الجزء الثاني :

0 0 0
                                    

راح الموت عند تل مغطى بالخضرة و النضار و هواء عليل يجوب المكان إنحنى عند زهرة يانعة ، تقف بشموخ و عنفوان فوق غصن ريان
متباهية بلونها ، و كأن السماوات بزرقتها قد تجلت فوق بتلاتها ! لامس بأنامله وريقاتها , فكانت كعروس تميل مع لمساته بإستحياء ، لم ت. خشى برودة أطرافه و لا رسم ملامحه الهادئة حد الموت ، و قابلته ببهاء دعاه ليفكر فيما إعتاد على فعله ، بحق كل الحيوات هي تعلم من هو ، و تعلم أنه سيسلب منها كل جميل سوف يكسر عنفوانها ، و ييبس غصنها ، لن تعود قادرة على مواجهة نفحات النسيم ، و لا حتى إرتشاف قطرة ماء ! ستشيخ حتى يسلب ظهورهاقى و يأخذ منها ما أعطتها الحياة !! لكنها تقابله بقوة تكاد تنافس الجبال ، و تظهر له معاني الجمال ، هل تستخف به ؟! ، أم أنها لا تدرك معنى هذه الزيارة ؟ ، أطبقت عليه فمنعته الحيرة عن النطق ، فلم يكن يسمع حينها إلا حفيف الأشجار من حوله

" أيشرد الموت أو يغفل للحظة ..؟! " تنهد الموت ثم دون أن يلتفت إلى محدثه أجاب بعد صمت دام لثوان :
" كيف لهادم اللذات و مفرق الجماعات أن تحوط به الحيرة ..! "

" إني أرى عليك آثار الظلام ! "

" أولست الظلام بحد ذاته ؟ "

" لا تتساوى ظلمات الجهل بظلمة السكون ! ، فالأولى مهلكة ، و الأخرى جالبة للإشراق "

إلتفت الموت ناحية صاحبه ، فكان شيخ كبير  ذو لحية صبغتها الأيام بالبياض ، يكسوه الوقار ، و تعلو ملامحه الحكمة ..
تنهد الموت و عاد يجول بناظريه في المكان آخذا بالتأمل في كل هذا الجمال الساكن في هذه البقعة و غيرها من البقاع ، لا بد و أنها من هبات الحياة ! لكن ماذا عنه ؟! فراشة تجرأت بعد أن إرتشفت قليلا من شجاعة تلك الأزهار المنتثرة في المكان حلقت ناحية الموت بأناقة لم تقل عما تملكه الزهور ، لم يملك إلا أن يمد لها إصبعه حتى تستقر فوقه ، بينما هو ينظر لها بدهشة ..

" أيحق للموت أن يمحو كل هذا الجمال ؟! " تساءل بهم  ليعاود الصمت ثانية ، فأجابه صاحبه بعد برهة

" أوليس لكل منا مهمة في هذه الدنيا ؟ ، لم نوجد في هذا العالم عبثا فالحياة : تلك الفاتنة التي تعطي لكل شيء نفسا ، الموت : الشبح الذي تنتهي إليه الأشياء و الحيوات ، أما أنا الزمان : فإني الشاهد على ذي و ذا ، و الناقل للمعرفة و التاريخ من الأسلاف إلى الخلفاء "

" و أين مهمتي من عظمة ما تملكان ؟-مد الموت نظره للسماء الزرقاء- قد أكون الأسوأ حظا في هذا العالم ! "

ما كان على الزمان غير السؤال " ما إستدلك على ذلك ؟ "

أطرق الأخير برأسه قائلا بشيء من البؤس " هذه المهمة قد أثقلت كاهلي ، يعتقد الناس الخطأ أن الموت يترصد بهم ليسلبهم الأمن و السعادة ! يخشونه و يبغضونه دون تفكير فيما يعنيه هذا المصير!! "

صمت الزمان و أصغى للموت الذي أخذ يتكلم على غير العادة
" أعلم جيدا أنهم مدركون لما يعنيه مصيرهم المحتوم ، فلا معنى للحياة مالم تنتهي في يوم من الأيام ! إنها الأقدار حتما ، كل جمال قد منحته الحياة لهم و كل تلك السعادة التي تنثرها بلا حساب عليهم ، بمرور الأيام سوف يغدو مملا كئيبا ! و سوف يتمنون زواله حتما "
قاطعه الآخر " أليس هذا بصيص النور الذي تبحث عنه .؟! و البلسم الشافي لما قد تعاظم في نفسك .! "

إستحوذ الصمت على الموت ثانية ، بينما أكمل صاحبه..
" لست هنا لأقرر ما مدى أهمية عملك ، و لا تجريم عدم فعلك له ، إنني الشاهد فقط عما كنت تفعل ، و ما تنوي فعله ، هنا تكمن مهمتي ما تنويه هو أمر عائد لك ، لكن أثاره قد تطال الآخرين ! "
قال ماقد قاله الزمان و عاد أدراجه و اختفى متلاشيا بين نسيم الهواء من حيث ظهر !!

أعاد الموت النظر إلى الزهرة الزرقاء ، لم يستغرق في التفكير كثيرا ، حتى مد ذراعه فوقها فأضاءت بهالة زرقاء طفيفة ، ليخطف تلك الهالة بعدها و ينهض مبتعدا عن المكان ، لم تمضي سوى لحظات حتى بدأت الشيخوخة تلتهم شموخ تلك الزهرة آيلة بذلك إلى الذبول ...!!

صراع بين الحياة و الموت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن