الجزء الأول :

8 1 0
                                    

الحياة جميلة ..! كيف لا و هي من تمنح لكل شي حياة ! و منها تولد الحياة ، وهبت الجمال لكل حي ، و منها مصدر الإلهام و الأمل ، هي تلك التي تمنح الحقول نسمة من ألطافها فتخضر أراضيها ، و تينع ثمارها !! و هي التي تمنح البشر أملا حين تمنحهم حياة جديدة في هيئة مولود ، هي تلك الراحة و السعادة في الحدائق الباهية و هي الفاتنة التي تلوح في بهاء..
في حين العالم يحوي كل هذا الجمال ، ففي جانبه الآخر يقطن الظلام ، يسلب ما أعطته الحياة من جمال ! يحيل الأخضر إلى رماد ، و النبض إلى سكون ، و الموجود إلى عدم ، هو اليأس القاتل و الصمت المطبق ، و هو منفى كل ما إنتهت به الأيام إليه ، إنه الموت الذي تخشاه  كل المخلوقات ! في حين الحياة تسعد برقة حين ترى السعادة في وجوه البشر عند مولودهم الجديد يراقب الموت تلك السعادة التي ستصبح بكاء بعد عدة سنين حين يقتاد إلى زواله ، و يصحبه الموت ! عندها تلتاع الحياة على فقيدها ، و تبكي عليه بحرقة...
و كالجميع أن للموت وجه مظلم ، كذلك يمتلك جانبا رحيما ، في حين أن ظاهره بارد و قاس ، ففي دواخله شيء من الرحمة ، في حين أن الحياة بالرغم من محبتها قد تودي بتشبثها بذلك البصيص من نور بعض الأرواح حتى يحيلها الهلاك ، فبنفحة من رحمة الموت ينهي عذاب تلك الروح التي قاست كثيرا...
في تلك اللحظات قد يكون للشر غيض و إمتعاض فبالرغم من جميع ما يفعله من مساوئ ، فليس هناك أكثر لذة من رؤية روح تتهاوى في العذاب ، تستعر بنيرانه!  و ليس هناك أسوأ من أن ينتشلها الموت كشعلة لهب تلاشت في الظلام ..!

قد جاء الشر في تجسده ذات يوم للموت مخاطبا إياه و قد إكتسى ألوان اللطف و الحب ثم قال بمكر ، و بلهجة النصح : عزيزي الموت أراك قد أمضيت سنين من حياتك في قبض الأرواح ، أما تراك تحيد عن عملك هذا ؟ نظر الموت ناحية الشر ، دون إبداء أي تعابير :
" هذا ما وجدت لأجله فلم عساي أحيد عنه ؟ "

أبدى الآخر مكرا لم يخفى على الموت و هو يستمع : " أما ترى الناس تكرهك ؟ إنها ترى أنك سبب تعاستها و حزنها ، فأنت هادم اللذات و مفرق الجماعات ! رد عليه الموت ببرودة : بأعماق كل فرد منهم ، هم يعلمون أن هذا لصالحهم ! , فإن لم يوقنوه عاجلا , سيفعلون آجلا !! "
إبتغض الشر قوله حين سماعه ، فقرر اللعب على أوتار العاطفة ، قائلا بأسى زائف و هو يذكره ببكاء الحياة الفاتنة : " و ماذا عن الحياة ؟ ، كيف بك و أنت تحيل ما زرعته الحياة من جمال إلى رماد ؟ ، تصير سعادتها إلى بؤس و جهدها يذهب أدراج الرياح ... "
صمت الموت مطرقا للحظة و كأن كلمات الشر قد لامست شيئا بداخله ، أكمل الشر حينما لحظ ذلك : " أما تراك يؤلمك بكائها و لوعتها فهي كالأم الثكلى تبكي ملتاعة على من قضى نحبه من بنيها ! نطق الموت بعد صمت : " لابد لكل حي من زوال ، هذا هو القدر !! "

" أيرضيك من هي بتلك الفتنة و الجمال أن تنهمر دموعها بسببك ؟ " قالها الشر بصوت متعال على مسامع الموت ..

" و كأن الموت يفتن بالجمال ..! " قالها الأخير في حين ترك الشر مستغضبا خلفه ، يحترق بغيضه..

صراع بين الحياة و الموت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن