدل على احترام أهل البيت مثل ترك الحذاء على الباب، وهو ما يفعله أغلب العرب حالياً.

ومن عاداتهم الجميلة لرفع الحرج عن البعض، الوردة الصفراء والوردة الحمراء؛ حيث كانت توضع وردة صفراء أمام البيت الذي فيه مريض، لإعلام المارة والجيران بضرورة التزام الهدوء وتجنب إزعاج المريض، وقد اختلفت الأقوال ما إذا كانت وردة واحدة أو سلة زهور كاملة. أما إذا وُضعت وردة حمراء، فكان هذا يعني بأن هناك شابة وصلت إلى سن الزواج موجودة داخل البيت يمكن التقدم لخطبتها، ويُحذر النطق بالأقوال البذيئة بجانب البيت حرمة لعواطفها.

ومن باب العطف على الفقراء وتجنب إيذاء مشاعرهم كانت فئة الأغنياء العثمانية يتبرعون للفقراء دون كشف هويتهم، فكانوا يقومون بالذهاب للبقالة وبائعي الخضار ويطلبون دفتر الدين، ثم يسددون ديون الفقراء ويطلبون حذفها من الدفتر دون ذكر أسمائهم، وكان الفقراء دومًا يجدون دينهم قد حُذف دون أن يعلموا من قام بذلك فكانوا لا يشعرون بمنّة الأغنياء عليهم.

بعد أن ذكرنا بعض عاداتهم التي لا تنم إلا عن احترامهم لمفهوم الإنسانية وحب الآخرين وتجنب إيذاء مشاعر الغير، نكمل رحلتنا عبر ملابسهم في ذلك العصر. حين كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها الاقتصادية والسياسية، وصلت صناعة الغزل والنسيج في هذه الفترة إلى القمة مع إضافة الذهب والفضة والمكونات المعدنية للطلاء إلى المنسوجات الحريرية، وقد أولى السلاطنة العثمانيون أهمية كبيرة لثيابهم وارتدوا الجلباب والقفطان المصنوعين من الأقمشة الغالية والفاخرة، وسواء كانت تلك الأقمشة وخاصة الأقمشة الحريرية تحاك للقصر أو لعامة الناس، فإنها كانت تخضع لرقابة صارمة من قبل الدولة، وتطور الأمر بعد ذلك إلى اطّلاع الحرفيين على التطور الذي حدث على طول ووزن الأقمشة والصبغ وكذلك إرسال النسيج لفحص جودته وبعد أن يستوفي الشروط يتم ختمه وإرساله إلى السوق.

معالمٌ منسية |عنصري الزمكان|حيث تعيش القصص. اكتشف الآن