~5~

449 38 113
                                    

‏يالكثافة ما تراه في شرود ذهنك، وأنت تحدّق في شيءٍ صغير.

تمضي الساعات بهدوء مقيت، كما اليومان اللذان قضياهما في المصحة، كآبة معتمة، وصمت يطبق الأنفاس، وكأن لا حياة في المكان، روتين قاتل يكرر نفسه، الشيء الوحيد المتغير؛ أحلام كاي، التي باتت تأخذ منحناً أخر تماماً، وكأنها تعطيه تلميحات للقضية، على عكس السابق، حين كانت تدفعه بهوس ليدخل المصحة أياً كان الثمن.

أما هذا الصباح، فمختلف قليلاً عما سبقه، فالنشاط الذي بدأ بالتسلل لسيهون، أفرح كاي، واستطاع بعد جهد أن يبعد ذاك الخمول الهادئ الذي استحوذ على عزيزه لفترة، فالآن...وهما يسيران بثبات صوب القاعة، ويداهما تتضاربان بتعاكس تطالبان بالصلح والقُرب، لم تستقم شفاههما المبتسمة مطلقاً.

-هوني...ما رأيك بوجبة خاصة بعد أن ننتهي من استجواب المرضى؟
قطع كاي الصمت قائلاً بمرح، وعيناه متقوستان بسعادة كما شفتاه، ليعقد سيهون كِلا حاجبيه ويسأل مستفسراً، يميل رأسه للجانب بلطف: وجبة خاصة؟

-سأطهو لك...كمكافأة لنشاطك وامتناناً لمبسمك.
أجابه كاي بصخب، مع ابتسامة عريضة، وعينان لامعتان، مما جعل من وجنتيّ سيهون يتلونان بوردي لطيف، ويشيح بوجهه بخجل، يطالع كل إنش في المكان يبتعد عن كاي خطوتين كعادته كلما تعامل معه الأول بلطف مبالغ.

-هوني...أتعلم بأنك أجمل هكذا! إياك أن تعود مخيفاً كما السابق.
عاد كاي للكلام، يستفز سيهون أكثر، يحب أن يراه بتلك الحال المُضطربة، بعد أن أسرع ولحق به، ووضع ذراعه على كتف الثاني متعلقاً به، يكتم ضحكة صاخبة.

زم سيهون شفتاه بتفكير، وتقوست عيناه بدهشة من كلام كاي، ثم خطرت له فكرة، فسارع بإبعاد ذراع كاي، والتف ليقابله وهو يرفع كلا ذراعيه قرب وجهه ويثني أنامله للأمام، ويكشر وجهه ويبرز أسنانه كمفترس يخيف كاي، يظن نفسه أسداً مفترساً يزمجر، وما هو إلا قطة صغيرة لطيفة.

-عليك أن تخاف! كاي لا تضحك!!
انتحب سيهون بغضب حين غرق كاي في ضحك هستيري ووقع أرضاً، وكلما وقعت عيناه على الأول ازداد ضَحِكه، وقد نالت ضحكته الرنانة اهتمام الجميع ولفتت الإنتباه لهما.

زفر سيهون بغضب واحتدّت ملامحه، وترك كاي يضحك بصخب ومشى أمامه يطأطئ رأسه بخجل ممتزج بالسخط، ووجنتاه منفوختان يفكر بجدية بأنه أخطأ لمّا تصرف مع كاي على طبيعته، كان عليه أن يبقى رسمياً أكثر، كي يتجنب موقفاً كهذا.

-سيهون انتظرني..
هتف كاي بنبرة متقطعة وهو يستجمع شتات نفسه بعد نوية الضحك الهستيرية تلك، ويلحق بسيهون وهو يلهث، لكن الثاني التفت إليه بوجه غاضب وقال بحدة رافعاً سبابته بتهديد: لا تقترب مني! ولا تتكلم معي!

لم يستمع له والتصق به متجاهلاً تحذيره الجدي، وأحاط كتفه بذراعه القوية مقرباً إياه وسط محاولات سيهون للإفلات ويقول بجدية مصطنعة: لا تلُمني! أنتَ ألطف من أن تُخيفني بتلك الطريقة، أنتَ أشبه بقطة صغيرة بيضاء تحاول تقليد أسد رأته على التلفاز!

تايتان||Taitanحيث تعيش القصص. اكتشف الآن