الفصل الرابع عشر

873 28 0
                                    

الفصل العاشر :

منذ ان تركا المطعم وعادا الى المطار للعوده الى بيروت لم تكن (رؤى) تتكلم اطلاقا كأن لسانها قد عقد اكتنفها صمت مطبق ولكنها فى نفس الوقت كانت عصبيه للغايه اى شئ يقع تحت يدها تكون نهايته اليمه كباب السياره وحزام الامان، وهى التى كانت دائما هادئه ومسيطره على نفسها ، حتى عندما حاول (أدهم) مساعدتها للصعود الى الطائره نفضت يدها من يده بعنف ومنذ ذلك وهو لا يحاول الاقتراب منها او التصدى لعصبيتها تركها تفعل ما تشاء، كم كانت اعصابها تحترق مما سمعت للتو لم تكن تتخيل ابدا ان تكون الحقيقه على هذا النحو لم تكن تتخيل على الاطلاق ان ما سمعته منذ قليل هو سبب كل ماعانت منذ ان تركها (أدهم) الى ان تزوجت به ،شعرت انه لايستحق كل هذا الحب الذى تحمله له فى قلبها ووعدت نفسها ان تذيقه مما اذاقها اضعافا ، وعندما عادا الى الفندق وصعدا الى غرفتيهما توجهت على الفور الى الفراش ونزعت منه غطاء ووساده والقت بهم على الاريكه ونظرت له بتحدى ان يعترض على ما تفعل ثم توجهت الى خزانة الملابس واحضرت منها منامه وروب طويل وهى تقول بحده :
_ اظن اننى لا احتاج لتوضيح انك ستنام هنا على هذه الاريكه كما اننى لن اعود للباخره فالافضل ان تحضر اشائنا بدلا من ان ترحل على متنها .
ثم دخلت الى الحمام دون كلمه زائده ولكن بعنف وعصبيه زائده ، ومما ازاد عصبيتها انها عندما خرجت من الحمام وبعد ان مشطت شعرها المسكين وجدت ان الغطاء والوساده عادا الى مكانهما على الفراش فتوجهت الى صوب باب الحمام كالقذيفه والذى توجه (أدهم) اليه لتوه وصرخت قائله :
_ انا لن انام بجوارك ، انت تحلم بذلك .
لم يتكلم هو كانت تسمع صوت المياه ثم صوت استعماله لفرشاة الاسنان فقط ،لم يرد عليها ، اعصابها ثائره بقوه ولن تتحمل بروده هذا ، فتحت الباب بقوه وقبل ان تتكلم اطلقت صرخه عندما وجدته لا يرتدى سوى سروال منامته فقط وادارت ظهرها له على الفور قائله بتوتر وهى تعتصر يديها :
_ لماذا لا ترد علي انا لا اتحدث مع نفسى هنا .
لم ينظر اليها كان يحاول التركيز على ما يفعل متجاهلا غضبها واعصابها الثائره منذ ان تركا المطعم، وعندما لم يرد عليها التفتت اليه غاضبه محاوله التركيز على كلامها فقط متناسيه قلبها الصارخ حبا :
_ لماذا انت بارد هكذا يا(أدهم) انا لن انم بهذا الشكل ابدا .
اغمض عينيه محولا التماسك والسيطره على نفسه وفكر فى انه قد حان الوقت للحد من عصبيتها هذه والبدء فى محاولة استمالتها اليه فخرج من الحمام واقترب منها محاولا ضمها اليه وتهدئتها ولكنها انتفضت مبتعده لن تتمكن من تحمل اقترابه ، بينما خفض هو زراعيه يائسا ،فكل ما يريده هو ضمها الى صدره فقط هل لهذه الدرجه لا تتحمل لمساته ، وقال دون ان يتحرك اليها مره اخرى بصوت يملؤه الحب والعذاب :
_ (رؤى) حبيبتى ،لماذا هذا العذاب ، لماذا تعذبين نفسك بهذا الشكل وتقتليننى بهذا الشكل ؟
_ الان حبيبتك ، الان فقط بعد ان عرفت الحقيقه وتأكدت بنفسك .........
