إن من الصعبِ على شخصٍ آخرَ غيري أن يعرفَ عمقَ الألمٍ الذي أعانيه، وذلك لسببٍ بسيطٍ هو أنه ليسَ أنا بل آخر..
يعزُّ على المرءِ دائمًا أن يسلَّمَ بألمِ غيره (كما لو كان ذلك رتبةً ولقبًا). فهل تعلم لماذا يعزُّعليه أن يسلمَ بألمي؟ ربما لأن رائحة فمي كريهة، أو لأن وجهي غبي، أو لأنني دستُ على قدمه في يومٍ من الأيام..
على أن الآلامَ أنواعٌ: فهناكَ آلامٌ تخفضُ قيمتي أو تنقصُ قدري، كالجوع مثلاً؛ فالمحسنُ يمكن أن يُصدِقَني فيما يتعلقُ بهذا النوعِ من الآلام، أما إذا كان الألمُ أرفعَ من ذلك، إذا كان ألمًا من أجلِ فكرةٍ مثلاً، فأنه يرفضُ أن يصدَّقه، إلا في أحوالٍ نادرةٍ قليلة. وهو لا يصدقه لأنه حينَ ينظرُ إليَّ يرى فجأةً أن رأسي ليس ذلك الرأس الذي لا بدَ أن يكونَ في نظره رأسَ من من يتألمُ في سبيل قضيةٍ رفيعةٍ تلك الرفعة كلها. وهو عندئذٍ يأبى أن يتعاطفَ معي أيَّ تعاطف، دون أن يكون في موقفهِ هذا شيءٌ من روحِ الشرِ على كلِّ حال..
إن على الشحاذين ولا سيما حينَ تكونُ نفوسهم نبيلة، أن يظلوا مختبئينَ عن الأنظار، وأن لا يطلبوا الإحسانَ إلا بإعلاناتٍ ينشرونها في الجرائد..
الاخوة كارامازوف .. 2 .
فيودور دوستويفسكي