ثم استدارت اليه قائله بصوت يشوبه الغضب والحزن :
_ لم تكتشف اننى حبيبتك الا بعد ان واجهتنى ب(اسلام) ، افترض ان (اسلام) كذب عليك للمره الثانيه ولم يقل الحقيقه ، ماذا كان سيحدث وقتها اذن .
تخللت يده شعره الفاحم قائلا بألم :
_ ولماذا نفترض شىء لم يحدث ، ثم ان وقتها كنت سأقرأ كل الحقيقه فى عينيك، لم تكذبا على مطلقا .
كشف فمها عن ابتسامه ساخره ومعذبه ايضا ،واتجهت الى الفراش اخذه منه الوساده والغطاء وقبل ان تستدير لتلقى بهما اليه كان هو خلفها تماما نازعا كل شىء من يدها برقه واعادهما الى الفراش ، التفتت اليه واللهب الازرق يتطاير من عينيها الواسعتان .
كانت تلك لحظه عاصفه التى التقت فيها عيونهما شعرت بماس كهربى يسرى الى اعماقها كانت تقاوم قلبها بشده والذى كان يصرخ طالبا الانسان الوحيد المتربع به ، نظرات الحب والحنان فى عينيه القويه كانت تعذبها خفضت اهدابها الكثيفه حتى تمنع عيناها من قول الكثير ،وهذا كل مااستطاعت فعله لم تطاوعها قدماها على الحركه ومع انها لا تنظر اليه الا انها شعرت به ، وجوده كان يملؤها رائحة عطره الرائع حتى انفاسه التى تلفح وجهها كانت تقول الكثير، رفع وجهها اليه متاملا كل شىء فيه كما لو كان يرسم ملامحها الحبيبه الى قلبه فى خياله ،لا بل كان يضيف صوره اخرى الى العديد من صورها التى لاتفارق زهنه ،ابعد خصلات شعرها عن جبينها هامسا بحب :
_ لما لا تنسى كل شىء ونبدأمن جديد ، انا لن اتحمل ان اظل بعيدا عنك اكثر من ذلك .
نظرت اليه بقوه غير عابئه بملامحه المتدفقه حبا ولا بقلبها المعترض قائله :
_ ولكننى انا سأتحمل .
وابعدته عنها متجهه الى الاريكه التى توجد فى منتصف الغرفه جلست عليها رافعه ركبتيها مستنده عليهما بذقنها مشبكه يديها حولهما، لا تعرف من اين اتتها كل هذه القسوه ولا كيف طاوعت عقلها على قول ذلك ،لم تحاول ان تنظر اليه كانت تعلم انه يتألم مما قالت ،والنظر اليه وهو فى هذه الحاله كان يكفى لذبح قلبها ، وازداد عذابها عندما سمعته يقول بلوعه :
_ ياالهى ، لماذا انت قاسيه لهذه الدرجه .
كانت ترفض ان تنصاع لأوامر قلبها الملتاع ، فأبت الا تقول بهدوء شديد :
_ تعلمت هذه القسوه منك .
وفجأه وجدته فوقها، حملها بكل قوه قائلا :
_ حقا ...اليك بعضا منها اذا .
كانت ترتجف بين زراعيه صارخه عليه بأن يتركها ، بينما كانت ملامحه جامده ولم يتركها الا ليلقى بها فوق الفراش ، وكانت هى بين شقى الرحى لم يلمسها ولكنه اتكأ بيديه على جانبيها فلم تتمكن سوى من ان ترتفع قليلا وتستند على ظهر الفراش وتمنت لو لم تفعل ذلك فقد اصبحت فى مستوى وجهه واقرب بكثير اليه ،بينما قال هو بحزم :
_ استمعى الي جيدا يا (رؤى) ، لقد اضعت الكثير وانا اتعذب لفراقك ولن اسمح بأضاعة الاكثر ونحن بعيدان عن بعضنا ،اعلم انك غاضبه منى بشده ولك كل الوقت الذى تحتاجين حتى تهدئى والى ان يحين هذا الوقت سنتعامل كاى زوجين يحترمان بعضهما و سننام نحن الاثنان هنا ، فأنا لن انام على الاريكه .........
كادت ان تفتح فمها لتقول له انها هى ستفعل لتبتعد عنه ، وكأنه قرأ افكارها اذ اكمل قائلا :
_ ولن اسمح لك انت الاخرى بفعل ذلك ، ولك ان تكونى متأكده اننى لن اقترب منك ابدا الا اذا شعرت انك انت الاخرى تريدين ذلك .
_ ستنتظر طويلا اذن لأنك لن تشعر بذلك ابدا .
قال بنظرات جريئه :
_ هذا ما تتحدث به شفتاك الجميلتان ولكن عيناك لهما رأى اخر.
كانت نظرة عينيه جامحه جريئه زلزلت كيانها ، بينما ضحك هو ممازحا :
_ ارأيت ، انك ترتجفين حبا لى .....
ثم اضاف بحنان بالغ :
_ حبيبى هل علي تذكيرك دائما اننا زوجان .
اجابت بتحد :
_ لا بل عليك تذكير نفسك اننا سنترك بعضنا عما قريب .
لمع بريق الغضب فى عينيه قائلا :
_ تذكرى هذا بمفردك لأننى لا اوافق عليه وليس علي ان اتذكره فى الواقع .
ثم اضاف قبل ان تفتح فمها ونظرة جزل تطل من عينيه :
_ ولكن ما اتذكره هو تصرفات الاطفال التى تقومين بها الان لئلا تنامى بجوارى ،هل انت خائفه من مشاعرك لهذه الدرجه !
تغلبت على نظراتها المذهوله واستبدلتها بالغاضبه قائله :
_ خائفه من مشاعرى ..... نعم ... حقا ... قد اكون خائفه من عدم السيطره على مشاعرى وانقض عليك بينما انت نائم وا.....
قاطعها قائلا بتهكم مازح :
_ وترتمى بين زراعى نائمه بكل وداعه طالبه حبى، اليس كذلك ؟
_ قد تكون الوداعه اخر صفه يمكن ان تصف بها ما سأفعله .
قال وهو يبدأ فى الابتعاد متجاهلا ما قالت ولكن ابتسامته الجزله الساخره قالت ما لم يقل :
_ تصبحين على خير يا حبيبتى .
ودار حول الفراش لينام وينهى هذا اليوم الطويل عالما انها لن تتمكن من المعارضه بعد الان حتى لا تظهرخائفه من مشاعرها كما قال ، وقبل ان يلقى بالغطاء حوله وجد وساده وغطاء يسقطان فوقه بعنف ابعدهما والتفت اليها صائحا :
_ ما هذا .
قالت بجديه وبرود :
_ لا يوجد وسائد كافيه لأضعها بيننا ، لذا ستتغطى انت بغطاء وانا بغطاء اخر، وﻻ تتحرك وانت نائم لأننى اذا شعرت بأى اقتراب منك لن تجد الا الصفعه التى تلقتها (نسرين) فى انتظارك .
القى برأسه فوق الوساده هاتفا :
_ يا للنساء ، انت مجنونه تماما .
قالت والسخريه تقطر من صوتها وكلامها :
_ نعم ... اعذرنى يازوجى العزيز فقد جننت من مشاعرى الخائفه .
ارتسمت على شفتيه ابتسامه رائقه وهو يغمض عينيه ،بينما نامت هى على مضض مرتعبه ودعت ربها الا يحدث شىء ، لم تفكر ابدا انه زوجها كل ما فكرت به انها لا تريد ان تنهار مشاعرها مره اخرى امام حبها له كما حدث من قبل ، ولكن لما الخوف هى لن تتمكن من ذلك ابدا فبعد معرفتها لحقيقة ما حدث لن تتمكن من ان تغفر له شكه وعدم ثقته بها ، لن تتمكن من ذلك ابدا .

متاهة قلوبحيث تعيش القصص. اكتشف الآن